02:48 . اتهامات لأبوظبي بتمرير صفقات مشبوهة في سقطرى عبر أعضاء بالمجلس الرئاسي اليمني... المزيد |
02:43 . "التربية" تعلن جداول الامتحانات التعويضية للفصل الدراسي الثاني... المزيد |
02:41 . الخارجية تفتح باب التسجيل في برنامج البعثات الدراسية لـ"تطوير جيل من الدبلوماسيين المتميزين"... المزيد |
02:40 . "قرقاش" يدعو للتركيز على القواسم المشتركة مع إيران بدلاً من الخلافات... المزيد |
02:33 . غارات على اليمن والحوثيون يعنلون استهداف حاملة الطائرات ترومان للمرة الرابعة... المزيد |
02:29 . الاحتلال الإسرائيلي يقصف النازحين بغزة في اليوم الثاني من استئناف الحرب... المزيد |
02:27 . أبرز معارضي أردوغان.. الشرطة التركية تعتقل رئيس بلدية إسطنبول "بتهم فساد"... المزيد |
02:04 . طحنون بن زايد يلتقي ترامب في البيت الأبيض لتعزيز استثمارات أبوظبي التكنولوجية... المزيد |
11:16 . الإمارات تدين بشدة استئناف الاحتلال عدوانه على قطاع غزة... المزيد |
10:38 . استشهاد المتحدث باسم سرايا القدس "أبو حمزة" في القصف الإسرائيلي على غزة... المزيد |
04:46 . حماس تنعى عددا من قادة العمل الحكومي في غزة... المزيد |
04:17 . مركز حقوقي يطالب بإطلاق سراح الدكتور سلطان بن كايد القاسمي ويندد بالظلم... المزيد |
04:14 . الأمم المتحدة: الغارات على غزة "جائرة وغير مقبولة"... المزيد |
01:08 . أكثر من 330 شهيداً في الغارات الصهيونية على قطاع غزة... المزيد |
01:03 . الاحتلال الإسرائيلي ينذر الفلسطينيين بإخلاء مناطق في غزة لبدء "هجوم قوي"... المزيد |
12:52 . الحوثيون ينددون بعودة العدوان على غزة ويتعهدون بـ"تصعيد خطوات المواجهة"... المزيد |
طالب مركز مناصرة معتقلي الإمارات بإطلاق سراح الشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي، الذي تم اعتقاله لمجرد دفاعه عن الحرية والعدالة.
وأكد المركز في تغريدات نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي أن الحرية هي حق أساسي لكل إنسان، وأنه يساند جميع المعتقلين الذين يناضلون من أجل حقوقهم.
وأشاد المركز بالشجاعة التي أظهرها الدكتور القاسمي في نضاله المستمر من أجل حقوق الإنسان والحريات الأساسية، مؤكدًا أنه ظل صوتًا صادقًا ينادي بالعدالة، متحديًا الظلم رغم جميع التحديات التي واجهها.
وفي تعليق على التغريدات، تم التأكيد على أن الدكتور القاسمي هو "سجين المطالبة بالحرية"، وهو نموذج للمناضلين الذين يسعون للعدالة دون الخوف من العواقب.
وأضاف المركز: "الدكتور سلطان بن كايد القاسمي، نموذج للمثابرة والتضحية من أجل خدمة المجتمع. إسهاماته الإصلاحية تركت بصمة لا تُنسى، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه في سبيل إيمانه بقيم العدالة والحرية".
وُلِدَ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي في إمارة رأس الخيمة بتاريخ 23 مارس 1958. نشأ في أسرة عريقة تنتمي إلى أسرة القواسم الحاكمة في رأس الخيمة، والتي لها تاريخ طويل في قيادة المنطقة. تربّى الدكتور سلطان في كنف هذه الأسرة ذات المكانة الاجتماعية الرفيعة، مما أكسبه خلفية ثقافية ووطنية ودينية راسخة منذ صغره.
وقد عُرف منذ شبابه بالتدين والاهتمام بالشأن العام، حيث بدأ في سن مبكرة بالمشاركة في الأنشطة المجتمعية والدينية، مستفيدًا من البيئة المحافظة التي نشأ فيها ومن القيم الأصيلة التي غرستها فيه عائلته. هذه النشأة المتميزة هيأت له أرضية صلبة للقيام بدور فعال في مستقبل بلاده، سواء على الصعيد العلمي أو الاجتماعي أو الإصلاحي.
حرص الدكتور سلطان بن كايد القاسمي على تحصيل تعليم عالٍ ومتخصص، مما جعله من الكفاءات الإماراتية البارزة في مجال التربية والسياسات التعليمية.
بدأ مسيرته الأكاديمية بالحصول على بكالوريوس في الإدارة التربوية من جامعة الإمارات العربية المتحدة عام 1981. سعى بعدها إلى تطوير معرفته في مجال تخصصه، فابتعث إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث نال درجة الماجستير في تخطيط المناهج والتنمية البشرية من جامعة جورج واشنطن عام 1990، بتقدير امتياز.
ولم يتوقف عند هذا الحد، بل واصل دراساته العليا في المملكة المتحدة، فتحصّل على درجة الدكتوراه في السياسة التعليمية والتنمية الوطنية من جامعة مانشستر عام 1997.
تعكس هذه المؤهلات الأكاديمية الرفيعة اهتمام الدكتور سلطان بتطوير قطاع التعليم وفهم عميق لسياسات التنمية البشرية، كما أنها مكنته من الجمع بين الخبرة الميدانية والأسس النظرية في مجال التربية، مما ساعده لاحقًا في أداء أدواره القيادية في المؤسسات التعليمية بكفاءة واقتدار.
