أحدث الأخبار
  • 11:07 . الكويت تسحب الجنسية من 1647 شخصا... المزيد
  • 11:05 . "مصدر" و"صندوق طريق الحرير" الصيني يتعاونان بمجال الطاقة المتجددة... المزيد
  • 11:04 . أبوظبي تنفي تمويل مشروع إسرائيلي للمساعدات في غزة... المزيد
  • 08:39 . بلجيكا: سنعتقل نتنياهو إذا جاء لأراضينا... المزيد
  • 08:38 . الإمارات وألبانيا تطلقان لجنة اقتصادية مشتركة لتعزيز التجارة والاستثمار... المزيد
  • 08:01 . "المصرف المركزي" يعلّق نشاط شركة ثلاث سنوات بتهمة "غسل أموال"... المزيد
  • 07:48 . "التعليم العالي" تقلص رحلة اعتماد الجامعات من تسعة شهور إلى أسبوع... المزيد
  • 07:47 . شرطة لندن تفجر "طردا مشبوها" قرب السفارة الأمريكية... المزيد
  • 11:14 . الرئيس الصيني يصل المغرب في زيارة "قصيرة"... المزيد
  • 11:13 . الشيوخ الأمريكي يرفض مطالبات منع بيع أسلحة للإحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 11:12 . "الخليج للملاحة": صفقة استحواذ بروج للطاقة لا تزال قيد الدراسة... المزيد
  • 11:11 . النفط يرتفع وسط مخاوف بشأن الإمدادات جراء احتدام الحرب في أوكرانيا... المزيد
  • 11:11 . الذهب يتجه لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في عام... المزيد
  • 11:11 . مساء اليوم.. الوحدة يواجه الوصل والشارقة يستضيف منافسه النصر... المزيد
  • 11:09 . أوروبا تدعو لاحترام قرار اعتقال نتنياهو وواشنطن ترفض... المزيد
  • 11:07 . الخطوط البريطانية تتراجع عن قرار إلغاء رحلاتها للبحرين... المزيد

العمل الإنساني والتطوعي في الإمارات.. تنظيم وتطوير أم هيمنة حكومية؟!

خاص – الإمارات 71
تاريخ الخبر: 19-02-2023

تسبب زلزال تركيا وسوريا بكارثة أدت لوفاة وإصابة مئات الآلاف، وملايين المشردين؛ والعمل التطوعي ومنظمات الإغاثة مرتكز أساسي في تخفيف حدة الكارثة، ويمنح الأحياء طمأنينة التكافل الإنساني. ومحلياً تعيد للأذهان التساؤل حول واقع عمل الجمعيات الخيرية وجمعيات النفع العام في الإمارات؟

وفي فعل نادر منذ أكثر من عشر سنوات لإشراك المجتمع في الحملات الخيرية؛ بدأت الجمعيات والمنظمات الإنسانية في جميع أنحاء الدولة بحملة "جسور الخير" التي أطلقتها هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لمدة أسبوعين (من 11 فبراير)، وتهدف لتعبئة حزم الإغاثة للمتضررين من الزلزال من خلال المشاركة المجتمعية، وتأكيداً لدور الإمارات الريادي في الإغاثة الدولية بمشاركة المجتمع.

ريادة العمل الإغاثي والتطوعي 

منذ تأسيس الدولة على يد الشيخ زايد بن سلطان "طيب الله ثراه" قدمت الإمارات نماذج مشرفة يزخر بها المجتمع الإماراتي لأعمال الخير، أصحابها لا يعرفون حب المال سوى توظيفه في بذل المعروف، واستثماره لفعل الخير بأساليب بسيطة وميسرة تدخل في نطاق النفقة والصدقة والإحسان والطاعة، وتسهم في تحقيق الإحسان للآخرين وسد احتياجاتهم.

وكانت الجمعيات الخيرية في الدولة-أو عبر أفراد أو إمام مسجد أو شخصية اعتبارية- تفكر بمشروع صغير من أجل عائلة أو فئة من الفئات، وتتواصل بعدد من رجال الأعمال لإنجاح الفكرة وتنفيذ هذا المشروع؛ حتى أنه كانت تحدث "بازارات" في المدارس والجامعات لبيع بعض المنتجات من أجل تقديم مساعدة لفقراء ومحتاجين ومعسرين في الدولة، فكانوا يضربون أفضل صور التكافل الاجتماعي والتلاحم الوطني.

