عشية انتهاء الفصل التشريعي الخامس عشر للمجلس الوطني الاتحادي الذي بدأ في 15 نوفمبر 2011، واقتراب الموسم الانتخابي للفصل السادس عشر نشر المجلس إحصاءات متوالية طوال أدوار انعقاده تضمنت حصاد أعماله في تلك السنوات. فماذا فعل المجلس الوطني الاتحادي الذي جاء انتخابه بعد عريضة الثالث من مارس 2011 وفي ذروة الربيع العربي، وما هي صلاحياته التشريعية والرقابية في المجالات المختلفة؟ وماذا تمخض عن أهم جلساته السرية؟ ولماذا كان أحد آخر أعماله تعديل الإجراءات القانونية المتبعة في تعديل الدستور الإماراتي؟
المجلس الوطني الاتحادي
يعتبر المجلس الوطني الاتحادي هو السلطة التشريعية في دولة الإمارات، وهو السلطة الرابعة في النظام السياسي للدولة، بعد سلطة كل من: المجلس الأعلى للاتحاد، و رئيس الاتحاد ونائبه، و حكومة الاتحاد، وفق المادة (45) من الدستور الإماراتي. وفي عام 2006 شهدت الإمارات أول انتخابات لنصف أعضاء المجلس الأربعين، ضمن ترتيبات انتخابية تسمح بانتخاب 20 عضوا من جانب جمعية انتخابية منتقاة مسبقا من جانب حاكم كل إمارة، بحيث يحق لهذه لمن شملهم الانتقاء الترشح والانتخاب فقط. وبلغ عدد من يحق لهم الترشح والانتخاب نحو 7 آلاف إماراتي من أصل 300 ألف اجتازوا السن القانوني. أما في انتخابات 2011 فإن التطور الوحيد الذي طرأ على المجلس هو زيادة أعضاء الجمعية الانتخابية.
صلاحيات المجلس
حدد الدستور الإماراتي اختصاصات وصلاحيات المجلس الوطني، والتي تخلو من صلاحيات رقابية وتشريعية معتبرة حسب السلطات التشريعية في الدول الحديثة، كما يؤكد مراقبون. فالمجلس يمكنه أن يناقش القوانين الاتحادية "التي تعرض عليه". كما أتاح الدستور للمجلس "النظر" في قانون الميزانية العامة، دون أن يحدد طبيعة هذا "النظر" إن كان على سبيل الاطلاع أو المناقشة، مثلا. كما قيد الدستور المجلس الوطني من مناقشة الاتفاقيات الدولية، فنصت المادة (91): "تتولى الحكومة إبلاغ المجلس بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية مشفوعة بما يناسبها من بيان". وحسب المادة (92) :" للمجلس أن يناقش أي موضوع من الموضوعات العامة المتعلقة بالاتحاد إلا إذا أبلغ مجلس الوزراء المجلس الوطني بأن مناقشة ذلك الموضوع مخالفة لمصالح الاتحاد".
عريضة الثالث من مارس
ظل المجلس الوطني مدار مطالبات الإماراتيين بتطوير صلاحياته وتجربته ليكون أقرب ما يكون لسلطة تشريعية رقابية. ومرت تجربة المجلس بإرهاصات ومطالبات وطنية وسياسية عديدة كانت تدفع باتجاه تطوير هذه التجربة. وفي الثالث من مارس 2011 تداعى مثقفون وناشطون إماراتيون برفع عريضة لرئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد تطالب بتوسيع قاعدة الترشح والانتخاب بدون قيود، وتوسيع صلاحيات هذا المجلس.
وقد أجريت انتخابات هذا الفصل الخامس عشر بعد هذه العريضة وفي ذروة الربيع العربي، دون أن يتم استثمار هذين الحدثين التاريخيين في الاستجابة لمطالب الشعب الإماراتي. لذلك فقد اعتبر مراقبون أن هذه الانتخابات ونتائجها لا تعبر "عن صورة نقية من صور ممارسة الديمقراطية وحرية الاختيار والمشاركة السياسية".
ويشير مراقبون إلى أن إحدى مفارقات هذا المجلس، هو تعرض الناشطين المطالبين بتطوير صلاحيات واختصاصات المجلس للمحاسبة والاعتقال وفق ما تؤكده منظمات حقوق الإنسان وهي تشير إلى قضية "94"، دون أن يكون لأعضاء المجلس قدرة على مناقشة قضية اعتقال من طالبوا بمنحهم حقوقهم الفعلية في الرقابة والتشريع.