تميّز الدكتور سلطان بن كايد القاسمي بمسيرة مهنية ثرية وضعته في مصاف رواد التربية والتعليم في الإمارات. فور تخرجه عام 1981، التحق بوزارة التربية والتعليم حيث عُيّن مديرًا لإدارة المناهج والكتب المدرسية، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1987.
خلال توليه هذه المسؤولية، أشرف على مراجعة وتقويم العشرات من المناهج والكتب الدراسية وأدلة المعلمين، مسهمًا في تطوير محتوى التعليم بما يتوافق مع الهوية الوطنية والقيم الإسلامية ومتطلبات العصر.
كما شارك في تقديم دورات تدريبية تربوية وإدارية داخل الإمارات وخارجها، مما يدل على حرصه على تبادل الخبرات ورفع كفاءة المعلمين والإداريين.
وفي سياق موازٍ، نشط الدكتور سلطان في الجانب البحثي والفكري، فكتب مجموعة من البحوث والمقالات التربوية التي تناولت قضايا تطوير التعليم والتنمية الوطنية.
وساهم في العديد من اللجان العلمية المتخصصة داخل الدولة وخارجها خلال الثمانينات، فكان عضوًا ورئيسًا لعدد من الهيئات التربوية المهمة؛ منها رئاسة اللجنة الفنية للمناهج الدراسية التي تشرف على تخطيط وتطبيق المناهج، وعضوية اللجنة العليا للمناهج واللجنة العليا للتربية بوزارة التربية.
كما تولّى رئاسة مجلس إدارة المركز العربي للبحوث التربوية (ومقره الكويت) مسهمًا في تعاون تربوي خليجي، وشارك في أكثر من 30 مؤتمرًا وندوة علمية إقليمية ودولية بإشراف منظمات مثل مكتب التربية العربي لدول الخليج، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، ومنظمة اليونسكو.
ومن أبرز إنجازاته أيضًا دوره في التعليم العالي؛ إذ ترأس اللجنة التأسيسية لجامعة الاتحاد خلال عامي 1998-1999، ولاحقًا أصبح رئيس جامعة الاتحاد في رأس الخيمة منذ عام 1999 واستمر في هذا المنصب لسنوات طويلة.
ومن خلال هذا الدور ساهم في تأسيس بيئة جامعية حديثة تدعم البحث العلمي وتخدم أبناء الإمارات الشمالية. إلى جانب ذلك، أسّس الدكتور سلطان مجموعة المستقبل للاستشارات التربوية عام 1996 وترأسها، والتي هدفت إلى تقديم الاستشارات والتدريب في مجال التربية.
كما أشرف على سلسلة عالمية للمناهج التربوية بعنوان "منارات"، في مسعى لتطوير المناهج بما يواكب المعايير الدولية ويراعي القيم المحلية. وإلى جانب عمله التربوي، كان له حضور بارز في العمل الخيري والمجتمعي، حيث أشرف على عدة مشاريع خيرية داخل الإمارات وخارجها، وخاصة في أوروبا والعالم الإسلامي، إيمانًا منه برسالة التعليم في خدمة المجتمع.
اقترن اسم الدكتور سلطان بن كايد القاسمي بـجمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي في الإمارات، حيث يُعد أحد أبرز وجوهها وقادتها التاريخيين. هذه الجمعية التي تأسست في إمارة دبي عام 1974 بمباركة حكام الإمارات آنذاك، كان هدفها ترسيخ قيم دعوة الإصلاح الإسلامي والاجتماعي، والحفاظ على الأخلاق والقيم في المجتمع الإماراتي.
انضم الدكتور سلطان إلى الجمعية في سنوات شبابه الأولى، وكان على صلة بها منذ أن كان طالبًا في المرحلة الثانوية، حيث وجد فيها منبرًا ثقافيًا ودعويًا يروي شغفه بالمعرفة الدينية والفكرية. حضر عبرها المحاضرات والندوات العلمية، والتقى من خلالها كبار العلماء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، مما صقل فكره ووسّع مداركه وساهم في تبنّيه منهج الاعتدال والوسطية.
برز دوره القيادي في الجمعية بشكل أوضح عندما توسعت أنشطتها إلى إمارة رأس الخيمة. فبمباركة الحاكم الراحل الشيخ صقر بن محمد القاسمي، تم افتتاح فرع جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي في رأس الخيمة، وكُلّف الدكتور سلطان القاسمي برئاسته وكان من الأعضاء المؤسسين لهذا الفرع.
من خلال هذا الموقع القيادي، لعب دورًا محوريًا في توجيه نشاط الجمعية نحو خدمة المجتمع في مجالات متعددة؛ فجَمْعية الإصلاح عُرفت بمساهماتها الاجتماعية والخيرية والثقافية. على سبيل المثال، تبنّت الجمعية مبادرات لتشجيع الزواج وتيسيره بين الشباب، فقامت بإنشاء صالات أفراح مجانية لمساعدة ذوي الدخل المحدود، في خطوة للحد من ظاهرة تأخّر سن الزواج.
كما شاركت الجمعية تحت قيادة الدكتور سلطان في حملات دعم القضايا العادلة للشعوب العربية والإسلامية، وأقامت فعاليات تضامنية وإنسانية، الأمر الذي عزز حضورها في المشهد المجتمعي المحلي.
