بعد رحلة طويلة من الكتابة والكلمات وردود الأفعال والأفكار اكتشفت أن الذي يكتب فكرته لمرة واحدة في مقالة أو عمود صحفي حقيقي موجه للناس، سرعان ما يعود ليقرأها آلاف المرات في عقول غيره وعلى ألسنتهم وردود أفعالهم، ولكن ليست تلك الفكرة البسيطة أو المحددة بثلاثمئة وخمسين كلمة - فتلك الفكرة قد تحولت إلى ماكينة تعمل بقوة التجاوب والتأثير، توالدت في عقول الكثيرين وولدت معاني مختلفة ودلالات كثيرة واحالات لم تخطر على بال كاتبها- ربما - وهو يكتبها، قد تكون المعاني والأفكار التي قرأها البعض إيجابية وبناءة، وقد تكون العكس ذلك يعتمد على ثقافة المتلقي واستعداده! ففي الوقت الذي يتذكر هو أنه كتب يتمنى أن يتم إصلاح أمر الخدمة الصحية مثلاً حباً لمجتمعه، وتقديراً لجهود حكومته وقيادته، يكتشف بأن أحدهم قد بنى فهما معكوساً لكتابته ينضح بما في داخل القارئ لا بما يحتويه المقال !!
وعليه، فنحن نقرأ مرة أخرى ما نكتب من خلال فهم القراء، ليس كل القراء يقرأون بحكمة وتقدير وتفهم وليس كلهم يقرأون بسوء نية، لكن الشريحتين موجودتين دائما، أحد القراء من فصيلة سيئي النية كان كلما كتب أحد كتاب الأعمدة مقالا حول مسألة أو فكرة معينة أحالها على نفسه، فإذا كتب عن الفساد الإداري قال بأنه يقصدني وإذا كتب عن التعسف قال إنه يقصد مؤسستي، ولاشك أن احد الموظفين لدي ممن لم يحصلوا على ترقية تواصل معه.. وهكذا !!هؤلاء القراء لا فائدة من الدخول معهم في جدل أو حوار لأن النتيجة مهما طال الحوار ستكون صفراً للطرفين، فلا أنت بقادر على اقناعهم ولا هم يريدون أصلاً أن يقتنعوا، بعضهم يجادلون حباً في الجدل، يهاجمون الكاتب لا ليصلوا الى نتيجة ولكن لأن لا عمل لديهم في الحياة سوى الاستعراض والمزايدة ! فهم الفاهمون والمثقفون والوطنيون والعقلاء وال... والآخرون خونة وعلمانيون و....
ثم نسأل من جاء بداعش، وكيف خرجت داعش؟ انتبهوا أيها القراء هذا لا يعني أننا ضد الاختلاف وتباين وجهات النظر، فهذا حق مشروع ومكفول للجميع، لكن الاختلاف شيء وتحليل دم الكتابة وتحميل الكلام أكثر مما يحتمل وصولاً لغايات محددة شيء آخر تماماً !!
إن الاختلاف إذا كانت له فائدة فهو انه يعلمك احتمال الآخرين وليس الاستماع إليهم فقط أو احترام ما يقولون، فهناك مما يقال لا يستحق الانصات أو الرد، لكنه يعلمك فضيلة الاحتمال وكبح رذيلة الغضب في داخلك.