أحدث الأخبار
  • 08:56 . كم ارتفع عدد سكان أبوظبي خلال العام الماضي؟... المزيد
  • 07:25 . هيومن رايتس ووتش: أحكام أبوظبي الأخيرة في قضية "الإمارات 84" تؤكد ازدراءها للقانون... المزيد
  • 06:39 . إيران.. ارتفاع قتلى الهجمات الإسرائيلية إلى 935... المزيد
  • 11:36 . إثر التوترات الأخيرة.. كيف تغيرت أسعار الوقود في الإمارات لشهر يوليو؟... المزيد
  • 11:22 . الرئيس الإيراني يؤكد الاستعداد لفتح صفحة جديدة مع الخليجيين... المزيد
  • 09:51 . واشنطن بوست: اتصالات إيرانية جرى اعتراضها تقلل من تأثير الضربات الأمريكية... المزيد
  • 12:32 . الاحتلال الإسرائيلي يدرس مستقبل حرب غزة والجيش يوصي بإبرام صفقة... المزيد
  • 08:41 . السلطات السعودية تفرج عن دُعاة بعد سنوات من الاعتقال... المزيد
  • 05:37 . صحفيات بلا قيود: النظام القضائي في الإمارات عاجز عن تحقيق العدالة... المزيد
  • 12:12 . إيران تعلن مقتل 71 شخصا في الهجوم الإسرائيلي على سجن إيفين... المزيد
  • 12:11 . في ظل التوترات الإقليمية.. مباحثات سعودية إيرانية حول سُبل التعاون الدفاعي... المزيد
  • 12:06 . "التربية" تُطلق المخيم الصيفي لصقل مواهب الطلبة وتنمية قدراتهم... المزيد
  • 12:06 . الإعلان عن أوائل الثانوية العامة اليوم ونتائج الثاني عشر غدًا... المزيد
  • 12:04 . الصين تكرّم رئيس الإنتربول "أحمد الريسي" بأعلى جائزة رغم ملاحقته حقوقيا وقضائيًا... المزيد
  • 11:53 . جيش الاحتلال يعلن اغتيال مسؤول عسكري بحزب الله جنوب لبنان... المزيد
  • 11:51 . غروسي يرجح أن تتمكن إيران من تخصيب اليورانيوم مجددا "في غضون أشهر"... المزيد

جدلية التفتيت والجمع في بلاد العرب

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 29-02-2020

في الآونة الأخيرة صعدت أصوات البعض من المنادين بأن يقصر الفرد العربي اهتماماته على الدولة القطرية الوطنية، التي يعيش فيها، وأن يبعد نفسه عن الاهتمام الملتزم، بكل تبعاته وتعقيداته، بما يجري في وطنه العربي الكبير. وبالطبع فإن تلك الأصوات، بقصد أو من دون قصد، تتناغم وتتعاضد مع أهداف تاريخية وحالية لبعض الدوائر الاستعمارية الغربية والصهيونية، التي تسعى لإخراج الهوية العروبية الموحدة للأمة، ومن ثم المشروع الوحدوي العربي، من ذاكرة وعقل ووجدان كل إنسان عربي، وعلى الأخص شابات وشباب الأمة.
إن هذه الأصوات تردد ليل نهار، أن لكل قطر عربي خصوصياته التاريخية والسلوكية واللغوية، التي تميزه عن بقية الأقطار العربية، وأن وضع التقسيم الحالي للوطن العربي إلى دول مستقلة، بذاتية خاصة، أصبح جزءا من الواقع العربي لا يمكن تبديله، وبالتالي من الحصافة قبوله، وأنه نتيجة لذلك أصبحت لكل قطر مصالحه والتزاماته وارتباطاته وآماله وأنظمته السياسية الخاصة به.
وبالطبع ما كان لتلك الأصوات أن تعلو لولا الوضع المأساوي التمزيقي الحالي، الذي تعيشه أجزاء كبيرة من الوطن العربي، ولولا الصعود الكبير للنفوذين الصهيوني والأمريكي في بعض الأقطار العربية. لكن ما لا تعيه تلك الأصوات النشاز الغاضبة، بل ما تحاول أن تخفيه عن مدارك ووعي الإنسان العربي العادي، هو أن فقدان السياسة العربية المشتركة الجامعة، وغياب الالتزامات القومية التضامنية، في ما بين الأقطار العربية، قد أدى إلى انكشاف وضعف وعدم كفاءة السياسة القطرية المستقلة. وها نحن اليوم نرى كيف أصبحت السياسات القطرية، المبتعدة عن محيطها العربي القومي، لعبة في يد قوى استعمارية ـ صهيونية متآمرة وقوى إقليمية طامعة.
والنتيجة أن العديد من الأقطار العربية تغرق، وتكاد تموت، من جراء الهجمات الخارجية الممنهجة عليها، خصوصا بعد أن وجدت تلك الجهات الخارجية في منظومات الجهاد الإسلامي التكفيرية العنفية المجنونة، أدوات جاهزة لتنفيذ كل مخططاتها تجاه كل قطر على حدة…. ومع الأسف فإذ تغرق تلك الأقطار، فإنها لا تجد يدا عربية واحدة، فردية أو مشتركة، تمتد لإنقاذها. ولو أن تلك الأصوات المنكفئة قطريا على نفسها، والداعية إلى الخلاص القطري، أمعنت النظر، بهدوء ورزانة، في الصورة الحالية للوطن العربي كله، لأدركت كم أن غياب القومي قد أنهك وأضر وأمات القطري الوطني في كل الساحات. دعنا هنا نستحضر لانتباه تلك الأصوات ما كتبه في عام 1992، في جريدة «واشنطن بوست»، أحد كبار الصحافيين الأمريكيين، وهو جيم هو غلند قائلا: «كان تفسيخ السياسات العربية وتجزأتها إلى نتف ( Atomizing Arab Politics) هدفا أساسيا من أهداف كبار مخططي وزارة الخارجية الأمريكية لعملية عاصفة الصحراء».