مستشفى الإغاثة الميداني الإماراتي لمساعدة المتضررين من الزلزال - مدينة غازي عنتاب التركية

ليس ذلك فقط؛ بل عُرفت الإمارات بمشاريع خيرية في أقصى بقاع العالم وفي معظم القارات: مدارس ومساجد وإغاثة وآبار مياه في معظم دول أفريقيا وآسيا، وصولاً إلى دول أمريكا الجنوبية. وشارك الإماراتيون ومؤسسات حكومية وأهلية في الإغاثة من فلسطين إلى فيضانات باكستان1990-1995، وزلزال ذمار باليمن 1982م، وزلزال سومطرة في إندونيسيا 2004م، وزلزال تشيلي2010، والإنقاذ في مجاعات الصومال والنيجر، وصولاً إلى إغاثة منكوبي الزلزال المدمر في تركيا وسوريا.

وهذا يطرح التساؤل: لماذا تراجع العمل الإنساني الداخلي في الإمارات؟

يدرك الإماراتيون وجود تغيّر كبير في العمل الخيري ونشاط جمعيات النفع العام، وإغلاق الفاعل منها، ويعودون بالذاكرة إلى العام 2008 عندما سُن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام، والذي كانت نقطة تحول في مسيرة العمل التطوعي في الداخل والخارج.

شكل قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية عام 2008 صدمةً لعمل المجتمع المدني في الدولة؛ حيث شرّع لزيادة القيود القانونية لتشمل معظم الأمور المرتبطة بالإغاثة والعمل التطوعي، والذي جعل المشاركة المجتمعية في الدولة معقدةً أكثر، ليتراجع بعدها التكافل الاجتماعي.

ومن بين تلك المواد الفضفاضة التي تحمل المخاطرة: "يحظر على الجمعية وعلى أعضائها التدخل في السياسة أو في الأمور التي تمس أمن الدولة ونظام الحكم فيها أو إثارة المنازعات الطائفية أو العنصرية أو الدينية". (المادة 16).

"لا يجوز لأية جماعة أو جهة ممارسة أي نشاط من أنشطة الجمعيات إلا وفقاً لأحكام هذا القانون". (المادة 54).

"يكون لموظفي الوزارة الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير صفة مأموري الضبط القضائي في إثبات ما يقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون واللوائح والقرارات المنفذة له" (المادة 58).

انعكس ذلك على تراجع الإعانات السنوية التي تقدمها وزارة تنمية المجتمع للجمعيات الإنسانية؛ حيث تشير آخر الأرقام المنشورة إلى انخفاض المعونات عام 2017 إلى 675 ألف درهم بدلاً من 815 ألف درهم في العام الذي سبقه، رغم زيادة جمعيتين خلال ذلك العام! يأتي ذلك في الوقت الذي تشير التقارير إلى تراجع الوضع المعيشي لسكان الدولة (مواطنين ومقيمين) من حيث ارتفاع البطالة وزيادة تكاليف المعيشة.

ويعود هذا التراجع في دعم الجمعيات لعدة أسباب من أهمها: الرقابة، والتحكم المبالغ فيه على العمل الإنساني والتطوعي، والقوانين والمواد الفضفاضة التي تعقّد العمل الإنساني والتطوع، وغياب التثقيف التطوعي من ديناميكيات العمل الحكومي؛ فعلى سبيل المثال: تراجع دور جمعية الإمارات للتطوع (أول جمعية تطوع حكومية في الدولة تأسست عام 1997) بشكل كبير؛ حتى يبدو أن وجودها تلاشى تدريجياً منذ 2008. وأنشأت السلطات بشكل موازٍ مبادرات أخرى تحت وزارة تنمية المجتمع، لكنها لم تحدث تأثيراً، ولم تنجح في نشر ثقافة التطوع بين الشباب، ولم تغطِّ المهام والمسؤوليات التي كانت تضطلع بها الجمعية.

وخلال العقد الماضي جرى اعتقال عدد من خبراء التطوع والإغاثة والعمل الخيري الإماراتيين، الذين كانوا يقومون بالأدوار الاجتماعية والتثقيف في مجال العمل الخيري؛ مما أفقد العمل التطوعي رموزاً بارزين من خيرة أبناء المجتمع، مثل "عبدالرحمن بن صبيح السويدي" أحد أبرز مؤسسي مؤسسة محمد بن راشد للأعمال الإغاثية والإنسانية، (أفرج عنه لكنه تحت الإقامة الجبرية. و "محمد الشيبة النعيمي"، مدير جمعية الإرشاد والتوجيه الاجتماعي، ولا يزال رهن الاعتقال في سجن الرزين سيئ الصيت.