امتلك الدكتور سلطان رؤية تقوم على المزج بين الحماس الوطني والأفكار الإسلامية المعتدلة. فقد سعى عبر الجمعية إلى بث روح الانتماء للوطن والاعتزاز بهوية الإمارات العربية والإسلامية، جنبًا إلى جنب مع التشجيع على الإصلاح المجتمعي السلمي.
وتحت قيادته، أصبحت جمعية الإصلاح منبرًا لنشر الوعي والفكر المستنير، واستقطبت العديد من المثقفين والشباب الساعين لخدمة مجتمعهم. هذا الدور جعل منه رمزًا إصلاحيًا داخل الإمارات، خصوصًا وأن نشاط الجمعية كان يتم في إطار القانون وبرعاية رسمية في بداياتها، مما أكسبها مصداقية لدى شرائح واسعة من المجتمع قبل أن تتعرض للتضييق لاحقًا.
تفاصيل الاعتقالات والقضايا المتهم بها
على الرغم من إسهامات الدكتور سلطان بن كايد القاسمي التعليمية والمجتمعية، إلا أن نشاطه الإصلاحي وضعه في مواجهة مع السلطات، خاصة في ظل الأجواء السياسية التي أعقبت أحداث "الربيع العربي". وقد تعرض الدكتور سلطان للإعتقال على خلفية تهم سياسية وأمنية وُجِّهت إليه ضمن مجموعات أكبر من النشطاء والمطالبين بالإصلاح.
تعود جذور قضية الإمارات 94 إلى حراك إصلاحي بدأ في أوائل عام 2011، حين وقّع الدكتور سلطان مع عشرات من المثقفين والأكاديميين الإماراتيين على عريضة 3 مارس 2011 الشهيرة. وقد طالبت تلك العريضة بتطوير التجربة الديمقراطية في الدولة، عبر تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) من خلال انتخاب جميع أعضائه من قِبل الشعب وتوسيع صلاحياته التشريعية والرقابية، إيمانًا بضرورة إشراك المواطنين في صنع القرار.
وأثارت هذه المطالب حفيظة السلطات آنذاك، فشنت أجهزة الأمن حملة مضادة تمثلت في اعتقال عدد من الموقعين على العريضة وسحب جنسيات بعضهم، في إشارة تحذيرية لكل من يدعو إلى الإصلاح السياسي.
في هذا السياق المضطرب، استمر الدكتور سلطان في التعبير عن آرائه بحرية ومسؤولية. ونشر مقالًا شهيرًا بعنوان "من أجل كرامة المواطن" انتقد فيه قرار سحب جنسية مجموعة من النشطاء الإماراتيين أواخر عام 2011، معتبراً هذا الإجراء خطرًا على العقد الاجتماعي في الدولة ومساسًا بكرامة المواطن وحقوقه الأساسية.
ودعا في ذلك المقال إلى التمسك بسيادة القانون والعدل، وحذّر من التفرقة بين أبناء الوطن أو الانتقاص من حقوقهم الدستورية. شكل هذا المقال العلني وما تضمنه من نقد سياسي واجتماعي، بالإضافة إلى سابق دوره في العريضة الإصلاحية، سببًا مباشرًا في استهدافه أمنيًا.
في 20 أبريل 2012، اعتُقل الدكتور سلطان بن كايد القاسمي على يد قوة أمنية بلباس مدني داهمت منزله في رأس الخيمة. تم اقتياده فورًا إلى جهة غير معلومة في البداية، وتبيّن لاحقًا أنه وُضع قيد الإقامة الجبرية في قصر أحد أقربائه (حاكم رأس الخيمة الشيخ سعود بن صقر القاسمي) لعدة أشهر.
بقي الدكتور سلطان محتجزًا دون توجيه تهمة رسمية لفترة طويلة تجاوزت خمسة أشهر، في انتهاك للإجراءات القانونية المعتادة. ثم في أوائل مارس 2013 نُقل من الإقامة الجبرية إلى سجن الرزين شديد الحراسة في إمارة أبوظبي، وهو السجن المعروف باحتجاز السجناء السياسيين وقضايا أمن الدولة.
بدأت محاكمة جماعية في 4 مارس 2013 أمام دائرة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا، شملت الدكتور سلطان و93 شخصًا آخر من مختلف إمارات الدولة، معظمهم مرتبطون بجمعية الإصلاح أو من الناشطين الحقوقيين. وُجّهت إليهم تهم خطيرة وفق لائحة الاتهام الرسمية، أبرزها "إنشاء وقيادة تنظيم سري غير مشروع يهدف إلى مناهضة الأسس التي تقوم عليها الدولة تمهيدًا للاستيلاء على الحكم، والتواصل مع جهات أجنبية لدعم هذا المخطط".
وبصيغة أخرى، اتُهم الدكتور سلطان ورفاقه بالسعي لقلب نظام الحكم والتآمر ضد الدولة. وقد زعمت النيابة أن مجموعة الإصلاحيين حاولت اختراق مؤسسات الدولة بما فيها المدارس والجامعات والوزارات، واستثمار أموال الزكاة والتبرعات في إنشاء شركات واجهة لتمويل أنشطتهم سرًا. هذه الادعاءات نفاها جميع المتهمين بشكل قاطع، مؤكدين أن نشاطهم كان سلميًا وعلنيًا في إطار الدعوة إلى إصلاحات دستورية ومجتمعية مشروعة، دون أي نية لمساس أمن الدولة أو نظام الحكم.