كشف حساب المجلس
أعلن المجلس الوطني الاتحادي أنه تبنى "49" توصية خلال مناقشة "236" سؤالاً، وجهها أعضاء المجلس إلى ممثلي الحكومة، على مدى "60" جلسة، خلال الفصل التشريعي الخامس عشر .
وأشار المجلس إلى أبرز القضايا التي تعامل معها، دون أن يشير في أي اتجاه كان هذا التعامل، إن كان اقتراحا أو تعديلا أو رفضا، ومنها: التوطين والإسكان والمعاشات والضمان الاجتماعي والصحة والتعليم، والآثار والمتاحف والسياحة، والقروض.
وبينت إحصائية المجلس، أن الزمن الذي استغرقته الأسئلة وجهها لأعضاء الحكومة، هو"65" ساعة من مجموع زمن الجلسات البالغ "320" ساعة. و تصدرت القضايا الاجتماعية الموضوعات التي تناولتها الأسئلة بنسبة بلغت 67%، تلتها القضايا الاقتصادية بنسبة 55٪، والقضايا الصحية 36٪، وقضايا التوطين والمعاشات والإسكان والقروض بنسبة 32%، والقضايا التعليمية بنسبة 28%، والقضايا البيئية والخدمة والبنية التحتية والسياسية والأمنية بنسبة 21%، والقضايا الثقافية والرياضية والسياحية والمرأة وغيرها 20%.
القوانين والجلسات السرية
رغم أن صلاحيات المجلس الوطني محدودة، إلا أن المجلس مرر العديد من القوانين التي تركت أثرا كبيرا على الشعب الإماراتي وذلك من خلال مناقشتها في جلسات سرية كلما تعلق الأمر بتشريع مصيري. فقانون التجنيد الإجباري تم تمريره بجلسات سرية. تعديل قانون السلطة القضائية مُرر أيضا بذات الطريقة. ووفقا لمصدر تحدث لصحيفة البيان المحلية، "فإن أهم التعديلات على قانون السلطة القضائية، هو ترؤس رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، المجلس الأعلى للقضاء، بدلا من وزير العدل الذي كان يترأس المجلس الأعلى للقضاء وفقا للقانون السابق".
مناقشة مشاركة القوات المسلحة الإماراتية في عاصفة الحزم، "عُرضت" في أروقة المجلس الوطني بسرية أيضا. وكان أحدث تعديل قانوني أقره المجلس، هو استحداث مادة جديدة تتعلق بالتعديلات الدستورية، لمراعاة تعديلات دستورية قادمة، دون الكشف عن ماهية هذه التعديلات.
ثقل كمي وتثاقل نوعي
إنجازات المجلس الوطنية الكمية المعلنة تشير إلى عمل دؤوب أداه المجلس في الفترة الماضية، ولكن الإنتاج النوعي غير واضح على الأقل، في ظل تقييد الدستور اختصاصات المجلس وصلاحياته وبما تؤكده الإحصائية السابقة والتي تشير إلى انخفاض مناقشة المجلس للقضايا السياسية والأمنية أو القضايا التي تلامس اهتمامات الإماراتيين.
وقد لوحظ في التقارير الإخبارية التي تغطي أنشطة أعضاء المجلس وتنشرها الصحف الإماراتية الرسمية المحلية استخدام واسع لكلمة، "طالب- يطالب" المجلس الوطني الاتحادي تفعيل أو تطوير هذا الجانب أو ذاك في مسألة اجتماعية أو اقتصادية. ويغيب عن المجلس الوطني وعن الإعلام المحلي والقيود الدستورية عليه، أن المجالس التشريعية "لا تطالب"، وإنما تقترح القوانين وتسن التشريعات وتعدلها وترفضها، وتراقب وتحاسب وتستجوب الوزراء والمؤسسات التنفيذية الأخرى وتمنح الحكومة الثقة أو تنزعها.
وفي استطلاع سابق لصحيفة الاتحاد، أفاد "إن توظيف الشباب وتعزيز التوطين وتطوير قطاعي الصحة والتعليم وتوفير البرامج والخطط اللازمة لإنجاح التحول إلى الحكومة الذكية، والمزيد من الإفصاح والشفافية"، هي "مطالب" لدى أعضاء المجلس الوطني المشاركين في ذلك الاستطلاع.
فهل يدرك المجس الوطني أن جميع القضايا التي "طالب" بتطويرها إنما من حقه وواجبه إيجاد حلول لها من خلال سن التشريعات والقوانين الملزمة. والمجلس الوطني هو صاحب السلطة الفعلية في الاستجواب من أجل تحقيق الشفافية والإفصاح والتعرف على أسباب القصور والإخفاق، لا أن يطالب "بالإفصاح والشفافية" من جهات حكومية من المفترض أن تذعن لسلطاته وصلاحياته.