أحدث الأخبار
  • 11:40 . رئيس الدولة وسلطان عمان يشهدان توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات بين البلدين... المزيد
  • 08:58 . "الأبيض الأولمبي" يودع كأس آسيا بخسارة ثالثة أمام الصين... المزيد
  • 08:35 . وفاة الداعية اليمني عبد المجيد الزنداني في تركيا... المزيد
  • 07:10 . ارتفاع شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34151... المزيد
  • 06:36 . سلطان عمان يصل الإمارات في زيارة رسمية ورئيس الدولة في مقدمة مستقبليه... المزيد
  • 12:24 . استقالة رئيس الاستخبارات الإسرائيلية على خلفية عملية 7 أكتوبر... المزيد
  • 12:16 . تقرير: صفقة " G42" ومايكروسوفت تأتي ضمن خطط أمريكا لقطع الطريق أمام الصين... المزيد
  • 11:29 . إصابة مستوطنين اثنين في عملية دهس بالقدس المحتلة... المزيد
  • 11:20 . الإمارات ترفض ادعاءات السودان "الزائفة" بزعزعة أمنه... المزيد
  • 11:01 . وفاة 12 شخصاً نتيجة السيول شرق اليمن... المزيد
  • 02:02 . بعد كلاسيكو مثير.. الريال يهزم برشلونة ويقترب من الفوز بلقب الدوري الإسباني... المزيد
  • 10:24 . مانشستر يونايتد إلى نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي في مواجهة السيتي... المزيد
  • 10:00 . تراجع كبير لعجز صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي المصري... المزيد
  • 09:27 . مظاهرات داعمة لفلسطين في أكثر من 100 مدينة وبلدة إسبانية... المزيد
  • 09:11 . الخطوط البريطانية تعاود تسيير رحلاتها إلى أبوظبي بعد توقف أربع سنوات... المزيد
  • 07:35 . أمير الكويت يعين رئيس الحكومة نائباً له في فترة غيابه... المزيد

محن العرب.. زمن الحرب!

الكـاتب : صالح عبد الرحمن المانع
تاريخ الخبر: 30-11--0001

ما الذي يحدث في العالم العربي؟ في الأزمنة الغابرة كان الصراع بين العرب وعدوتهم التاريخية، أما اليوم فالحروب الأهلية تشتعل من العراق إلى سوريا واليمن، بينما تدكّ القوات الإسرائيلية أهالي غزة، وتهدد بغزوها من جديد.

وقد يحاول المحلل السياسي العربي أن يفهم ما يحيط به من تغيّرات عنيفة. لقد أُصيب العراق في مقتل عام 2003، وأُسقطت الدولة العراقية، وهي لم تنهض منذ ذلك الوقت، برغم ما تدّعيه النخبة الحاكمة في بغداد. وفي سوريا، يقتل نظام الأسد شعبه بكل بشاعة، ويدمّر بلداً تاريخياً، حتى لو قُدِّر له أن ينتصر، فإن سوريا لن تتمكن من إعادة بناء مدنها وما لحق بها من أضرار لثلاثين سنة قادمة. أما في اليمن، فيحتل الحوثيون مدينة عمران، ويطرقون أبواب صنعاء.

وربما يتساءل المرء، ما الذي يربط بين هذه الحروب؟ فكل هذه البلدان عانت في الماضي من حكمٍ ديكتاتوري أمضى سنين عديدة مطبقاً على السلطة، وحتى حين حلّ فيها ما سمي «الربيع العربي»، لم يأتِ أيضاً بقيادات جديدة وبرؤيةٍ مستقبلية. فالديكتاتورية لم تسمح بظهور قيادات جديدة، وقد عانى الجسد السياسي العربي فيها من تصلّب الشرايين. وحتى حين انفتحت النوافذ، لم تتمكن نسمات الهواء من الدخول. وفي بعض الأحيان، سُمِّيت بقايا النظام، بالدولة العميقة، التي عادت من خلال العسكر لتحكم الجماهير.

والعالم العربي يفتقد فعلاً إلى الهواء الجميل، فكل الحركات السياسية فيه ذات طابعٍ عسكري، أو متعسكر. ومثل هذه الحركات لا تقدِّم فكراً مستقبلياً يمكن أن يبني الأوطان من جديد. بل هي تحمل فكراً منغلقاً، متعلّقاً بمرجعيّات تؤمن بالانقياد الأعمى خلف رجال دين يحكمون بشكلٍ مباشر حركاتهم، والمناطق التي يسيطرون عليها، أو يحكمون بشكلٍ متخفٍّ من وراء الجدران العتيقة، ويديرون خيوط ما يُسمّى في بعض الأحيان بـ«العملية السياسية».

