في تقرير حول وضع حقوق الإنسان في مصر، أكد موقع “ميديا-بارت” الاستقصائي الفرنسي إن عبد الفتاح السيسي لا ينوي تخفيف الدكتاتورية التي تمارسها حكومته منذ وصوله إلى السلطة، حيث باشرت أجهزة الأمن المصرية بعد أسابيع قليلة من إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية – في أعقاب مهزلة انتخابية – باعتقال عشرات الناشطين، كأمل فتحي التي اعتقلت بعد بثها مقطعا مصورا على موقع “فيسبوك” تنتقد فيه الحكومة لتقاعسها عن حماية المرأة من التحرش الجنسي ولتدهور ظروف المعيشة أو أيضا المدون الشهير وائل عباس و السياسي حمزة عبد العظيم وغيرهم.
وقال الموقع الفرنسي ذائع الصيت إن حكومة السيسي تستخدم حجة مكافحة الإرهاب لإلقاء القبض على أشخاص لم يرتكبوا أعمال عنف ولم يحثّوا على ارتكابها، لكنهم استخدموا بكل بساطة حقّهم في التعبير عن آرائهم على شبكات التواصل الاجتماعي وعبروا عن أفكارهم المعارضة لسياسات الحكومة التي تعتبر أي خصم سياسي مجرماً أو إرهابيًا.
وقد نددت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بسرعة “الاعتقالات الجماعية” و “الاتهامات التي يبدو أنها تستند فقط على الآراء التي أبديت على الشبكات الاجتماعية، مشيرة إلى أن حجم الاضطهاد والقمع الذي تُمارسه السلطات المصرية وصل إلى حد أن قوات السيسي توقف حاليا نشطاء معروفين، لأنهم فقط عبّروا عن مايرونه خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار’’ ميديا-بارت’’ إلى أن البرلمان المصري في طريقه إلى تعزيز القوانين حول استخدام الانترنت لإعطاء جانب قانوني لقمع المدونين والنشطاء، إذ تم في الخامس من يونيوالجاري الموافقة على نص جديد حول’’ الجريمة السيبرانية’’، والذي يلزم مزودي خدمات الإنترنت بالاحتفاظ بالمعلومات الشخصية لزبائنهم وتفاصيل أنشطتهم عبر الإنترنت ثم تسليمها إلى الأجهزة الأمنية بناء على طلب المحاكم.
وفسّر الموقع الفرنسي هذه الاعتقالات في صفوف المعارضة العلمانية التي بدأ بها الرئيس عبد الفتاح السيسي فترته الرئاسية الثانية، بخشية السلطات المصرية، من ردود فعل الشارع المصري الرافضة لسياسة التقشف التي تنتهجُها الحكومة والتي تهيئ هي ووسائل إعلامها لها، منذ أشهر، الشعب المصري لزيادة قادمة في أسعار الكهرباء والبنزين.
وقامت في أوائل شهر يونيوالجاري برفع فاتورة المياه الجارية بنسبة 50٪ تقريبًا، وقبل ذلك بشهر ضاعفت سعر تذكرة المترو ثلاث مرات بالنسبة لسكان القاهرة الكبرى، مما تسبب في احتجاجات في محطات مترو حلوان والسادات (ميدان التحرير)، رغم حظر المظاهرات في هذا البلد.
ونقل’’ ميديا-بارت’’ عن مصطفى كامل الأستاذ الفخري في العلوم السياسية بجامعة القاهرة قوله إن’’ السلطات المصرية تخشى من أن يستغل النشطاء زيادات الأسعار لتنظيم الاحتجاجات’’، لذلك تحاول أن تستبق الأمور بإلقاء القبض على العدد القليل المتبقي من هؤلاء النشطاء خارج السّجن، وذلك بعد أن زجت بأغلبهم خلف القبضان وقامت بتكميم الأحزاب السياسية والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني’’. وأيضا لم يتفاجأ المدون والناشط وائل اسكندر من موجة الاعتقالات الأخيرة هذه، معتبراً أن ’’ استراتيجية الحكومة المصرية لإرهاب الشعب تعمل حتى الآن على أكمل وجه، وسط صمت المجتمع الدولي، الذي يشجّعها على القيام بالمزيد من الاعتقالات كي تُسكت جميع الأصوات المعارضة’’.
وأوضح الموقع الفرنسي أن الدوائر الدبلوماسية الغربية كانت تراهنُ على انخفاض كثافة القمع بمصر عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي فاز بها عبد الفتاح السيسي بـنسبة 97 % من أصوات الناخبين بعد تخويف أو رفض أو إلقاء القبض على جميع خصومه. وهي مسرحية انتخابية أغمض حلفاء مصر -في طليعتهم فرنسا -أعينهم عنها.
وعقب هذه الاعتقالات الأخيرة أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا خجولًا، اعتبر فيه أن ’’ العدد المتزايد من الاعتقالات بحق نشطاء حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين والمدونين في الأسابيع الأخيرة في مصر هو تطور مثير للقلق”. وكالمعتاد، سارعت وزارة الخارجية المصرية إلى الرد مشددة على أن مصر’’ دولة قانون وأن حرية التعبير مضمونة فيها وأنه لا يتم القبض على مواطن مصري أو محاكمته بسبب أنشطته في مجال حقوق الإنسان أو لانتقاده الحكومة، ولكن لارتكابه جرائم يعاقب عليها القانون’’.
من جهة أخرى، اعتبر الموقع الفرنسي أنه لا يمكن حتى الآن التحقق من المعلومات التي أوردتها وكالة الأنباء المصرية من أن غالبية السجناء الـ 712 الذين أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي عفواً بحقهم في بداية شهر رمضان الجاري، بحيث إنه لم يتم الكشف عن أسماء هؤلاء السجناء الذين تم إطلاق سراحهم. وتقدر المنظمات غير الحكومية أن ما بين 40 ألف و60 ألف شخص قد تم اعتقالهم في مصر منذ عام 2013 لأسباب سياسية.