على مدار المحاكمة التي امتدت عدة أشهر، مُنع الإعلام الدولي والمراقبون المستقلون من حضور الجلسات، مما أثار شكوكًا حول نزاهة الإجراءات. كما أفاد بعض المعتقلين، ومنهم الدكتور سلطان، بتعرضهم لسوء معاملة وتعذيب نفسي وجسدي أثناء الاحتجاز السابق للمحاكمة، بهدف انتزاع اعترافات.
وقد شملت أساليب الإيذاء المبلغ عنها: الحبس الانفرادي المطوّل، والحرمان من النوم والطعام فترات معينة، والتعريض لإضاءة مستمرة قوية، وغيرها من المعاملات المهينة. نفت السلطات الإماراتية حدوث التعذيب أو التجاوزات، إلا أن تقارير منظمات حقوقية دولية في حينه دعمت روايات المعتقلين بشأن الانتهاكات.
في 2 يوليو 2013، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكمها النهائي في القضية، وجاء قسوة الأحكام ملفتًا للانتباه. فقد أدين 69 شخصًا (من أصل 94) بالتهم المنسوبة إليهم، بينهم الدكتور سلطان، بينما تمت تبرئة 25 شخصًا (بينهم 13 امرأة) لعدم كفاية الأدلة.
حكمت المحكمة على 56 متهمًا بالسجن لمدة 10 سنوات (وهو ما شمل الدكتور سلطان كونه كان معتقلًا حاضرًا)، وعلى خمسة متهمين بالسجن لمدة 7 سنوات، فيما حُكم غيابيًا على 8 متهمين كانوا خارج البلاد بالسجن لمدة 15 عامًا.
وبحكم أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا نهائية وغير قابلة للاستئناف في قضايا أمن الدولة، فقد أصبح حكم السجن عشر سنوات نافذًا بحق الدكتور سلطان منذ ذلك الحين.
اعتُبرت محاكمة "الإمارات 94" أضخم محاكمة سياسية في تاريخ الإمارات الحديث. ورآها المراقبون محاكمة ذات طابع سياسي تهدف إلى ترهيب دعاة الإصلاح وإسكات الأصوات المنتقدة، أكثر من كونها إجراءات لتحقيق العدالة.
وقد وصفت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وغيرهما من المنظمات الدولية هذه المحاكمة بأنها "جائرة وغير عادلة"، مشيرة إلى غياب ضمانات المحاكمة العادلة وانتهاك حقوق الدفاع للمتهمين. كما اعتبرتها مؤشرًا على تصاعد حملة القمع ضد حرية التعبير وتكوين الجمعيات في الإمارات عقب ثورات الربيع العربي، حيث كانت السلطات تخشى امتداد عدوى الاحتجاجات إلى داخل الإمارات التي ظلت لعقود بعيدة عن الاضطرابات.
بالنسبة للدكتور سلطان بن كايد القاسمي، فقد دخل السجن ليقضي عقوبة امتدت طوال العقد التالي (2012-2022). وخلال سنوات سجنه الأولى، تدهورت حالته الصحية نتيجة ظروف الاعتقال القاسية. ورغم ذلك، ظل متمسكًا بموقفه ومبادئه، ولم يصدر عنه أي نداء لطلب العفو أو التراجع عن أفكاره، ما جعل مؤيديه يصفونه بـ"الثابت على المبدأ" و"رمز الإصلاح".
وكان من المتوقع أن يتم إطلاق سراحه بحلول ربيع 2022 (مع انتهاء مدة الحكم عشر سنوات كاملة واحتساب مدة التوقيف السابق)، خاصة مع مطالبات عديدة داخلية وخارجية بذلك، إلا أن هذا لم يحدث كما سيتضح في التطورات اللاحقة.
مع اقتراب انتهاء مدة الأحكام الصادرة في قضية "الإمارات 94"، كان المناخ الحقوقي يترقب الإفراج عن من تبقى من المعتقلين الإصلاحيين وفي مقدمتهم الدكتور سلطان القاسمي. إلا أن السلطات الإماراتية فاجأت الجميع بخطوة تصعيدية جديدة؛ فقد أعلنت في أواخر عام 2023 عن تهم جديدة موجّهة لعدد كبير من هؤلاء المعتقلين أنفسهم. ظهرت إلى العلن ما بات يُعرف إعلاميًا باسم "قضية تنظيم العدالة والكرامة" أو أحيانًا "الإمارات 84" كونها شملت 84 شخصًا تقريبًا.
تفاصيل هذه القضية الجديدة بدأت تتكشف في ديسمبر 2023، بالتزامن مع استضافة الإمارات لمؤتمر دولي كبير (مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 28"). إذ صدر بيان رسمي عن النيابة العامة الإماراتية بتاريخ 6 يناير 2024 يفيد بتوجيه اتهامات لـ84 شخصًا بإنشاء وإدارة تنظيم سرّي إرهابي داخل الدولة يحمل اسم "لجنة العدالة والكرامة".
وبحسب الرواية الرسمية، فإن هذا التنظيم المزعوم امتداد لجمعية الإصلاح مرتبط بتنظيم الإخوان المسلمين الدولي المصنّف إرهابيًا في الإمارات، ويهدف إلى مواصلة أنشطة تقويض نظام الحكم لكن بوسائل جديدة تحت ستار مختلف. كما زعمت النيابة أن من بين التهم تمويل التنظيم الإرهابي واستغلال فترة وجود بعضهم في السجن للتخطيط لأعمال تهدد أمن الدولة، مما يعني أن السلطات اعتبرت أن المعتقلين السابقين لم يتخلوا عن أفكارهم وأنهم واصلوا "التآمر" حتى أثناء اعتقالهم.
