فيديو آخر يتسرب لمنظر مؤلم لعدد من «الورعان»، يعتدون على مدرّس لهم، وتبريرات أخرى، كما اعتدنا، تتناول الأمر بأنه «خطأ من الطرفين»، حين يتم استخدام مصطلح «خطأ من الطرفين» في حالات كهذه، فهو أشبه بقضية تسمع فيها بأن ابناً صفع والده، لأن والده قام بصفعه، فهل يتساوى الفعل مع ردّ الفعل، إلى أين سنصل؟
كلما تسرب مقطع، والحمد لله فالتسريبات أكثر من أن تحصى في هذه الأيام، يبدو أن «الهوز» مثقوب، إذا كان المدرّس فيه يقسو على طلبة ويضربهم، فإن المجتمع كله يضج، ويطالب بإيقاف هذه الوحشية والهمجية، أما في حال كون المدرّس «الذي لا بواكي له» هو المضروب، فإن التبريرات تبدأ، لم نرَ ما الذي حصل! أكيد أن المدرّس أخطأ أولاً! الشباب لا يخطئون إلا إذا استفزهم أحد! تتذكر «الأفيشات» العبقرية لأشهر من مثل دور الأم على الشاشة العربية (كريمة مختار)، وهي تقول: «أنا ابني ما بيعملش كده أبدا!»، جميعنا كنا شباباً ومراهقين، لم نصل إلى مرحلتنا العمرية هذه بالانقسام الثنائي للخلية أو بقفزة زمنية من عالم حرب النجوم، وكلنا يعرف ما الذي كنا نفعله بالمدرّسين، كراتين البيض، «البوية»، التراب فوق المراوح، التصفير في الفصل، تبديل الكتب، وضع الغراء على الكرسي، وبالطبع المفضلة لدي، قول كلمة «لالا» بصوت متغنج أثناء قيام المدرّس بشرح معلقة طرفة بن العبد بصوته الصدامي:
فما لي أراني وابن عمي «لا لا» مالكاً، متى «لالا» أدنُ منه ينأَ عني و«لالا» يبعد..
يلوم ولا «لالا» أدري علامَ يلومني، كما لامني «لالا» في الحيّ قرط ابن معبد..
«لالا هاي تقولها يم أبوك يا ساقط يا ناقص، لو «إزلمه» قولها قدامي!»،
رحمه الله، لم يكن ينقصه سوى الزيّ الخاص بالحرس الجمهوري، وأن يجبرنا على ترديد «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة».
جميعنا نعرف ما يحدث في المدارس وإبداعات الطلبة بالاستفزاز، لذا فالانتقاص من هيبة المعلم، وتحويل «قُم للمعلم وفه التبجيلا» إلى مادة للتندر فيها من الإجحاف الكثير بحق المدرسين، الذين يعانون الأمرّين، المرُّ الأول هو ما جعلناهم يعانونه بسبب تلك المرحلة العمرية، ما أدى إلى وصول أخبارهم لنا في السنين التالية، بهجرة بعضهم إلى كندا، وانكفاء بعضهم على أنفسهم بسبب الكآبة، ووفاة العديد منهم بسبب أمراض الضغط والقلب، رحمهم الله رحمة واسعة، والحمد لله لا توجد إلى الآن أخبار عن رصاصة في الرأس. لكنني أحسب أن جيلنا لم يصل إلى مرحلة عدم الاحترام، كان هناك دائماً ذلك الخط الأحمر، الذي لم يتم تجاوزه، الذي تعبر عنه القبلة على الرأس، عندما يتجاوز المراهق مرحلة مراهقته، ويكتمل عقله.
إن لم نقف بجوار المدرّسين في خلافهم مع الطلبة، فنحن نقف مع الطفل الذي ردّ الصفعة لوالده!
المهم جمعية المعلمين شخبارها؟! لسه دورات تقوية علوم ورياضيات وبس؟!