وأعجب من إنسانٍ عربي يتوق إلى الحرية والكرامة أن يستبدل صاحب «البسطار» بصاحب العمامة. فكلاهما لا يقيمان لـ«الرعاع» وزناً، ويستخدمانهم كدُمى عند حائط الفجيعة! وهم لم يتمكنوا يوماً من بناء دولةٍ ناجحة في أيِّ مكانٍ فرضوا سيطرتهم فيه، فكيف يمكن أن يوسِّعوا من سلطانهم في مناطق فقيرة، تريد الحصول على الماء والغذاء والكهرباء؟

وقد يحاول الباحث، أي باحث، أن يحصل على المعلومة المفيدة التي قد تساعده على تصوّر مشهد مستقبلي. وفي هذه الحال ربما ينظر هذا الباحث إلى الصحف العربية، أو إلى «التويتر». وحين تستعرض أسماء الصحف العربية ستجد أسماءً رنّانة تضاهي أسماء الفرق الرياضية بريقاً وإشعاعاً. ففي العراق، تدفعك هذه الأسماء إلى التفاؤل بأسمائها -«التآخي»، و«البديل العراقي»، و«الوفاء»، و«العراق للجميع»- وكلها أسماء جميلة تبعث الدفء في النفس. ولكن حين تتصفح هذه الصحف، فستُصعق بمستوى التحليل فيها. فكل واحدة تتحدث بلسان حزبٍ أو قوميةٍ وعرقية. وبعضٌ منها يدلف إلى التعرّض لشخصيات دينية بشكلٍ يسيء إلى نفسه قبل أن يسيء إلى تلك الشخصيات. ومعظمها يزرع الطائفية والتحزّب والتخندق في نفوس قرّائه. ومثل ذلك ليس حصراً على الصحف العراقية، فصحف بلدان ودول أخرى تعصف بها الصراعات ستُنبئك بمثل هذا النمط من المقال، أو التحليل.

والحقيقة أنّ هناك أصواتاً حرة ترفع رأسها بين حينٍ وآخر لتصدع بالحق، ومنها ما قاله السيد الصرخي في العراق عن أحداث الموصل. وحين تظهر مثل هذه الأصوات تشعر بأنّ هناك وميض أمل في لمّ شمل العراقيين. غير أنّ سحر السلطة وبريق الغنيمة الذي تقوده الطبقة السياسية يطغى في معظم الأحيان على مثل هذه الأصوات الشجاعة.

وبينما ينظر المفكرون الغربيون إلى الشعوب نظرة إيجابية، نرى أن مصطلح الرعاع في التراث العربي يشير إلى «سقّاطهم وسفلتهم»، أو «غوغائهم». وكان العرب في صدر الإسلام يربطون هذا المفهوم بالتجارة وتجمّع البشر في الأسواق الموسمية. أما حين تدهور حال دولة الخلافة، فقد ارتبط هذا المصطلح بالثورة والفتنة.

فإذا كان العرب ينظرون إلى شعوبهم بمثل هذه النظرة، فكيف تتوقع من الطبقة السياسية فيهم أن تلعب دوراً لرفع مستوى هذه الشعوب التي أصبحت في نظرها قطيعاً من «رعاع»، جاهزاً للانقياد خلف أي صاحب صيحة، أو مذهب، أو إيديولوجية سياسية.

وفي المجتمعات العربية، كما الدول، صراعٌ بين عنصرين أسياسيين، التمدين والبداوة. والتمديُن لا يعني بالضرورة ساكني المدن، بقدر أن البداوة لا تعني كذلك ساكني الأرياف والفيافي. فالتمدين والبداوة ظاهرتان فكريتان قبل أن تكونا ظاهرتين اجتماعيتين. المدينة تعني التعايش بين البشر وتبادل السلع والخدمات، والعيش المشترك والاحترام المتبادل بين الناس. أما البداوة فتعني التخندق الاجتماعي والفكري والانغلاق، وتقديس الذات، والانقياد الأعمى خلف زعيم القبيلة، أو رجل الدين، أو الزعيم السياسي الأوحد.

وأكاد أجزم بأنّ قِيم البداوة في القبائل العربية القديمة لم تكن كحالها اليوم. فالقبيلة كانت تعنى بالشعر وتفخر به، ولا تلجأ إلى العنف إلا للحصول على غنيمةٍ محدودة، تسد بها حاجتها حين يلمّ بها القحط. كما أنّ زعامتها لم تكن أحادية، بل متعددة، وفيها نمط من الديمقراطية في اتخاذ القرار.

أما في عصرنا الحديث، فقد مات الشعراء، ولم تلد الأمهاتُ أدباءً أو شعراء كما كان الحال في الماضي. وكثر فيها المتفيقهون من رجال الدين، الذين لم يأخذوا بالفقه أو يتعمقوا في فهم الرسالة السماوية، بقدر جذبهم للمريدين والأتباع. وكلٌّ يفخر بعدد متابعيه على صفحات «تويتر». ووصل الأمر ببعض هؤلاء الوعّاظ، أن يضع صورته على إعلانات ضخمة على مسارات الطرق السريعة. فالأمر لم يعد خاصاً بالتفقه في الدين وفهم فلسفته الروحانية العميقة، بل غدا وسيلةً سريعة للوصول إلى السلطة، أو مقارعة أصحابها، بأنه يستطيع تحريك «الرعاع»

هكذا إذن العالم العربي، دولٌ كنّا نعتقد أنها قوية، وفوجئنا بعد انهيارها بأنّ بعضاً منها كان يقوم على قواعد كرتونية. وحين انهارت، باتت الفئات الجديدة التي تقودها متشبّثة بالسلطة، حتى لو عنى ذلك تفكيك البلاد إلى كانتونات وأقاليم متناثرة.

وفي سبيل البقاء في السلطة، لن يتورّع بعض الساسة عن تقسيم بلادهم وتمزيقها. وقد يتساءل المرء من جديد، متى ينتهي زمن الحرب؟ وهل انتهت حقبته التاريخية أم أنّ هناك بصيص أمل في إسدال ستارته عمّا قريب؟ لا نزال في حيرةٍ من أمرنا، ولكننا نضيّع دولاً، ونرمي بلداناً وشعوباً في مصائر فوضوية وسوداوية.