شملت قائمة المتهمين في قضية "العدالة والكرامة" عددًا من أبرز الأسماء المعروفة في قضية الإمارات 94 ممن كانوا لا يزالون رهن الاحتجاز أو أُبقوا في السجن بعد انقضاء محكوميتهم الأصلية. كان الدكتور سلطان بن كايد القاسمي في مقدمة هؤلاء، إلى جانب شخصيات إصلاحية بارزة أخرى مثل الدكتور محمد الركّن (المحامي والحقوقي المعروف)، وعبدالسلام درويش المرزوقي، والدكتور ناصر بن غيث (أكاديمي واقتصادي اعتُقل في قضية أخرى تتعلق بحرية التعبير)، وغيرهم. وبالتالي، بدا واضحًا أن هذه القضية الجديدة أتت لضمان استمرار احتجاز هذه الشخصيات وعدم خروجها إلى الحرية، حيث اعتبر المراقبون أن السلطات تراجعت عن وعودها الضمنية بإطلاق سراحهم بعد انتهاء مدة العشر سنوات.
بدأت المحاكمة الجديدة بسرية تامة ضمن دائرة أمن الدولة، ولم تحظَ باهتمام إعلامي محلي يُذكر نظرًا لحساسية الموضوع. وفي 10 يوليو 2024 أعلنت محكمة الاستئناف الاتحادية في أبوظبي (النظر الابتدائي في قضايا أمن الدولة يبدأ من الاستئناف نظرًا لغياب درجات تقاضي عادية) أحكامًا مشددة في القضية. وبحسب ما نقلته منظمات حقوقية تابعت المحاكمة، فقد أُدين 53 متهمًا على الأقل من أصل 84. وصدر الحكم على 43 منهم بالسجن المؤبد (25 سنة)، وعلى 5 آخرين بالسجن لمدة 15 عامًا. وكانت العقوبات القصوى من نصيب شخصيات اعتبرتها السلطات قيادية، وفي مقدمتهم الدكتور سلطان القاسمي الذي حُكم بالمؤبد.
وبذلك، فإن مجموع ما سيقضيه في السجن نظريًا سيصل إلى 35 سنة (10 سنوات من القضية الأولى + 25 سنة تعادل المؤبد في الإمارات على الأغلب)، ما لم يصدر عفو أو تخفيف في المستقبل. تجدر الإشارة إلى أنه تمت تبرئة متهم واحد على الأقل، وظلت تفاصيل أحكام بقية المتهمين غير معلنة رسميًا وقتها، نظرًا لعدم نشر لائحة كاملة بالأحكام من قبل الجهات الرسمية.
بررت السلطات الإماراتية هذه الإجراءات استنادًا إلى قانون مكافحة الإرهاب لعام 2014 الذي يفرض عقوبات مشددة (قد تصل للإعدام أو السجن المؤبد) على من ينشئ أو يدير تنظيماً يهدف إلى ارتكاب أعمال إرهابية أو يمس أمن الدولة. كما أصرت النيابة العامة في تصريحاتها على أن التهم الجديدة تختلف في "ذاتها وأفعالها" عن تهم قضية 2013، مشددة على أن المتهمين آنذاك لم يُحاكموا على قضية تمويل التنظيم الإرهابي، في إشارة إلى محاولة نفي تهمة الازدواجية في العقاب أو محاكمة الشخص مرتين بالتهمة نفسها.
لكن مراقبين محايدين رأوا في القضية انتهاكًا لمبدأ عدم المحاكمة على الجرم نفسه مرتين(Double Jeopardy)، حيث إن جوهر التهم الجديدة يعيد تدوير تهم سابقة تتعلق بالانتماء لجمعية الإصلاح ونشاطها. ورأى حقوقيون أن السلطات استحدثت هذه القضية للتغطية القانونية على استمرار احتجاز من أنهوا محكوميتهم السابقة، وتوجيه رسالة مفادها أن معارضي النظام لن يُسمح لهم بالعودة للنشاط العام إطلاقًا.
في مطلع عام 2025، وبعد صدور الأحكام، تقدم المتهمون عبر محاميهم بطعون أمام المحكمة الاتحادية العليا (بوصفها محكمة أمن الدولة العليا) طلبًا لنقض الأحكام، وكذلك فعلت النيابة العامة بطعنٍ مطالبةً بتشديد بعض الأحكام الأخرى. وفي 4 مارس 2025، جاء القرار النهائي من المحكمة الاتحادية العليا برفض كافة الطعون المقدمة من المتهمين وتأييد الأحكام السابقة بحقهم، ما جعل الأحكام نهائية باتّة. وبالتزامن مع ذلك، أجلّت المحكمة نظر طعن النيابة إلى أبريل 2025 دون تغيير في مصير المحكومين الرئيسيين. بهذا أُسدِل الستار حكمياً على قضية "العدالة والكرامة"، التي تُوصف بأنها ثاني أكبر محاكمة جماعية في تاريخ الإمارات (بعد قضية الإمارات 94 الأولى). وأسفرت عن بقاء الدكتور سلطان بن كايد القاسمي خلف القضبان لعقود إضافية.
ظروف الاعتقال وردود الفعل
طوال فترة اعتقال الدكتور سلطان بن كايد القاسمي، سواء في القضية الأولى أو الثانية، كانت ظروف احتجازه مثار انتقاد شديد من قبل أسرته ومنظمات حقوق الإنسان. في سجن الرزين الذي قضى فيه سنوات سجنه الأصلية، تعرض الدكتور سلطان لعزلة شبه تامة، حيث وُضع في زنزانة انفرادية لفترات طويلة، ولم يكن يُسمح له بالتواصل مع بقية السجناء إلا نادرًا.
