أحدث الأخبار
  • 12:51 . على حساب الهلال السعودي.. العين يبلغ نهائي أبطال آسيا للمرة الرابعة في تاريخه... المزيد
  • 09:49 . تقرير: أبوظبي تشارك بنقل الفلسطينيين من رفح تمهيداً لاجتياحها من قبل الاحتلال... المزيد
  • 09:40 . جوجل تطرد 20 موظفًا احتجوا على صفقة مع الاحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 09:39 . أمير الكويت يبدأ زيارة رسمية إلى الأردن... المزيد
  • 08:25 . تسعير خام دبي لشهر يوليو بخصم 0.10 دولار عن خام عمان... المزيد
  • 08:20 . استثنى "سكاي نيوز".. السودان يعيد عمل مكاتب قناتي العربية والحدث السعوديتين... المزيد
  • 07:18 . النفط يتراجع إثر تقييم تداعيات العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران... المزيد
  • 07:15 . أبو عبيدة: سنواصل ضرباتنا ومقاومتنا ما دام عدوان الاحتلال مستمراً... المزيد
  • 07:01 . الإمارات وعُمان توقعان شراكات استثمارية بـ 129 مليار درهم... المزيد
  • 06:47 . بيان إماراتي عُماني مشترك يدعو لتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر التصعيد... المزيد
  • 06:39 . تقرير: السعودية أكثر دول الشرق الأوسط إنفاقاً في المجال الدفاعي... المزيد
  • 01:05 . وزير الخارجية الإيراني يصف عقوبات الاتحاد الأوروبي بأنها “مؤسفة”... المزيد
  • 01:03 . الاحتلال يقصف شواطئ غزة ويكثف غاراته وسط القطاع... المزيد
  • 12:08 . ألم المستقيم.. أسبابه وطرق علاجه... المزيد
  • 11:33 . "دوكاب" تخطط لإنتاج قضبان الألمنيوم الأخضر... المزيد
  • 11:32 . حاكم الشارقة يؤكد عودة الأمور إلى طبيعتها في الإمارة خلال ثلاثة أيام... المزيد

العراق: مسرح الحروب المزمنة!

الكـاتب : صالح عبد الرحمن المانع
تاريخ الخبر: 23-08-2014

في التاريخ القديم كان المشرق العربي الممتد من فلسطين وحتى إيران يوصف بأنه يمثل المسرح العربي، بما مر عليه من حروب وآلام ومحن، على رغم ما يتمتع به هذا المسرح من خيرات ومياه وحضارة عريقة.
واليوم يعود التاريخ ليكتب رسالته من جديد غير أن الحروب والغزوات التي يتعرض لها العراق لم تأتِ من الشرق فقط كما كان عليه الحال من قبل، بل تأتي هذه المرة من جهات عدة، وكأنما لا يريد المُخرج أن يغيّر من مكان مسرحيته، بل لا يريد أن يغيّر من شخوصها، فشعب العراق لا زال هو حطب تلك الحرب ووقودها للأسف.

واليوم تتكالب على العراق قوات ومقاتلون من جهات ودول متعددة، بعضهم يتخذ من الأرض مسرحاً لعملياته، وآخرون يتخذون من الأجواء طريقاً لصواريخهم وبراميلهم المتفجرة، وكلها موجهة ضد شعب أعزل، من أم ثكلى وأب مشرد فقد سائر أبنائه وأسرته، ولم يعد لديه ما يذكّره بهم سوى بضع صور ملونة يحملها بين يديه.

وحين يتابع المرء الأخبار الحزينة القادمة من هذا القطر فإنه يتألم أشد الألم، وسواء كانت هذه الأخبار محمولة على التلفزيون أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي فإنها تجعل المرء يشعر بأسى على أرض فقد فيها المرء إنسانيته وبات يبحث عن إيلام الآخرين ومعاقبتهم بل وقتلهم، وذلك لأهواء سياسية ومكاسب آنية. وحين ينظر المرء يرى المواطن العراقي وهو يعيش في بيوت من طين قديم تفتقد أبسط مظاهر التمدن والحضارة، فلا هي مزودة بالماء أو متصلة بالكهرباء، وعلى رغم وجود النهر على مسافة قريبة منها فهي كالعطشى والماء فوق ظهورها محمول.

وشعب العراق الذي كان دائماً يتآخى بلغاته وأديانه ومذاهبه وقومياته، صار اليوم يتناحر، وبات القريب والبعيد يغذّي العدوان والأحقاد والحروب بين أهل العراق حتى يتمكن منهم، ويجعل من بلادهم مصدراً للثروات وسوقاً للسلع والخدمات التي ينتجها بما فيها السلع والذخائر العسكرية.

