لو كان يعلم معارضو السيسي أن زيارته إلى لندن التي عول عليها هو وحلفاؤه سوف تكون على النحو الذي سيتكشف بعد قليل، لدفعوا باتجاه إتمام هذه الزيارة ولما عارضوها أو نظموا تظاهرات التنديد بها، ولاكتفوا بالمشاهدة من المقاعد الخلفية. فماذا واجه السيسي في زيارته، وكيف تعامل معه "كاميرون" وكيف أحرجه، وماذا كان دور داعش في تحول السيسي من التحريض على الإسلام الوسطي إلى الدفاع عن أجهزته الأمنية والتراجع عن التخويف بخطر الإرهاب؟ وكيف تحولت زيارة لندن إلى فشل سياسي بعد مراهنات السيسي وحلفاؤه عليها طويلا؟
سياق الزيارة
جاءت زيارة السيسي إلى لندن في إطار السعي لدفع بريطانيا للانخراط بصورة أكبر بمحاربة الإرهاب وتخويف حكومة كاميرون من تفشيه وخطورة المتطرفين، وبعد أيام قليلة من سقوط الطائرة الروسية في سيناء وتبني داعش لإسقاطها، وفي سياق اعتراضات بريطانية متصاعدة لهذه الزيارة ما دفع السيسي لإطلاق بعض التصريحات "التصالحية" حول الإخوان لعلها تخفف من الاحتجاجات المتوقعة.
قنابل كاميرون
على نحو مفاجئ، ومنذ أن بدأت زيارة السيسي إلى لندن فجرت حكومة كاميرون عددا من القنابل الدبلوماسية والأمنية التي لا تقل إيلاما عن تفجيرات داعش. فقد أعلنت لندن توقف رحلات الطيران إلى شرم الشيخ، أعقبه قرار إجلاء نحو 20 ألف سائح بريطاني من سيناء، وسددت الضربة القوية لسمعة السيسي الأمنية التي يسعها من وراءها "لقيادة" جهود مكافحة الإرهاب إقليميا على الأقل، وذلك بإعلان كاميرون نفسه عن أن داعش هو من أسقط الطائرة في سيناء مع تشكيك بالإجراءات الأمنية المصرية، بل وحدد كاميرون أن الطائرة تم إسقاطها بقنبلة تمت زراعتها بالطائرة، قبل أن تكتمل الرواية المخابراتية البريطانية لسقوط الطائرة بإعلانها أن أحد العمال في حمل الحقائب هو الذي وضع القنبلة في حقيبة أحد المسافرين.
دفاعات السيسي
هذه التصريحات البريطانية كانت كفيلة بإفشال الزيارة، خاصة أن السيسي تحول فيها إلى الدفاع مستوى الأمن في مصر، وتكريم مدير مطار شرم الشيخ كمحاولة لنفي المسؤولية عن المطار أو نفي الفشل الأمني، ولكن بدون جدوى. وتدخل بوتين ليساند الرواية المصرية في نفي سقوط الطائرة كنتيجة عمل إرهابي وذلك باتصاله بكاميرون.
كيف فضح داعش "السيسي"
قالت "صحيفة القدس العربي" في افتتاحيتها اليوم الجمعة، "روسيا ومصر بالذات، ملآ وسائل الإعلام العربية والدولية صياحاً حول مخاطر الإرهاب العالمي، وأن يد التنظيم الطائلة تصل إلى كل مكان، بما فيها حدود روسيا وداخلها، .. ولكنّ فجأة، ومع سقوط الطائرة، حلّت الحكمة والهدوء والالتزام بإجراءات التحقيق الطويلة على سلطات البلدين، بدل عادتهما في المسارعة إلى الاتهام والانتقام".
ورأت الصحيفة أن سبب "حكمة" القاهرة، كونها معنية بالمحافظة على السياحة، كما لا تريد تحمّل مسؤولية قانونية أمام شركة الطيران الروسية لو تأكد سيناريو العمل الإرهابي في أراضيها، وهو أمر يتناقض جذرياً مع تسويقها للعالم لقدرتها على لعب دور كبير في محاربة الإرهاب، لا في مصر وحدها، بل في ليبيا والمنطقة العربية ككل".