واشتكيت عائلته من صعوبة الزيارات والرقابة المشددة عليها، فضلاً عن المعاملة القاسية التي كان يتلقاها. وقد ذكرت تقارير موثوقة أن الدكتور سلطان عانى صحيًا نتيجة هذه الظروف؛ إذ أصيب بضعف شديد في الوزن وبمشاكل في الذاكرة وبارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى أعراض إجهاد نفسي واضحة.
وفي إحدى الفترات تدهورت حالته إلى درجة استدعت قلق المنظمات الدولية، حيث أفاد المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان ومقره جنيف أن سلطان القاسمي وكثيرًا من رفاقه تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة لانتزاع اعترافات أثناء التحقيق.
على الصعيد المحلي داخل الإمارات، كانت ردود الفعل العلنية محدودة بسبب القيود المفروضة على حرية التعبير حول هذه القضايا الحساسة.
ومع ذلك، أصدرت جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي نفسها (قبل حظرها فعليًا) بيانًا بتاريخ 21 أبريل 2012 عقب اعتقال الدكتور سلطان، عبّرت فيه عن صدمتها وأسفها لاعتقال رئيس فرعها في رأس الخيمة، مؤكدة على دوره الوطني والإصلاحي ومطالبته الدائمة بالخير للوطن. ودعت الجمعية في بيانها إلى احترام حق التعبير والإصلاح السلمي والإفراج عنه.
كما ظهرت بعض المناشدات من شخصيات إصلاحية وأفراد من أسر المعتقلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي تندد بالإجراءات القمعية، إلا أن هذه الأصوات ووجهت بالتخويف أو الصمت الإجباري داخل البلاد.
من جهة أخرى، لاقى اعتقال ومحاكمة الدكتور سلطان اهتمامًا واسعًا في الأوساط الدولية. فعند صدور أحكام قضية الإمارات 94 عام 2013، سارعت منظمات حقوقية عدة للتنديد بها. وأصدرت هيومن رايتس ووتش بيانًا وصف الأحكام بأنها مُسيَّسة وتكرّس انتهاك الإمارات لحقوق الإنسان، واعتبرت أن المحاكمة اتسمت بـ"مخالفات صارخة للإجراءات القانونية".
كما دعت منظمة العفو الدولية السلطات إلى الإفراج الفوري عن المحكومين، ووصفتهم بسجناء رأي اعتُقلوا لمجرد تعبيرهم السلمي عن تطلعاتهم. وانضم الفريق الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي لاحقًا إلى المنتقدين، حيث أصدر رأيًا عام 2013 يعتبر احتجاز الدكتور سلطان ورفاقه تعسفيًا بدون سند قانوني كافٍ، مؤكدًا أن التهم كانت فضفاضة وذات طابع سياسي. وأعرب الفريق عن قلقه من أن المحاكمة جرت أمام محكمة لا تقبل الاستئناف، مما يحرم المتهمين من حق أساسي في التقاضي.
في السنوات اللاحقة، استمرت المتابعات الدولية للقضية. ومع حلول عام 2022 – موعد انتهاء محكومية الكثيرين – أطلقت منظمات حقوقية إماراتية في الخارج حملات إعلامية وشعبية تدعو للإفراج عن الدكتور سلطان وباقي معتقلي الرأي، ووصفتهم بـ"رموز الإصلاح". بل إن بعض التغريدات التي انتشرت وسم "الحرية للدكتور سلطان القاسمي" كانت تذكّر بأنه أحد أبرز العقول التربوية في الإمارات وأن مكانه الطبيعي هو بين طلابه وأهله وليس خلف القضبان.
ومع ظهور قضية "العدالة والكرامة" وتجديد اعتقاله بحكم مؤبد، تصاعد الاستنكار مجددًا من قبل جهات أممية. فقد غرّدت ماري لولور مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان في 4 مارس 2025 معربة عن غضبها الشديد من تأييد المحكمة العليا الإماراتية لأحكام السجن المؤبد ضد الدكتور محمد الركن والدكتور سلطان القاسمي وآخرين، بدلاً من إطلاق سراحهم المنتظر.
ووصفت ما حدث بأنه استمرار لمعاقبة من كان يجب تكريمهم على دفاعهم السلمي عن حقوق الإنسان. كما اعتبرت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) ومنظمة العفو في بيانات مطولة منتصف 2024 أن المحاكمة الجماعية الجديدة استهزاء بالعدالة وضربة قاصمة لما تبقى من مجتمع مدني ناشط في الإمارات.
ردّت السلطات الإماراتية بشكل مقتضب على هذه الانتقادات بأنها ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية، وتصر على أن الإجراءات القضائية تمت وفق القوانين الوطنية التي تجرّم الأفعال المنسوبة للمتهمين. وأكدت أن أمن الدولة واستقرارها أسمى من أي اعتبار، وأن المتهمين في القضيتين تجاوزوا حدود التعبير المشروع إلى أعمال تهدد أمن المجتمع – بحسب تعبير البيانات الرسمية. وعلى الرغم من هذا التشدد الرسمي، يستمر الضغط الدولي والحقوقي للإفراج عن الدكتور سلطان ورفاقه، وسط مخاوف بشأن أوضاعهم الصحية والنفسية في ظل استمرار الاحتجاز طويل الأمد.