وفوق هذا وذاك يُقحم رجال الدين والوعّاظ أنفسهم في تبرير تلك الحروب وحضّ الأفراد العاديين على خوضها، وسواء كان هؤلاء الوعاظ من الشيعة أو السنة فهم يسهمون معاً في إيقاد نار الحروب المذهبية وإيجاد الوسائل الفعالة لدفع مزيد من المقاتلين في لحجج تلك الحروب وحرائقها. والعجيب، ولعلّه من المضحك، أن ينضم الوعاظ المسيحيون أيضاً إلى هذه الفئة المختارة من الوعاظ المسلمين، الشيعة منهم والسنة، كي يصدروا الفتاوى التي تجيز تلك الحروب وتشرّع لها. فها هو البابا فرانسيس يستصرخه الصحافيون ليقدم لهم فتوى تجيز لبعض السياسيين العودة إلى العراق بأسلحتهم وطائراتهم حتى يكملوا المسيرة السابقة حفاظاً على مصالح نفطية وتجارية غدت ضائعة دون حماية عسكرية. ولا يتردد البابا في إصدار مثل هذه الفتوى وكأنما أصابته عداوة المفتين المشرقيين العاملين في ساحة الإفتاء منذ عقود عديدة!

هل هذا يعني أن رجل الدين هو رجل الدين سواءً كان زيه أسود، أو ناصع البياض. أو اعتمر عمامة أو قلنسوة. فبعض هؤلاء الرجال أصبحوا يبحثون في أمور الحلال والحرام السياسي، وابتعدوا عن الأخلاق التي هي مهمة رجل الدين الأولى. وباتوا يقدمون خدماتهم للخاصة والعامة، بما في ذلك رجال السياسة الذين يريدون إضفاء بعض الشرعية على أعمالهم العسكرية.

كان رجل الدين في الماضي رجلاً يبحث في الأخلاق ويحاول لجم أهواء البشر، ويؤسس لقانون طبيعي كما فعل الفيلسوف «شيشرون» قبل ألفي عام، وحيث كان الواعظ الديني في الأسطورة الهندية المشهورة «ماهابهاراتا» ينشد منهجاً يحدّ من نزق السياسيين وولوغهم في حروب غير متكافئة. وقد حاول «فاياسا» في الهند و«توماس الأكويني» في الغرب أن يجدا أسساً لعقلنة الحرب ولجمها بشروط صعبة تجعل من العسير على الساسة إيجاد مخارج تشرعنها وتجعلها مقبولة من المحاربين أنفسهم، قبل الحلفاء الداعمين لتلك الحروب.

ومثل ذلك ما فعله العالم العراقي المسلم، محمد بن حسن الشيباني حين حاول في القرن الثامن الميلادي عقلنة الحرب وأصرّ على مفهوم الموادعة في المعاهدات، وعلى كيفية معاملة الأسرى وغيرهم ممن أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بحسن معاملتهم.

هكذا إذن كان الواعظ والفيلسوف الديني في أزمان غابرة يظهر كعنصر معرقل للحرب وليس داعماً لها كما يفعل اليوم بعض الوعّاظ.

والعراق البلد المنكوب، والذي وصفه الشاعر العراقي كريم العراقي، «مخلّفاً وراءه جمجمة الحضارة» آن لمجتمعه المتعدد الأعراق والمذاهب أن يلجأ للعقل وللتصالح وللتآخي، بدلاً من العنف والحرب. فقد عانى سنين عجافاً طيلة الثلاثين سنة الماضية، وآن له أن يعود إلى ماضيه وحضارته القديمة، ويعلّم أبناءه مثلما كانت المدارس العراقية تعلّم أبناءها التسامح والتعايش السلمي من قبل. وآن له أن يستورد الأدوية والآلات الزراعية، بدلاً من استيراد الأسلحة والذخائر. فمياه الرافدين تحتاج إلى تنقية كي يشرب منها الصغار قبل الكبار، وباسقات نخيل العراق لا زالت تعطي أبناءه من ثمارها وتمورها الكثير حتى وإن قلّ الماء وزادت ملوحة الأرض. ولعلّ النقطة المضيئة في خضم هذه العتمة، هي إقصاء بعض رجال السياسة العراقيين المتطرفين وإحلال رجال سياسة جدد بدلاً منهم لعلّهم يمثلّون المجتمع العراقي المتعدد الأديان والمذاهب. وعلى رغم اختيار رئيس وزراء جديد فإننا نأمل منه أن يختطّ سياسات وطنية جديدة وجامعة وتصالحية مع سائر طوائف الشعب العراقي وقومياته، فالتحدي الحقيقي هو إيجاد عقد اجتماعي جديد ودستور يختلف عما كتبه المحتل في عام 2005.

إن العراق يحتاج أبناءه الذين غادروا وطنهم قسراً منذ سنين عديدة، والطبقة السياسية التي تحكم المنطقة الخضراء لم تعد قادرة على تقديم منهج وبرنامج جديد يقدّم للعراق خطة مستقبلية تجمع الشمل. وآن للوعاظ الذين كانوا يسيّرون العملية السياسية أن يعودوا إلى مساجدهم ويتركوا السياسة لأهلها، فقد أساؤوا لأهل العراق أكثر مما أحسنوا إليهم.