إسرائيل ولدت محتلة مدللة من العالم المتقدم، وعلى رأسه أميركا التي جعلت من أمن إسرائيل أحد المقدسات في سياستها الخارجية التي تسعى في الاستماتة للدفاع عن الدولة العبرية وإنْ كانت على خطأ فاضح وواضح.
هذا الضوء الأميركي الأخضر لإسرائيل أعطاها الإذن المطلق للعربدة في البقايا الباقية من فلسطين، ففي غزة مارست غزواتها الثلاث منذ عام 2006 وحتى آخرها في 2014 وليست الأخيرة بالطبع.
إن هذه السيامية بين أميركا وإسرائيل لا تجعل للرعاية المفترضة لأميركا في مشروع سلام الشرق الأوسط أي قيمة، خاصة عند الرعاية المنحازة بلا مواربة للطفل المدلل الذي لم يبلغ مبلغ الكبار بعد وإنْ كان يتعامل مع أميركا ذاتها بسياسة الندية في أحياناً كثيرة. فإسرائيل لم تكن في يوم قوتها ذاتية، لأنها تعيش أولاً على أرض مسروقة تدعي ملكيتها بلا وثيقة تثبت ذلك، لنفسها أولاً، فضلاً عن الآخرين. فلولا «وعد بلفور» لكانت اليوم في خبر كان بلا حروب ولا دروب.
أما شعبها، فهو أشتات من شذاذ الآفاق اجتمعت في هذا الكيان المفروض على العالم، ليس بقوّة المنطق، بل بقوّة السلاح العسكري والسياسي والاقتصادي التي يغذيها الغرب بكل ما يملكه للدفع بها نحو الأمام.
إسرائيل كدولة تعيش تناقضات جمّة، فهي تستميت لكي تصبح جسماً مقبولاً في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها تحس في داخلها بأنها غدت سنارة بأربعة رؤوس يصعب بلعها في المنطقة برمتها، وفي الوقت نفسه تريد أن تنتمي إلى الغرب بزعم ديمقراطيتها التي تفيض عنصرية. والعقلاء من بني إسرائيل كتبوا منذ عقود الأبحاث تلو الأخرى عن إسرائيل بهذه المواصفات كدولة زائلة لا محال، لأنها تعاني الحد الأقصى للغرور الذي يقتل صاحبه إنْ لم يتدارك أمره ويصلح شأنه ويقبل العيش مع البشر دون أن يعاملهم كالأنعام، بل هم عنده أقل.
عسكرياً إسرائيل الدولة الوحيدة التي خاضت حروبها من السماء عبر الطائرات والقاذفات والصواريخ، فهي أجبن من أن تواجه الخصم على الأرض بعيدة عن رتل الدبابات والمدرعات والحصون المشيدة، فهي على الأرض تخشى الطفل الذي يرمي عليها الحجر أو حتى الورق، فإذا ألقي القبض عليه عوقب كما يعاقب عتاة المجرمين.
كلما زادت إسرائيل في وحشيتها وعنجهيتها وبربريتها، انهالت عليها أطنان من الدلال، خاصة من أميركا التي قامت بواجباتها كاملة غير منقوصة تجاهها. ولو عدنا إلى خطاب أوباما لعام 2012 أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية «الآيباك»، فسنلاحظ أنه يتحدث بلسان نتنياهو أو كأنه المتحدث الرسمي باسم حكومته وليس رئيساً لأميركا، حيث يقول: «وسوف أدافع دوماً عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في الأمم المتحدة وحول العالم، وكرئيس لن أقدم أية تنازلات إذا ما تعلق الأمر بأمن إسرائيل». و«سوف أتقدم بمذكرة تفاهم تنص على تقديم مبلغ 30 مليار دولار خلال العقد القادم، استثمارات لأمن إسرائيل التي لن يقدم مثلها لأي دولة أخرى، وبالمضي قدماً يمكننا أن نعزز التعاون فيما بيننا حول الدفاع الصاروخي، وسوف نقوم بتصدير المعدات العسكرية إلى حليفتنا إسرائيل في إطار ذات المبادئ التوجيهية لحلف شمال الأطلسي، واتحادنا قائم على مصالح وقيم مشتركة. وهؤلاء الذين يهددون إسرائيل يهددوننا».
ومهما تفعل إسرائيل بالفلسطينيين، سواء في غزة أو في الضفة أو أي مكان آخر تُطاله أيديهم ومن وراء جدر الدول الأخرى، فإن الموقف الأميركي دائماً مع إسرائيل على طول الخط، وهذا ما وقع حقاً في الأزمة المتفاقمة اليوم في غزة، حيث باركت أميركا أفعال إسرائيل بلا أدنى تحفظ بزعم حق الدفاع عن نفسها.