يُعد الدكتور سلطان بن كايد القاسمي صاحب فكر إصلاحي معتدل يجمع بين الرؤية الإسلامية والقيم الديمقراطية الحديثة. تجلّت مواقفه الفكرية في مقالاته وخطبه ومشاركاته العامة قبل اعتقاله، حيث دافع باستمرار عن نهج الإصلاح السياسي والمجتمعي السلمي داخل الإمارات. آمن الدكتور سلطان بأن الحفاظ على ازدهار الدولة واستقرارها على المدى البعيد يقتضي إشراك المواطنين في صنع القرار وتمكين مؤسسات المجتمع المدني.
لذلك كان من أوائل الداعين إلى توسيع هامش المشاركة السياسية ضمن الأطر الدستورية القائمة، وليس انقلابًا أو خروجًا على النظام. وقد ظهر هذا جليًا في توقيعه على عريضة مارس 2011 التي طالبت بتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي عبر الانتخابات الشاملة. لم يكن مطلبه إحداث تغيير راديكالي مفاجئ، بل تدرّج مدروس نحو ديمقراطية أوسع ضمن احترام خصوصية المجتمع الإماراتي وتقاليده.
في مقالاته، ركز الدكتور سلطان على قيم العدل وكرامة المواطن ومحورية سيادة القانون. في مقاله الشهير "من أجل كرامة المواطن"، استشهد بالآية القرآنية "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" ليؤكد أن مسعاه هو الإصلاح في حدود استطاعته وضمن ولائه لوطنه.
وانتقد قرارات التعسف كسحب الجنسيات وقمع حرية التعبير، معتبراً أنها تؤدي إلى شرخ بين الدولة والمجتمع وتضر بسمعة الإمارات التي بنيت كدولة حديثة على أسس الوحدة والولاء المتبادل بين الحاكم والمحكوم.
كما طالب باحترام الحقوق الدستورية للمواطنين المنصوص عليها في دستور الدولة، مثل حق إبداء الرأي والمشاركة في الشأن العام. ورأى أن الاستقرار الحقيقي يتحقق بتعزيز اللحمة الوطنية عبر الحوار والإصلاح، وليس عبر التخويف وإسكات الأصوات الناقدة.
تميزت خطب الدكتور سلطان في المنتديات التربوية والمجتمعية قبل اعتقاله بنبرة وطنية صادقة. فقد كان يدعو الشباب إلى التمسك بهويتهم العربية والإسلامية والاعتزاز بالإنجازات الوطنية، وفي الوقت نفسه يُشجّع على الانفتاح الفكري والتعلم من تجارب الدول الأخرى في التنمية والإدارة الرشيدة.
وكان يؤكد أن لا تعارض بين كون الإنسان متدينًا ملتزمًا بالقيم الإسلامية وبين تبنيه مفاهيم حديثة كالديمقراطية وحقوق الإنسان؛ فكلاهما يصب في مصلحة المجتمع إذا ما أحسن تطبيقهما. هذه النظرة المتوازنة جعلته محل احترام شريحة واسعة من المجتمع الإماراتي، خصوصًا بين طلابه وزملائه في الحقل الأكاديمي، الذين وجدوا فيه قدوة تجمع بين العالم والتربوي والداعية المصلح.
على الصعيد الفكري أيضًا، عُرف عن الدكتور سلطان تبنيه لأفكار الوسطية الإسلامية ونبذه للتطرف. فقد كان يشدد في أحاديثه على أهمية الاعتدال والحوار بين مختلف التيارات الفكرية داخل المجتمع، ويدعو إلى معالجة مشكلات الشباب عبر التربية والتوجيه السليم بدلًا من الإقصاء. هذه التوجهات وضعته فكريًا ضمن ما يمكن وصفه بـ"الإسلاميين المعتدلين" الذين ينادون بالإصلاح من داخل المنظومة وبوسائل سلمية تمامًا. ولم يكن في طرحه ما يشير إلى رغبة في صدام مع النظام السياسي، بل حرص دائمًا على رفع شعارات الولاء للوطن وقيادته مصحوبة بالمطالبة بالإصلاحات كحق وواجب لتحقيق المصلحة الوطنية.
بعد اعتقاله، انقطع صوت الدكتور سلطان العلني، لكنه ترك إرثًا فكريًا ممثلاً في كتاباته السابقة ومواقفه المبدئية التي استمر أنصاره في نشرها والتذكير بها. ولم تثنِ سنوات السجن العشر الأولى عزيمته أو تدفعه للتراجع عن أفكاره، حيث لم يُعرف عنه قيامه بأي "مراجعات" فكرية تخالف ما كان يؤمن به. وهذا الثبات أكسب قضيته احترامًا أكبر بين المنظمات الحقوقية وبعض المفكرين العرب، باعتباره نموذجًا للمثقف الملتزم بقضية الإصلاح رغم الثمن الشخصي الباهظ.
ترك الدكتور سلطان بن كايد القاسمي بصمة واضحة على الصعيدين التربوي والمجتمعي في دولة الإمارات، وأصبح اسمه مرتبطًا بمحطات مفصلية في مسيرة العمل الإصلاحي. فمن الناحية التربوية والعلمية، ساهم خلال الثمانينات والتسعينات في تأسيس منظومة تعليمية حديثة في الإمارات، سواء عبر تطوير المناهج المدرسية أو إنشاء جامعة الاتحاد في رأس الخيمة.
وقد تتلمذ على يديه مباشرة أو تحت إشرافه جيـلٌ من التربويين والطلاب الذين تقلدوا فيما بعد مواقع مهمة في قطاع التعليم.
