أحدث الأخبار
  • 11:34 . حاكم عجمان: علماء الدين السند في حفظ المجتمعات ونشر القيم... المزيد
  • 11:31 . بنك المشرق يبيع 65% من حصته في شركة "ادفع" لخدمات الدفع... المزيد
  • 11:30 . اجتماع عربي إسلامي بمدريد يدعو لإنهاء حرب غزة وتنفيذ حل الدولتين... المزيد
  • 10:40 . جنوب إفريقيا تؤكد تصميمها على متابعة قضية “الإبادة الجماعية” ضد الاحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 10:39 . أمريكا تعلن مقتل أربعة من قادة تنظيم “الدولة الإسلامية” في غارة بالعراق... المزيد
  • 10:37 . حلم الصعود للمحترفين.. انطلاق دوري الهواة بسبع مواجهات ساخنة ومثيرة اليوم وغدا... المزيد
  • 10:36 . النصر يتعادل مع الأهلي في كلاسيكو دوري روشن السعودي... المزيد
  • 10:32 . الكويت تعلن اختتام تمرين "بحري 5" لخفر السواحل وجناح الطيران... المزيد
  • 10:30 . عبدالله بن زايد يبحث مع نظيرته الألمانية التطورات في المنطقة... المزيد
  • 11:22 . تركي الفيصل: لا قيود على دعم فلسطين في السعودية... المزيد
  • 11:22 . أحمد النعيمي يعلق ساخراً على تصريحات ابتسام الكتبي بشأن تبرير التطبيع: نتنياهو ثعلب وأنتم ماذا؟... المزيد
  • 09:47 . السودان يكشف عن وثائق جديدة بشأن دعم أبوظبي لمليشيا الدعم السريع... المزيد
  • 09:45 . "مكافأة التطبيع".. مصادر تكشف مساع أبوظبي لإحياء صفقة طائرات "إف 35" إذا فاز ترامب... المزيد
  • 09:44 . إصابة رئيس جزر القمر بجروح طفيفة في عملية طعن... المزيد
  • 06:43 . الاحتياطيات الدولية للقطاع المصرفي بالدولة تنمو 8.1% بنهاية يونيو... المزيد
  • 12:06 . إيرادات عُمان تتراجع بـ29 مليون ريال بسبب انخفاض الغاز... المزيد

ألسنة وآذان

الكـاتب : عبد الله الناصر
تاريخ الخبر: 30-11--0001

عبد الله الناصر

سبق أن أشرت في هذه الجريدة إلى حالة التسيب والانفلات الكلامي العربي وقلت، نحن يا سادتي نتكالب على الكلام بسبب وبدون سبب نتسابق في التحدث حتى تتشابك الكلمات وتصطدم ببعضها في الهواء وتتناثر في الفراغ.

نريد أن نحكي وكأن أفواهنا ظلت دهوراً مغلقة ثم أُطلقت لها حرية الكلام.. أي كلام فيتوه كلامنا في مجاهل الهذيان.

لا يوجد في غالب الأحيان رابط بين ما في عقولنا وما تهذي به ألسنتنا.. فالعلاقة بين اللسان والعقل ليست وثيقة.. بل وليست على ما يرام.. تماماً كما هي الحال في كثير من أمورنا.. فهي ليست وثيقة وليست دائماً على ما يرام.

نحن نسرف في استعمال الألفاظ ونرهق ألسنتنا حتى يصيبها الإعياء وضعف اللياقة.. وأعظم القادرين لدينا هو من يتمتع لسانه بلياقة رياضية عالية..!! لقناعته بأن الثرثرة والصراخ هما سلاحنا الوحيد الذي نستعمله للدفاع عن أنفسنا، فأصبحت الفروسية لدينا تكمن في طول اللسان.

ليس العرب كما يقال ظاهرة صوتية.. فالأصوات غالباً تدل على الحياة والحركة.. ودائماً صخب العمل خير من جمود الكسل.. والطيور قبل أن تغادر وكناتها إلى رحلة الكفاح اليومي تملأ الكون شقشقة وجلبة.. ولكن العرب -اليوم- فيما يبدو ظاهرة «هذرية».. والهذر هو اللغط والثرثرة والبربرة وتداخل الكلام بلا معنى.

وكثرة الهذر مصدرها قلة الفعل.. فكلما كثر الفعل قل الكلام.. أما إذا ندر الفعل وهزل، فإن الكلام يتضخم ويترهل، ويصاب بالانتفاخ، تماماً كما تصاب بطون أطفال المجاعات.

والغريب أن هناك مثلاً عربياً قديماً يقول: «جوع وأحاديث» وهو يضرب لكثرة الهذر مع كثرة القفر.

كل الأمم لكلامها معاير ومقاييس وقوالب لفظية يصنعها ويحرسها العقل، أما كلامنا فهو عائم سائل يتدفق فوق تلك المعايير وتلك القوالب، والعيب ليس في اللغة، وإنما في الألسن والعقول.. وفي تلك المسافة البعيدة جداً بين العقل واللسان.

ورغم أن أجدادنا أورثونا نصائح جليلة في ترشيد الكلام فقالوا: إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب، وقالوا: مصرع الرجل بين فكيه.. وقالوا: من كثر هذره قل قدره.. ومن كثر حديثه كثر سقطه.. وقال شاعرهم القديم: «لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده»، وأبو نواس رغم أنه صاحب لهو وقصف وعزف إلّا أن له وصية جميلة في الصمت، وإن كان صمت الخوف - حيث قول:

مُت بداء الصمت

خيّر لك من داء الكلام

إنما السالمُ من أل

جم فاهُ بلجام

ورغم وصايا أساطير اللغة وعلمائها وعلى رأسهم ابننمالك الذي يؤكد أن الكلام يجب أن يكون مفيداً.. حيث يقول في ألفيته المشهورة: «كلامنا لفظ مفيد كاستقم».

وهو هنا يؤكد على أمرين: الإفادة والاستقامة الكلامية، وعدم الإكثار من الزوائد والانحرافات اللفظية.

أقول رغم كل هذا إلاّ أننا لا نعتبر.. بل إننا نعتبر تلك النصائح وصاية عجائز ليس من حكمة وراءها إلاّ مجرد الوصاية والتحكم.

لهذا السبب، أي سبب الإسهاب، والإسهال في الكلام تضيع الحقيقة من أفواهنا بسهولة كما تضيع الأرض منا بسهولة.. والكرامة والمقدرات بسهولة..!! وتغيب الحجة في غبار الجعجعة، فنحن نتحدث أو بالأصح نثرثر حتى يملَّ الناس من هذه الثرثرة، ويصابوا بالاشمئزاز والقنوط.. لهذا نراهم حينما يضطرون للحديث معنا فإنهم غالباً ما يحشون آذانهم بالقطن والشمع.

صدقوني إننا نحتاج إلی تربية على الكلام، وتدريب على الكلام.. بل نحتاح إلى ثقافة اسمها ثقافة الكلام، ومتى امتلكنا القدرة على ذلك فسوف نمتلك القدرة على حل بقية الأمور المستعصية الأخرى.

علينا أن نتكلم وفق ما تريده وتتطلبه حاجاتنا.. فإذا وصلنا هذه المرحلة من التوازن فإننا سنعطي لأذهاننا فرصة للتفكير، والتدبير والتأمل، والابتكار، وسوف نحميها من كل هذا الصمم الناتج عن الثرثرة.. وسنعطي آذاننا فرصة للراحة، ونتأكد من أنها لن تطول، وتتضخم، وتتهدل.