أحدث الأخبار
  • 12:45 . تقرير إيراني يتحدث عن تعاون عسكري "إماراتي–إسرائيلي" خلال حرب غزة... المزيد
  • 12:32 . أبوظبي تُشدّد الرقابة على الممارسات البيطرية بقرار تنظيمي جديد... المزيد
  • 12:25 . الغارديان: حشود عسكرية مدعومة سعوديًا على حدود اليمن تُنذر بصدام مع الانفصاليين... المزيد
  • 12:24 . منخفض جوي وأمطار غزيرة تضرب الدولة.. والجهات الحكومية ترفع الجاهزية... المزيد
  • 12:19 . إيران تعدم رجلا متهما بالتجسس لصالح "إسرائيل"... المزيد
  • 10:59 . أمريكا تنفذ ضربات واسعة النطاق على تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا... المزيد
  • 09:21 . الاتحاد العالمي لمتضرري الإمارات... المزيد
  • 06:52 . السعودية تنفذ حكم القتل لمدان يمني متهم بقتل قائد التحالف بحضرموت... المزيد
  • 06:51 . بين توحيد الرسالة وتشديد الرقابة.. كيف ينعكس إنشاء الهيئة الوطنية للإعلام على حرية الصحافة في الإمارات؟... المزيد
  • 06:41 . أمير قطر: كأس العرب جسّدت قيم الأخوّة والاحترام بين العرب... المزيد
  • 11:33 . "رويترز": اجتماع رفيع في باريس لبحث نزع سلاح "حزب الله"... المزيد
  • 11:32 . ترامب يلغي رسميا عقوبات "قيصر" على سوريا... المزيد
  • 11:32 . بعد تغيير موعد صلاة الجمعة.. تعديل دوام المدارس الخاصة في دبي... المزيد
  • 11:31 . "فيفا" يقر اقتسام الميدالية البرونزية في كأس العرب 2025 بين منتخبنا الوطني والسعودية... المزيد
  • 11:29 . اعتماد العمل عن بُعد لموظفي حكومة دبي الجمعة بسبب الأحوال الجوية... المزيد
  • 08:14 . قانون اتحادي بإنشاء هيئة إعلامية جديدة تحل محل ثلاث مؤسسات بينها "مجلس الإمارات للإعلام"... المزيد