إن حرصه على إدخال مفاهيم تربوية متطورة واحترامه لخصوصية المجتمع الإماراتي في المناهج، أدى إلى رفع جودة التعليم في المدارس الحكومية خلال فترة عمله في الوزارة. كما أن رؤيته في التعليم العالي بتأسيس جامعة أهلية (جامعة الاتحاد) أتاح فرصًا لأبناء الإمارات الشمالية لمواصلة تعليمهم الجامعي محليًا بتكاليف معقولة، وهذا يُعد إسهامًا اجتماعيًا وتنمويًا كبيرًا.
أما على الصعيد الدعوي والمجتمعي، فكانت له شخصية كارزمية أثرت فيمن حوله. فقد عُرف بدماثة الخلق والتواضع وحسن الاستماع لمشاكل الناس، مما جعله قريبًا من قلوب الكثيرين وخاصة الشباب. من خلال قيادته لجمعية الإصلاح برأس الخيمة لعقود، تمكن من نشر ثقافة العمل التطوعي والخيري في مجتمعه المحلي.
وكانت أنشطة الجمعية تحت إشرافه تعالج قضايا اجتماعية ملحّة مثل التكافل الاجتماعي، وتشجيع الزواج وتكوين الأسر المستقرة، ومحاربة الأمية عبر حلقات تعليم الكبار، ورعاية النشء عبر المراكز الصيفية والندوات الدينية. هذا التأثير المباشر على المجتمع أكسبه لقب "رمز الإصلاح" عن جدارة، حيث بات يُنظر إليه كشخصية جامعة بين العلم والدين وخدمة المجتمع.
شكلت سنة 2011 محطة بارزة في حياته وحياة الإمارات عمومًا، حين حمل لواء المطالبة بالإصلاح السياسي مع نخبة من أبناء الوطن. فالتوقيع على عريضة 3/3/2011 وما تلاها من تداعيات، ثم اعتقاله عام 2012، مثّل نقطة تحول جذري من حياة الأكاديمي الهادئ إلى معترك النضال السلمي. ورغم أن الثمن كان سنوات طويلة من حريته، إلا أن تلك الوقفة اعتُبرت فيما بعد منعطفًا مهمًا، لأنها كسرت حاجز الصمت حيال فكرة المشاركة السياسية في الإمارات ولو لفترة وجيزة.
وقد دفع اعتقاله والكوكبة المعروفة من الإصلاحيين كثيرًا من المهتمين بالشأن العام إلى إعادة تقييم حدود حرية التعبير في البلاد، وأثار نقاشات – ولو خلف الأبواب المغلقة – حول مستقبل الانفتاح السياسي في الإمارات.
إن استمرار احتجاز الدكتور سلطان بن كايد حتى اليوم (بعد أكثر من عقد على اعتقاله الأول) بات رمزًا لحالة الجمود السياسي في الإمارات. فقد أدى ذلك إلى إخماد صوت المعارضة السلمية الداخلية إلى حد بعيد، حيث أظهرت السلطات أنها لن تتسامح مع أي تحرك من هذا القبيل.
بالمقابل، جعلت هذه القضية أنظار العالم تتجه نحو أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات، وأحرجت الدولة في المحافل الدولية بسبب التناقض بين صورتها التقدمية اقتصاديًا وانتهاكاتها في المجال السياسي والحقوقي. وفي الوقت الذي انكفأت فيه المعارضة الداخلية بسبب القبضة الأمنية، استمر النشاط الإصلاحي الإماراتي في الخارج عبر شخصيات ومنظمات حقوقية في المهجر، كان الدافع الأساسي لتحركاتهم هو المطالبة بحرية رموزهم وفي مقدمتهم الدكتور سلطان.
ومن أبرز المحطات في حياة الدكتور سلطان التي يمكن تلخيصها: ميلاده عام 1958 في حقبة ما قبل الاتحاد، مشاركته في تأسيس جمعية الإصلاح في السبعينات شابًا يافعًا، حصوله على الدكتوراه عام 1997 وعودته خبيرًا في التربية، رئاسته لجامعة الاتحاد منذ 1999، انخراطه علنًا في الحراك الإصلاحي عام 2011 والتوقيع على العريضة، اعتقاله في 2012 ومحاكمته 2013 ضمن الإمارات 94، قضاؤه عشر سنوات في السجن كأكاديمي سجين رأي، انتظار الإفراج 2022/2023 الذي لم يحدث، ثم إعادة محاكمته 2024 في قضية العدالة والكرامة والحكم عليه بالمؤبد. هذه المحطات رسمت صورة شخصية تجمع بين المثقف والمناضل السلمي، وهي تركيبة نادرة في سجل الشخصيات العامة الإماراتية.
إن التأثير العام للدكتور سلطان بن كايد القاسمي يتجاوز شخصه ليطال مسيرة الإصلاح في الإمارات ككل. فباعتقاله وإخوانه، دخلت حركة الإصلاح مرحلة سكون إجباري داخل الوطن، لكنها في الوقت نفسه ألهبت مشاعر التعاطف والتضامن خارجه. ويأمل الكثيرون أن يأتي يوم يُطوى فيه هذا الملف، ويتم فيه إطلاق سراح الدكتور سلطان ليواصل رسالته في خدمة وطنه من جديد.
وبغض النظر عن الزمن الذي سيستغرقه ذلك، سيظل اسمه محفورًا كأحد أبرز أعلام الفكر التربوي والإصلاح المجتمعي في الإمارات، وستبقى تجربته درسًا للأجيال حول تحديات العمل الإصلاحي في ظل الأنظمة المحافظة، وحول الثبات على المبدأ حتى في أصعب الظروف.