تنظيم العمل الإغاثي أم هيمنة حكومية؟

إن القيود والعقوبات التي تفرضها القوانين على الجمعيات الإنسانية والعمل التطوعي في الدولة تدفع الكثيرين للعزوف عن العمل فيها، أو تقديم المساعدة لها؛ لأن المواد الفضفاضة والاشتراطات المعقدة تجعل تأسيس جمعيات إنسانية أهلية جديدة أمراً معقداً، كما قد تتسبب بالزج بالمتطوع والعامل في المجال الإنساني إلى السجن في وقت كان يريد فيه تقديم يد العون والمساعدة.

حيث يحظر القانون على جمعيات النفع العام وعلى أعضائها "التدخل في السياسة أو في الأمور التي تمس أمن الدولة ونظام الحكم فيها أو إثارة المنازعات الطائفية أو العنصرية أو الدينية". (المادة 16 قانون 2008 جمعيات النفع العام)؛ فكيف يمكن للجمعيات والمنظمات المهنية أن تقوم بعملها إذا لم يكن هناك -في بعض الحالات- تدخل في الشأن العام بشكل مهني؟ وما علاقة الفكر السياسي للمتطوع بما يقدمه من مساعدة؟ وما هي أداة القياس الممكنة لتدخل شخص في السياسة؟

من المواد الفضفاضة التي يمكنها إدانة المتطوعين من خلالها: "الإتيان بأي فعل أثناء جمع أو قبول أو تقديم التبرعات من شأنه الإضرار بالنظام العام، أو الأمن الوطني، أو الآداب العامة، أو تشجيع أي منازعات طائفية، أو عرقية، أو عنصرية، أو دينية، أو ثقافية، أو أي غرض غير مشروع وفق التشريعات السارية في الدولة"، (المادة 20 من قانون تنظيم التبرعات 2021م).

 

التحكم المبالغ فيه

تمنح القوانين الفضفاضة السلطات تحكماً واسعاً بجمعيات النفع العام والتي يفترض فيها الاستقلالية والتمثيل الشعبي المدني، فنجد أن القانون يعطي وزارة تنمية المجتمع الحق في معاقبة من يخالف قانونها أو القوانين الأخرى في الدولة؛ لدرجة أن الوزارة بإمكانها حلّ مجلس إدارة أي جمعية وتعيين مجلس آخر، أو دمجها في جمعية أخرى؛ كما في المادة 47 من قانون الجمعيات 2008.

والتحكم ليس فقط بالجمعيات وحدها، بل حتى بالفرق التطوعية أو جمع التبرعات، حيث يحظر على الشخص جمع التبرعات، باستثناء الجهات المرخص لها، و"لا يجوز لأي جهة إقامة أو تنظيم أو إتيان أي فعل بهدف جمع التبرعات إلا بعد الحصول على تصريح بذلك من السلطة المختصة، ويشترط لمنح الترخيص، أن يكون طالب التصريح شخصية اعتبارية"، و"أن يكون جمع التبرعات من خلال جمعية خيرية"، وهو ما يجعل فرق التطوع خارج الأمر؛ حسب المادة 6 و7 من قانون جمع التبرعات 2021م.

أما بالنسبة للحصول على مساعدات من خارج الدولة فهو محظور تماماً، ولا يُسمح إلا للجهات المصرح لها بتلقي التبرعات، ووفق شروط معقدة؛ حيث ينص القانون على أنه "لا يجوز للجهات المرخص لها والجهات المصرح لها جمع أو تلقي تبرعات أو قبول هبات أو وصايا أو إعانات من أي شخص أو جهة من خارج الدولة"-حسب المادة (13) من قانون 2021 بشأن تنظيم التبرعات.