الماضي لنا والمستقبل لهم

الكـاتب : فهمي هويدي
تاريخ الخبر: 05-12-2015


لا نملك سوى أن نحني رؤوسنا تقديرا واحتراما للثنائي الذي أعلن التبرع للأعمال الخيرية بـ٩٩٪ من أسهمهما في شركة «فيسبوك» التي قدرت بمبلغ ٤٥ بليون دولار. أتحدث عن الأمريكي مارك زوكربرج (٣١) وزوجته بريسيلا تشان اللذين وجها رسالة بهذا المعنى إلى طفلتهما الأولى التي أنجباها قبل أيام، وذكرا أنهما سينشئان مؤسسة لهذا الغرض، يتوليان إدارتها هدفها «تحسين الإمكانات البشرية وتعزيز المساواة». لا يغير من التقدير والاحترام كون الرجل ملحدا أو يهوديا كما قيل، لأن أكثر ما همني هو تنامي ذلك النزوع النبيل إلى الخير الذي يدفع نفرا من كبار الأثرياء لأن يفكروا بغيرهم ويوجهوا مبالغ هائلة من ثرواتهم إلى أعمال البر، التي تنفع الناس. قبل مارك زوكربرج وزوجته قرأنا عن عملاق البرمجيات (مايكروسوفت) بيل جيتس وزوجته ميليندا اللذين تنازلا عن ٩٥٪ من ثروتهما لأعمال الخير، ورجل المال وارين بافيت الذي تنازل عن ٩٩٪ من ثروته. ومؤسس شركة أوراكل للتكنولوجيا لاري أليسون الذي تنازل عن ٩٥% من أملاكه. وكان زوكربرج وزوجته تشان من الموقعين على «تعهد العطاء» الذي أطلقه بيل جيتس وزوجته بهدف إقناع كبار الأثرياء بالتنازل عن أكثر من نصف ثرواتهم للخير. ودفع ذلك التعهد غير الملزم ١٣٨ من كبار الأثرياء في 15 دولة. بينهم عربي واحد هو البليونير السوداني البريطاني مو (محمد) إبراهيم، الذي أعلن التبرع بنصف ثروته لأعمال الخير قبل عشرة أعوام. ومن الموقعين أيضا الباكستاني عارف نقفي الذي أسس شركة عقارية كبرى مقرها دبي. ليس لدينا ما يثبت أن منهم من فعل ذلك للتهرب من الضرائب كما يقول البعض. لذلك فإننا نغبطهم ونحسدهم ونستحيي منهم. نغبطهم لأن مجتمعاتهم أفرزت أمثال هؤلاء الناس الذين قدموا نماذج نادرة في العطاء والمسؤولية إزاء محيطهم المحلي والإنساني. ونحسدهم لأننا لم نسمع في زماننا وفي بلادنا المكتظة بالأثرياء بأن أحدا منهم فعلها، فقدم ثروته كلها أو أغلبها أو نصفها لمساعدة المحتاجين أو خدمة المجتمع. أما شعورنا بالحياء والخجل فراجع إلى أمرين: الأول أن ثقافتنا اعتبرت العطاء من أركان الإيمان، فضلا عن أن لدينا خبرة تاريخية نعتز بها في هذا المجال. الأمر الثاني أن العالم الغربي نقل عنا هذه القيم فأنضجها وطورها وحولها إلى أحد مصادر قوة المجتمعات وعافيتها، فسبقونا وتفوقوا علينا وأبهرونا، وهذه مسألة تحتاج إلى بعض التفصيل. في الشق الأول لا نستطيع أن نتجاهل أن المرجعية الإسلامية ممثلة في النصوص الشرعية تعتبر المال مال الله بالأساس، وأن للناس حقا فيه غير الزكاة، التي هي ركن من أركان الإيمان. وهذه الخلفية هي التي فتحت الباب واسعا لمختلف صور العطاء التي كان الوقف أبرزها والنموذج العبقري لها. وأي دارس للتجربة الإسلامية يدرك أن الأوقاف كان لها دورها الأكبر في بناء مجتمعات المسلمين، فالسلطة كانت معنية بالإدارة والخراج والفتوحات، أما ما نسميه في زماننا بالإعمار المتمثل في تقديم الخدمات وتوفير التعليم والرعاية الصحية وشق الطرق وغير ذلك، فقد نهضت به المجتمعات من خلال الأوقاف. وعبقرية الفكرة تمثلت في أن الأوقاف صارت سبيلا إلى عمارة الدارين، في الدنيا والآخرة، ذلك أن الواقف يسهم بعطائه في بناء المجتمع والنهوض به، وفي الوقت ذاته فإنه يتقرب بذلك إلى الله ويثاب على فعله في الآخرة. والدارسون لنظام الوقف يدهشهم تنافس المسلمين على خدمة مجتمعاتهم على مدى التاريخ. والمؤلفات التي عالجت هذه المسألة وفيرة. من أهمها مؤلف الدكتور إبراهيم البيومي غانم «الأوقاف والسياسة في مصر»، الذي سلط الضوء ليس فقط على مساهمات الأثرياء القادرين في عمارة المجتمع قبل تأميمه لصالح السلطة من خلال وقف آلاف الأفدنة والعقارات، وإنما أيضا مساهمات متوسطي الحال والبسطاء التي تمثلت في أسبلة المياه والمظلات التي كانت تقام لحماية الناس من حرارة الشمس وغير ذلك. في الشق الثاني المتعلق باقتباس الغربيين للفكرة من التجربة الإسلامية فذلك موثق في دراسات أكاديمية عدة. وللفيلسوف الفرنسي مارسيل موس (المتوفى سنة ١٩٥٠) كتاب منهم في هذا الصدد ترجم إلى العربية بعنوان «بحث في الهبة» ذكر فيه أن فلاسفة عصر الأنوار (القرنان ١٧ و١٨) قاموا بدورهم في تأصيل قيم الحرية والعدالة، ولكن قيم العطاء في الثقافة الغربية تم اقتباسها من ثقافة وخبرة المجتمعات الإسلامية. ومن الثابت أن مؤسس عائلة فورد (جد الرئيس الأسبق) كان قد زار مصر في أوائل القرن التاسع عشر وتفقد الأزهر والمنشآت الوقفية في مصر، وعندما عاد إلى الولايات المتحدة فإنه أسس «فورد فونديشن» على غرارها وأن أمريكيين آخرين درسوا نظام الوقف في الدولة العثمانية ونقلوه إلى بلادهم حتى أصبحت أهم وأشهر الجامعات الأمريكية تدار كلها بواسطة الأوقاف. وثمة تفاصيل كثيرة في هذا الصدد تضمنتها رسالة ماجستير حول العمل الخيري في الغرب قدمت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية للباحثة ريهام خفاجة. هذه الخلفية نخجل من ذكرها الآن لأن كل ذلك صار عندنا تاريخا نتغنى به ونتحسر عليه، أما بالنسبة إليهم فقد أصبح واقعا يغتنون به ويعتزون به. فاكتفينا نحن بالماضي وفازوا هم بالحاضر والمستقبل.