بعد مرور سنة على إعلان تنظيم «داعش» ما سماه «الخلافة» في 29 يونيو 2014 إثر احتلاله للموصل، ثاني أكبر مدن العراق، وإعلانه عن تنصيب المدعو أبوبكر البغدادي «أميراً للمسلمين»، وتمدده من الرقة في شرق سوريا إلى ديالى في شرق العراق على الحدود المتاخمة لإيران، قام التنظيم بعمليات دموية جعلته أكثر خطورة في عنفه وإرهابه من بقية التنظيمات المتطرفة الأخرى. وقد تجاوز «داعش» تنظيم «القاعدة» الأم في البطش والوحشية والتوسع وتجنيد الأتباع من داخل الدول العربية والإسلامية. وسجل اختراقاً حيث فشلت «القاعدة» في التمدد وتجنيد الشباب العربي والغربي في أوروبا وأميركا.
وبعد عام من الحرب بقيادة الولايات المتحدة وستين دولة على «داعش» في العراق وسوريا، وعلى رغم إبطاء التقدم والإرباك، إلا أن الواقع أن التنظيم تمدد وتوسع خطره من أفغانستان إلى نيجيريا. واليوم تخوض مصر حرباً حقيقية ضد الإرهاب في سيناء. ويهدد «داعش» أيضاً بتفجير حرب مذهبية في بعض دول الخليج.
والملفت أن الأغلبية العظمى من ضحايا «داعش» هم من المسلمين السنة. ولم يشن التنظيم أي عملية ضد إسرائيل، أو إيران أو تركيا. ولا يرى أن تحرير الأراضي المحتلة واقتلاع الاحتلال أولوية.. وغير الواضح هو أن هذا التنظيم على رغم عدم امتلاكه لقدرات تصنيع الرصاص، ولا سلاح طيران ولا مضادات للطائرات.. ومع ذلك يلحق هزائم بجيوش دول عربية كبرى. ويحتل نصف سوريا وثلث العراق! ويقاتل خمسة جيوش عربية معاً من العراق إلى مصر، إضافة إلى منظمات ومليشيات من «جبهة النصرة» والبشمركة والحرس الثوري و«الحشد الشعبي» و«حزب الله». ويصعد أيضاً ويهدد باقتلاع «حماس» من قطاع غزة!
ومع مطلع شهر رمضان حث المدعو أبو محمد العدناني، الناطق الرسمي لتنظيم «داعش»، في رسالة صوتية مطالباً تحويل شهر الصيام إلى «شهر وبال على الكافرين» والشيعة «والمرتدين من المسلمين»! داعياً لمزيد من الهجمات في العراق وسوريا وليبيا.
وقد تُرجم ذلك في ثاني يوم جمعة من رمضان بشن عمليات إرهابية متزامنة في الكويت وتونس وفرنسا وسوريا (كوباني).. ولاحقاً في سيناء واليمن. وقد اختلفت أهداف «داعش» في كل عملية. فضرب مساجد الشيعة في السعودية والكويت يهدف لزرع الفتنة.. وفي دول كمصر وتونس يهدف لضرب وإضعاف الأنظمة وإحداث الفوضى وسد مصادر الرزق وإفشال الدول. وفي لبنان يحاول أن يظهر كمدافع عن الطائفة السنية! وفي سوريا يبدو «داعش» أقرب إلى الاصطفاف مع النظام واستهداف المعارضة السورية المسلحة في وسط وشمال البلاد. وتهدف استراتيجية التنظيم في أفغانستان واليمن، كما هو واضح، لضرب وإضعاف تنظيم «القاعدة» الأم. وهذا المخطط بأبعاده التوسعية يهدف لجعل «داعش» رأس الحربة الرئيسية للتنظيمات «الجهادية»!
ويبقى «داعش» في الحقيقة لغزاً لم تفك طلاسمه بعد! كما لم يقدم تحالف الستين دولة بعد حوالي عام من الحرب عليه وصفة علاج وخريطة طريق لهزيمة هذا التنظيم بشكل مقنع وواقعي!
وفي المجمل، بات ملحاً في الذكرى السنوية الأولى لإعلان «داعش» لـ«خلافته» المزعومة، إعادة النظر كلياً في أسباب فشل الاستراتيجية التي سمحت له بالتمدد والتوسع والضرب في أكثر من مكان لتحقيق مشروعه الدموي،، لأن خطر «داعش» بات إقليمياً وعالمياً، ويهدد أمن واستقرار الدول والمجتمعات. وتتطلب الاستراتيجية عملاً جماعياً وتنسيقاً وتعاوناً أمنياً وعسكرياً وفكرياً لمواجهة الإرهاب والفكر المتطرف بخيارات لا تقتصر على الخيار الأمني وحده، بل لا بد من مزيج من الجهد الأمني والفكري معاً. لأن فكر «داعش» المتطرف المنحرف ترفضه وتلفظه أغلبية المسلمين.
وهذه الاستراتيجية تتطلب جهداً وتصدياً جماعياً. وكانت خطوة موفقة اجتماع وزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت بعد مرور أسبوع على تفجير «داعش» لمسجد الإمام الصادق، الذي ذهب ضحيته 27 مصلياً، في عمل يستدرج الفتنة الطائفية. وقد أكد بيان وزراء داخلية مجلس التعاون على «أهمية التنسيق والتعاون للتصدي لآفة الإرهاب الخطيرة». وأن «أمن دول الخليج لا يتجزأ، وستبقى دول الخليج عصية على الإرهابيين المجرمين». وأنه «لا علاقة لأعمال الإرهابيين بالدين الإسلامي الحنيف وقيمه السمحاء». والحال أن تماسك المجتمعات ووحدة صفها، كما رأينا في الكويت، وفي الموقف الخليجي، يجب أن تكون هي الرد والترياق ضمن استراتيجية متكاملة لهزيمة ووأد التطرف والإرهاب والفتنة، وتقديم صورة الإسلام السمحاء أمام العالم.