إجراءات التطوع

ترى السلطات أن هذه القوانين والإجراءات تقوم على أسس متعلقة بتنظيم العملين التطوعي والإنساني في الدولة، وهي في جزء منه إجراءات قادرة على تحقيق هذا التنظيم، لكن ما حدث تجاوز ذلك إلى تحكم مبالغ فيه من الحكومة والأجهزة الأمنية يستهدف الصورة التي كانت موجودة في السابق؛ حيث كان الإماراتيون حتى وقت قريب يضرب بهم المثل في نماذج مختلفة للأعمال الخيرية البسيطة التي يدأبون على القيام بها بصورة مستمرة دون الإعلان عن أصحابها، وتصب في تعزيز التنمية المجتمعية ودعم العمل الخيري والتكافل الاجتماعي، ويقوم بها الأفراد في الأحياء والمساجد والنوادي وحتى في الشركات.

لكن الإجراءات الجديدة وفرض إجراءات التسجيل وتعقيدها وكشف الجهات الممولة والجهات المستفيدة يُبعد الأمر عن سهولته وارتباطه بالطاعات إلى عمل له مخاطر كبيرة؛ فلم يعد كافياً أن يفكر فريق من الشبان بمساعدات في الحي؛ بل إن كل شيء مرتبط بقائمة من المتطلبات والمحاضر لتنفيذ هذا الفعل التطوعي. وحسب اللائحة المنظمة للعمل التطوعي في الدولة؛ فإن عليهم أن يقدموا نظام عمل الفريق، حيث يشمل "بيانات وأهدافا وشروط عضوية ووسائل وأماكن جمع التبرعات" والتي لا تخرج عن الوسائل والأماكن التي حددها القانون ولائحته، ولا تتضمن المساجد والمجالس الاجتماعية.

كما أن الفريق التطوعي يحتاج إلى تراخيص أخرى متعلقة بجمع التبرعات ممن يعرفونهم وهذه إجراءات أخرى مرتبطة بمعرفة من يدعم؟ ولمن؟ ولأجل ماذا؟.

نادراً ما تقوم السلطات بعمل برامج تدريب تطوعي وتوظف الإعلام للترويج لها بعيداً عن القوانين المقيدة للعمل التطوعي

من جانب آخر جرى حظر "المتطوعين من جمع أو قبول التبرعات أو السماح بجمعها أو الإعلان عنها عبر أي وسيلة كانت" حسب المادة 18 من اللائحة التنفيذية لقانون 2018 في شأن العمل التطوعي.

أما بشأن ممارسة الإماراتيين لأي عمل تطوعي خارج البلاد؛ فإن هناك ضوابط توضح أن الأمر أصبح مرتبطاً برؤية السياسة الخارجية وضرورة توافق فرصة التطوع معها. ومن الضروري أيضاً أن يكون التطوع مطروحاً من جهة الدولة ومنصاتها المختلفة؛ حسب اللائحة التنفيذية لقانون 2018 في شأن العمل التطوعي.

ليس ذلك فحسب، بل إنه بمرور السنوات الماضية فقدت الدولة التثقيف اللازم لدفع المجتمع للمشاركة في الأعمال التطوعية؛ بسبب الإجراءات المستمرة والمتزايدة التي تحد من دفع المجتمع إلى التطوع.

مخاوف الفشل

من جانب آخر، يُظهر تفاعل الإماراتيين الكبير مع حملة "جسور الخير" لدعم المتضررين من الزلزال في سوريا وتركيا -سواء على مستوى طلاب المدارس أو نقاط التبرع- أن المجتمع الإماراتي لم يفقد شغفه في العمل التطوعي، ولن يغيب عن تقديم الواجب الإنساني والتكافل الاجتماعي في أي لحظة، ما لم تقيده القوانين والإجراءات المشددة المفروضة على العمل التطوعي.

لقد أدت السياسات الحكومية والقيود القانونية التي فرضتها على العمل الإنساني والتطوعي في الإمارات إلى تراجعه في الدولة، وبه يتراجع تكافل المجتمع وتقاربه الوطني، في وقت اشتدت الحاجة إليه مع ارتفاع تكاليف المعيشة؛ لذلك فإن هناك ضرورة لإجراء إصلاحات سريعة ومتناسبة على هذه القوانين، وجعلها أكثر ديناميكية وقبولاً للعمل الإنساني، وتسهيلاً للعمل التطوعي في الدولة، وزيادة الخطط اللازمة لزيادة التثقيف التطوعي عبر خبراء مواطنين عُرفوا بعملهم الخيري، وبدون ذلك فإن العمل الإنساني والتطوعي في الدولة سيستمر في التراجع، وقد نفشل جميعاً في الاختبارات القادمة.