غياب الالتزامات القومية التضامنية، بين الأقطار العربية، أدى إلى انكشاف وضعف وعدم كفاءة السياسة القطرية المستقلة

بالنسبة لأمريكا، وبالطبع الكيان الصهيوني، يجب أن لا توجد قضايا عربية سياسية مشتركة، وأن تحل محل ذلك قضايا سياسية تحت مسميات مصرية ومغربية وكويتية وسورية إلخ. دعنا أيضا نستحضر لهذه الأصوات تاريخ محاربة الاستعمار الغربي في طول وعرض بلاد العرب. هل كان باستطاعة الكثير من الأقطار العربية المستعمرة نيل استقلالها، لو لم تحصل حركاتها الوطنية على أنواع لا تحصى من الدعم والمساندة من شقيقاتها الأقطار العربية الأخرى؟ وهذا ينطبق على الأخص على أقطار الخليج العربي، في مقاومتها للاستعمار البريطاني، وهي مع الأسف الأقطار التي تعلو في بعضها تلك الأصوات النشاز، المعارضة لكل توجه قومي تضامني وحدوي في حل قضاياها وقضايا غيرها.
لا يقتصر الأمر على حقل السياسة، فحقل الاقتصاد والتنمية يطاله هو الآخر رذاذ ذلك التوجه العجيب. فما أن يتكلم أحد عن أهمية التنسيق والتضامن والتوحيد العربي في حقل التنمية الإنسانية، والاقتصاد الإنتاجي، والانتقال إلى عصر المعرفة والتكنولوجيا، حتى تنبري تلك الأصوات بوصف تلك المحاولات بالأحلام الطفولية المستندة إلى أوهام أيديولوجية، وينسى هؤلاء أن محاولات التنمية الإنسانية الشاملة قد فشلت فشلا ذريعا في كل قطر عربي حاول أن يقوم بها لوحده وضمن إمكانياته.
وهذا موضوع كبير، كتبت عنه الكتب التي خرجت جميعها بالاستنتاج المنطقي بأهمية خطوات التنسيق والتعاون والتوحيد العربي في حقول الاقتصاد والمعرفة والتكنولوجيا وغيرها. ومرة أخرى ترفع تلك الأصوات في وجوهنا مقولة إن هذا العصر هو عصر عولمة، وتتجاهل ما فعلته العولمة النيوليبرالية، المتبناة من قبل كل الأقطار العربية، بالمجتمعات العربية، من عرقلة الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، ومن فقدان كل استقلال في القرارات الاقتصادية، وتحكم من قبل المؤسسات المالية العولمية، ومن ازدياد في الفقر، واتساع في الهوة بين الفقراء والأغنياء، ومن تراجع مذهل في حجم الطبقة الوسطى، ومن ازدياد في معدلات البطالة، إلخ، إلخ..
من حقنا أن نسأل: ألا يستطيع مفكرو ومثقفو وسياسيو هذه الأمة ان يتجنبوا ممارسة التطرف والحدية في كل ما يطرحونه من أفكار ومواقف، ويتعاملوا مع قضاياهم ومستقبلهم بهدوء وموضوعية ورزانة، تبعدهم عن الغوغائية المبتذلة في بعض ما يقولونه أو يكتبونه؟