أحدث الأخبار
  • 02:24 . ‫احترس.. هذه العوامل ترفع خطر تضخم البواسير... المزيد
  • 02:07 . إصابة ثلاثة مستوطنين بإطلاق نار على حافلة بأريحا والاحتلال يغلق المدينة... المزيد
  • 01:32 . الجيش الأميركي يعلن تدمير أربع مسيّرات حوثية فوق البحر الأحمر... المزيد
  • 01:28 . حاكم الشارقة يطلق المرحلة الثانية من موسوعة التفسير البلاغي وأولى موسوعات مناهج إفراد... المزيد
  • 01:00 . "الوطني الاتحادي" يعتمد توصية بضوابط موحدة للإعلانات الغذائية الإلكترونية... المزيد
  • 12:22 . مساهمو "أدنوك للتوزيع" يعتمدون سياسة جديدة لتوزيع الأرباح... المزيد
  • 12:19 . "طاقة" و"جيرا" اليابانية تتعاونان لتطوير محطة كهرباء بالسعودية... المزيد
  • 05:50 . سخط إماراتي ومقاطعة لسلسلة مطاعم بعد مشاركة مالكتها مقطع فيديو مؤيد للاحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 05:02 . محتالون يخدعون المستثمرين بملايين الدراهم بانتحالهم صفة شركة وساطة كبرى... المزيد
  • 04:44 . 155 ألف أصل سيبراني ضعيف.. الهجمات السيبرانية تقلق الشركات في الإمارات... المزيد
  • 04:32 . عقوبات أمريكية ضد كوريا الشمالية تستهدف شركة مقرها الإمارات... المزيد
  • 04:20 . حكومة الشارقة تنفي إشاعة تغيير بالأذان وتؤكد عدم السماح بالمساس في الثوابت الدينية... المزيد
  • 04:15 . لماذا يعزف الشباب الإماراتي عن إمامة المساجد؟... المزيد
  • 04:15 . في إساءة للدولة.. إعلام أبوظبي ينشر مقارنة بين "مجاعة غزة" و"تطور الخليج"... المزيد
  • 12:21 . الإمارات تعلن إسقاط 90 طناً من المساعدات على شمال غزة... المزيد
  • 10:54 . "أدنوك" تنتج أول كمية نفط خام من منطقة "بلبازيم" البحرية... المزيد

ألسنة وآذان

الكـاتب : عبد الله الناصر
تاريخ الخبر: 30-11--0001

عبد الله الناصر

سبق أن أشرت في هذه الجريدة إلى حالة التسيب والانفلات الكلامي العربي وقلت، نحن يا سادتي نتكالب على الكلام بسبب وبدون سبب نتسابق في التحدث حتى تتشابك الكلمات وتصطدم ببعضها في الهواء وتتناثر في الفراغ.

نريد أن نحكي وكأن أفواهنا ظلت دهوراً مغلقة ثم أُطلقت لها حرية الكلام.. أي كلام فيتوه كلامنا في مجاهل الهذيان.

لا يوجد في غالب الأحيان رابط بين ما في عقولنا وما تهذي به ألسنتنا.. فالعلاقة بين اللسان والعقل ليست وثيقة.. بل وليست على ما يرام.. تماماً كما هي الحال في كثير من أمورنا.. فهي ليست وثيقة وليست دائماً على ما يرام.

نحن نسرف في استعمال الألفاظ ونرهق ألسنتنا حتى يصيبها الإعياء وضعف اللياقة.. وأعظم القادرين لدينا هو من يتمتع لسانه بلياقة رياضية عالية..!! لقناعته بأن الثرثرة والصراخ هما سلاحنا الوحيد الذي نستعمله للدفاع عن أنفسنا، فأصبحت الفروسية لدينا تكمن في طول اللسان.

ليس العرب كما يقال ظاهرة صوتية.. فالأصوات غالباً تدل على الحياة والحركة.. ودائماً صخب العمل خير من جمود الكسل.. والطيور قبل أن تغادر وكناتها إلى رحلة الكفاح اليومي تملأ الكون شقشقة وجلبة.. ولكن العرب -اليوم- فيما يبدو ظاهرة «هذرية».. والهذر هو اللغط والثرثرة والبربرة وتداخل الكلام بلا معنى.

وكثرة الهذر مصدرها قلة الفعل.. فكلما كثر الفعل قل الكلام.. أما إذا ندر الفعل وهزل، فإن الكلام يتضخم ويترهل، ويصاب بالانتفاخ، تماماً كما تصاب بطون أطفال المجاعات.

والغريب أن هناك مثلاً عربياً قديماً يقول: «جوع وأحاديث» وهو يضرب لكثرة الهذر مع كثرة القفر.

كل الأمم لكلامها معاير ومقاييس وقوالب لفظية يصنعها ويحرسها العقل، أما كلامنا فهو عائم سائل يتدفق فوق تلك المعايير وتلك القوالب، والعيب ليس في اللغة، وإنما في الألسن والعقول.. وفي تلك المسافة البعيدة جداً بين العقل واللسان.

ورغم أن أجدادنا أورثونا نصائح جليلة في ترشيد الكلام فقالوا: إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب، وقالوا: مصرع الرجل بين فكيه.. وقالوا: من كثر هذره قل قدره.. ومن كثر حديثه كثر سقطه.. وقال شاعرهم القديم: «لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده»، وأبو نواس رغم أنه صاحب لهو وقصف وعزف إلّا أن له وصية جميلة في الصمت، وإن كان صمت الخوف - حيث قول:

مُت بداء الصمت

خيّر لك من داء الكلام

إنما السالمُ من أل

جم فاهُ بلجام

ورغم وصايا أساطير اللغة وعلمائها وعلى رأسهم ابننمالك الذي يؤكد أن الكلام يجب أن يكون مفيداً.. حيث يقول في ألفيته المشهورة: «كلامنا لفظ مفيد كاستقم».

وهو هنا يؤكد على أمرين: الإفادة والاستقامة الكلامية، وعدم الإكثار من الزوائد والانحرافات اللفظية.

أقول رغم كل هذا إلاّ أننا لا نعتبر.. بل إننا نعتبر تلك النصائح وصاية عجائز ليس من حكمة وراءها إلاّ مجرد الوصاية والتحكم.

لهذا السبب، أي سبب الإسهاب، والإسهال في الكلام تضيع الحقيقة من أفواهنا بسهولة كما تضيع الأرض منا بسهولة.. والكرامة والمقدرات بسهولة..!! وتغيب الحجة في غبار الجعجعة، فنحن نتحدث أو بالأصح نثرثر حتى يملَّ الناس من هذه الثرثرة، ويصابوا بالاشمئزاز والقنوط.. لهذا نراهم حينما يضطرون للحديث معنا فإنهم غالباً ما يحشون آذانهم بالقطن والشمع.

صدقوني إننا نحتاج إلی تربية على الكلام، وتدريب على الكلام.. بل نحتاح إلى ثقافة اسمها ثقافة الكلام، ومتى امتلكنا القدرة على ذلك فسوف نمتلك القدرة على حل بقية الأمور المستعصية الأخرى.

علينا أن نتكلم وفق ما تريده وتتطلبه حاجاتنا.. فإذا وصلنا هذه المرحلة من التوازن فإننا سنعطي لأذهاننا فرصة للتفكير، والتدبير والتأمل، والابتكار، وسوف نحميها من كل هذا الصمم الناتج عن الثرثرة.. وسنعطي آذاننا فرصة للراحة، ونتأكد من أنها لن تطول، وتتضخم، وتتهدل.