مرَّ عقد على فقدنا للشيخ زايد «طيب الله ثراه»، ومرَّ ذات الزمن ونحن ماضون في الوفاء بعهده والمضي على سيرته، إننا أمام زايد الإنسان الذي خلق الله فيه الخير جبلة وفطرة، بعيداً عن التكلف والتصنع لأنه فيه سجية.
لقد أمضى زايد رحمه الله حياته كلها منذ توليه مسؤولية الحكم في سباق مع الخير، فأعماله كانت تسبق أقواله بشهادة الآخرين لأنه كان لا يحب البوح والإعلان عمّا يقدمه من عطاءات خيرية وإنسانية من أجل مراعاة مشاعر من امتدت لهم يد العون والمساعدة. بل إن نظرة الشيخ زايد رحمه الله كانت أبعد من ذلك بكثير فقد كان يعامل البشرية وفق مبدأ العائلة الواحدة والجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو من عوز تداعت سائر الأعضاء لسد هذا العجز.
ولو أردنا رسم خريطة لعطاءات زايد منذ قيام الاتحاد إلى ساعة مفارقته الحياة، لعجزت الخريطة عن تحمل هذا العبء، وذلك لصعوبة الحصر والعد فيما هو معلن فمن يعلم بما لم يعلن غير الله سبحانه.
وحسبنا أن نكتفي منها بلمحات سريعة ومقتطفات لملامح الخير في سيرته، ونبدأ في العام الذي تمّ الإعلان فيه عن قيام كيان الدولة الاتحادية حيث تبرع الشيخ زايد رحمه الله بمبلغ 50 ألف دولار لدعم أنشطة منظمة اليونيسيف في برامجها الهادفة لمساعدة الطفولة التي يدرك زايد معانيها الإنسانية في بداية التكوين ومدى الحاجة إلى حسن رعايتها حتى تصل إلى مراحل النضوج والبلوغ، ومن ثم المساهمة في الحياة بإيجابية.
وعندما تعرَّض الشعب الفلسطيني في أوائل السبعينيات لاعتداءات غاشمة من قبل العدو الإسرائيلي، وهو ما يحدث هذه الأيام، وذات المشهد المتكرر من الدمار والقتل الذي تمارسه القوات الإسرائيلية في غزة اليوم، وذلك اليوم، لم يقف زايد متفرجاً، ففي 17 يونيو من عام 1971 أعلن الشيخ زايد عن تبرعه بمبلغ 20 ألف دينار بحريني لدعم صمود غزة ضد الاحتلال الصهيوني والشاهد أن الأحداث لا زالت ساخنة على هذه الجبهة ولا زالت الأيادي البيضاء لحملة الأمانة من بعد زايد ممتدة بخيرها إلى الشعب الفلسطيني، حيث أمر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بمساعدة وقدرها 25 مليون دولار لمواصلة نهج زايد الخير في دعم هذا الشعب الذي يبحث عن يوم ميلاد دولته.
لقد أدرك الشيخ زايد رحمه الله منذ عقود أهمية الماء ودوره الحيوي في مشاريع التنمية منذ أن كان حاكماً لمدينة العين وخاصة عند مشاركته أهل العين في حفر الآبار وتخصيص المياه النابعة منها للمحتاجين.
ولمعرفته بأهمية هذا المصدر لحياة شعبه وتطوره، فإنه لم ينس يوماً حاجة الآخرين من الأشقاء والإخوة في مواقع الحاجة الملحة إلى قطرة الماء الزلال، فمن هذا المنطلق تبرع الشيخ زايد في 15 مارس 1972 بمبلغ 3 ملايين دولار لحل مشكلة العطش في السودان.
وعلى هذا الأساس بنى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مبادرته في «سقيا الإمارات» امتداداً لخيرية زايد غير المنقطعة مع توالي الأجيال. فاليوم تجاوزت قيمة تبرعات المبادرة هدفها، بجمع أكثر من 180 مليون درهم خلال 18 يوماً، فقد أعلن سموه أيضاً عن تبرعه الشخصي، لتوفير المياه لمليون إنسان حول العالم، نيابة عن جميع مواطني الدولة ليصل العدد الإجمالي للمستفيدين من الحملة إلى سبعة ملايين شخص.
وعندما نقوم بربط جزء يسير مما قام به زايد رحمه الله في عهده وما تمت مواصلته في عهد أنجاله الأمناء على نهجه ومسيرته، نصل إلى نتيجة مفادها أن خيرية وإنسانية هذه الدولة لا تنفصل البتة عن إنسانية بانيها الأول، فإنسانية زايد القائد هي التي تقف بنا أمام العالم شاهدة على أن هذه الدولة شعارها إنساني تهدف لنصرة الإنسان أينما كان، فلا الزمان ولا المكان عائقان، لأنه بمجرد وجود الإنسان المحتاج البعيد عن حمولات الجنس أو الدين أو العرق، فهو هدف نبيل تسعى القيادة الرشيدة إلى سد حاجته بالخير والنماء المستدام.