الإعلام البريطاني يتجاهل زيارة السيسي
الإعلام البريطاني تجاهل زيارة السيسي مقارنة بتغطية تفجير الطائرة والمعلومات التي تم ضخها بصورة كبيرة مع بدء زيارة السيسي إلى لندن. فركزت "الغارديان" على تصريحات كاميرون خلال المؤتمر الصحفي مع السيسي، التي دافع فيها عن قرار الحكومة إجلاء قرابة 20 ألف سائح عبر طائرات بريطانية بدءاً من اليوم الجمعة.
من جانبها نشرت صحيفة "الإندبندت" مقالاً للصحفي مات داثان بعنوان "شبح السويس يطارد زيارة السيسي للندن"، قال فيه، "قرار الحكومة البريطانية وقف الرحلات الجوية إلى مطار شرم الشيخ و قرار إجلاء 20 ألف سائح بريطاني هو قرار يحمل الإهانة لأي دولة في أي وقت".
من جهة أخرى أبدت "صحيفة الديلي ميل" دهشتها من الابتسامة المتبادلة بين السيسي وكاميرون خلال اجتماعهما المشترك. الصحيفة تساءلت عن الدافع وراء هذه الابتسامة في الوقت الذي يوجد فيه خلاف واضح بين الرجلين على خلفية التحقيقات بشأن وجود قنبلة على متن الطائرة الروسية.
إعلاميو السيسي يذوقون الإهانة
هاجم أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام، الحكومة بريطانية، لاستباقها التحقيقات وتعزيزها سيناريو سقوط الطائرة الروسية بقنبلة زرعها الإرهابيون، وقرارها تعليق رحلاتها لشرم الشيخ، وقال "ما فعلته (حكومة كاميرون) مستوى رخيص وسمج من الجلافة السياسية ادخرتها لوقت زيارة السيسي".
وأضاف، "حاول المصريون نسيان التاريج اللصوصي والإجرامي لبريطانيا التي احتلت ونهبت مصر وأعملت اعتقالا وتعذيبا وتقتيلا في أبناء شعبها لمدة 72 سنة".
وزاد النجار قائلا، ما يدعو لندن للثقة بسقوط الطائرة في عمل إرهابي، "أنها تكون قد علمت وتواطأت مع الإرهابيين باعتبارها مأوى لكل أنواع الإرهابيين. بريطانيا لا تستحق استمرار الرئيس المصري في زيارتها".
وكان من بين الملفات المهمة التي قال وزير خارجية مصر سامح شكري، معلومات استخبارية من المخابرات المصرية حول "إرهاب الإخوان ضد البريطانيين" في إشارة إلى فترة الاحتلال الانجليزي لمصر، والذي ندد به النجار وانتقد لندن بسببها بقسوة.
أما الإعلامي خيري رمضان، المؤيد للسيسي، فقد وصف قرار كاميرون، بإلغاء الرحلات من وإلى شرم الشيخ، بالمتسرع.
وأعرب "رمضان" عن استغرابه من توقيت اتخاذ كاميرون لهذا القرار، والذي يتزامن مع زيارة السيسي قائلًا: "التوقيت غريب جدًا". وقال «"آداب التعامل السياسي كانت تقتضي ألا يعلن كاميرون عن إلغاء الرحلات من وإلى شرم الشيخ إلا بعد مغادرة الرئيس للندن".
وأضاف أن "علامات الغضب ظهرت على وجه السيسي خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع كاميرون"، متابعًا: "هناك رسالة وصلت إلى الرئيس ولم تعجبه".
من جهة أخرى، رأى خبراء مصريون، أنّ القرارات البريطانية تعكس فقدان الثقة في قدرات النظام في مصر على إدارة الدولة وضبط الأمن في البلاد، مؤكدين أن "إعلان القرار خلال زيارة السيسي، يحمل رسائل سلبية عن الثقة البريطانية في إدارة الرجل للبلاد، ما يُعتبر موقفاً محرجاً للغاية له".