اعتقد قادة إيران لوهلة أنهم أعادوا مجد الإمبراطورية الفارسية، وباتوا يبسطون سيطرتهم حتى البحر الأبيض المتوسط، وقد يكون بعضهم ما زال غارقاً في الوهم ذاته، إلا أن الحراك الشعبي، الذي تشهده المدن الإيرانية منذ أيام، هزّ أركان النظام، وأظهر للعالم أن تلك الإمبراطورية المزعومة أوهن من بيت العنكبوت.
النظام الإيراني قد ينجح في قمع المظاهرات الاحتجاجية بحكم خبرته الواسعة في هذا المجال، كما نجح الجيش المصري في قمع ثورة 25 يناير، ولكن هذا لا يعني أن مطالبة الشعوب بالحرية والكرامة ستنتهي. بل ستنفجر في وجه الطغاة في أقرب فرصة، وستخوض ثورة ضد الأنظمة الدكتاتورية أشد من التي قبلها.
الرئيس في إيران ينتخب عبر صناديق الاقتراع. ومع ذلك، لا يمكن أن يدَّعي أحد بأن فيها ديمقراطية، في ظل وجود منصب «المرشد» الذي يسيطر على كل شيء في البلاد، ولا يترك للرئيس المنتخب مساحة للتحرّك. وبالتالي، ليس من حق أحد أن يقول للشعب الإيراني إن آلية التغيير هي الانتخابات وليست المظاهرات الاحتجاجية والاحتكام إلى الشارع، لأن التغيير عبر صناديق الاقتراع يمكن في الأنظمة الديمقراطية، لا في نظام الولي الفقيه.
الشعب الإيراني خرج ليعبر عن استيائه من سياسات النظام وفساده، وطريقة إدارته للبلاد، ويرفض أن تهدر أموال إيران الغنية بالثروات الطبيعية، كالنفط والغاز، وهو يئن تحت وطأة الفقر والحرمان، إلا أن هناك آخرين يركبون موجة الحراك الشعبي لتحريف بوصلته، أو يستغلونه لتحقيق مآرب، غير التي يرمي إليها الشعب الإيراني. الحراك الشعبي في إيران لا يواجه نظام الولي الفقيه وأدواته القمعية فحسب، بل يواجه أيضاً خطر سرقة نضاله وإنجازاته من قبل قوى دولية وإقليمية لها حسابات أخرى تسعى إلى تصفيتها، ولو على حساب الشعب الإيراني. ولعل هذا هو التحدي الأكبر الذي يجب أن يتنبه له الحراك الشعبي في إيران.
الشعب السوري خرج إلى الشوارع والساحات لإسقاط النظام وتبديله بنظام آخر يمثل الإرادة الشعبية، ويشارك فيه المواطنون في صنع القرار ورسم مستقبل البلاد. ولم تكن ثورته من أجل تقسيم سوريا على أسس إثنية أو طائفية، كما لم يقدم عشرات الآلاف من الشهداء كي يقيم المدعو أبو بكر البغدادي كيانه الإرهابي. ومع ذلك، فإن المستفيد الأكبر حالياً من الثورة السورية هم الانفصاليون الأكراد الذين قاموا بتوسيع نفوذهم بدعم أميركي سخي، على حساب الشعب السوري، وثورته. هناك مشجعون إقليميون ودوليون للمظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها المدن الإيرانية. وتجد لدى بعضهم حماساً أشد من حماس المتظاهرين الإيرانيين أنفسهم، على الرغم من أنهم لم يشاركوا طوال حياتهم في أي مظاهرة احتجاجية، بل كان أحدهم يتمنى بالأمس القريب أن يهلك هؤلاء الإيرانيون في الزلزال، ولكنه اليوم يدعو الله أن ينصرهم ضد النظام.
الشعب الإيراني من حقه أن يعيش في بلاده في أمن وأمان، ويتمتع بحرية الرأي والتعبير، وينتخب ممثليه، ويحاسبهم، دون أن تكون لأحد وصاية على الإرادة الشعبية، كما أن من حقه أن يطالب حكومته بأن تصرف عوائد الثروات الطبيعية في مشاريع تنموية تخدم المواطنين، وترفع مستوى الرفاهية في البلاد.;