بدأ الشيخ محمد بن زايد زيارة رسمية إلى الصين اليوم يلتقي خلالها كبار المسؤولين الصينيين. وتأتي زيارة المسؤول في أبوظبي لجمهورية الصين في وقت شديد الحساسية ودقة الظرف الذي تمر به المنطقة الخليجية والعربية وحتى العالمية نظرا لخروج أزمات المنطقة العربية عن السيطرة والسعي نحو تدويلها كما جرى في سوريا حيث استدعى نظام الأسد التدخل الإيراني بداية أعقبه مؤخرا تأييد نظام السيسي وأبوظبي والأردن لبدء التدخل الروسي في سوريا بعد عام على التحالف الدولي ضد "الإرهاب" في سوريا والعراق، فضلا عن بوادر لتدويل الأزمة في ليبيا، ومؤشرات بإمكانية تدويل أزمة اليمن.
هناك أطراف محددة يشار لها بالبنان أنها من تسعى لاستقدام التدخل الدولي سعيا منها للحد من نفوذ الرياض وأنقرة في بذل أي جهد إقليمي يحافظ على ما تبقى من استقرار، كما تسعى أطراف أخرى لتدويل أزمات المنطقة للحد من النفوذ الإيراني والإسرائيلي في ملفات عديدة، ولكن يلاحظ أن جلب أطراف جديدة للتدخل في المنطقة كان دائما يعود على أمن المنطقة واستقرارها بالسلب وتعقد الأزمات وغياب الحلول المحتملة وسط تشابك مصالح القوى الدولية التي لا تتدخل هنا أو هناك بلا أثمان سياسية واقتصادية وأمنية يدفع ثمنها أولا وأخيرا المواطن الخليجي والعربي.
في هذا السياق، يصر محللون على قراءة زيارة المسؤول في أبوظبي للصين في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة من تاريخ المنطقة.
ماذا تريد أبوظبي من الصين
بعد زيارة محمد بن زايد عدة مرات موسكو هذه السنة وما أعقب بعضها من شن روسيا عدوانا موسعا على الشعب السوري وفشل هذا العدوان من حسم أمره حتى الآن، ولا تلوح له حظوظ في المستقبل أيضا، حسب ما يقرأ خبراء عسكريون مسار العمليات العسكرية في سوريا، وبعد زيارة مثيرة للجدل والرفض الشعبي الإماراتي لرئيس وزراء الهند "مودي" لأبوظبي الصيف الماضي تأتي هذه الزيارة للصين والتي تتجاوز كثيرا المصالح الاقتصادية.
وزير الخارجية عبدالله بن زايد حدد بالفعل ماذا تريد أبوظبي من الصين، وذلك في مقال له نشرته صحيفة الاتحاد المحلية قالت إن وزير الخارجية نشره بصحيفتين صينيتيين.
عبد الله بن زايد كان شديد الاختصار ووصل لما تريده أبوظبي من بكين، قائلا، "ونتطلع في دولة الإمارات العربية إلى الاستفادة من هذه الزيارة كفرصة للوقوف على كل الإمكانيات المتوفرة في علاقاتنا الوطيدة مع جمهورية الصين الشعبية..".
وتابع، "كما نسعى لضمان أن تسير علاقاتنا الثنائية نحو اتجاه استراتيجي، وأن تكون قائمة على المرتكزات الأساسية المتمثلة في التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي."
ولذلك - يقول وزير الخارجية- "فإن دولة الإمارات العربية تأمل أن تقوم خلال الأيام المقبلة بتعزيز تعاونها مع جمهورية الصين، بحيث لا يقتصر هذا التعاون الثنائي فقط على العلاقات الاقتصادية، بل يتعداه إلى المبادرات الإقليمية الواسعة ".
وأعرب عن أمله، "ستوفر هذه الزيارة أيضاً فرصة غير مسبوقة للعمل معاً على حوار سياسي فاعل وبناء.."، مضيفا، " ونأمل أن نصل معا إلى منهجيات استراتيجية ودبلوماسية مشتركة إزاء القضايا التي تتطلب تفكيراً جديداً وأفكاراً منفتحة وريادة عالمية مثل مواجهة الإرهاب والتغلب على الاضطرابات السياسية التي تعتري المنطقة".
هل للصين موطئ قدم في المنطقة
وإزاء توقعات أبوظبي من الزيارة إلى الصين، يتساءل إماراتيون إن كانت المنطقة تحتمل تزاحم أقدام "عساكر" دول أخرى غير القواعد العسكرية الموجودة بالفعل في المنطقة بدءا من القواعد الفرنسية والبريطانية والأمريكية والروسية وغيرها من قواعد عسكرية لا تزال تزحف لهذه المنطقة الخليجية والعربية.
وماذا سوف تقدم الصين جديدا للمنطقة، بعد فشل جميع الدول الغربية في توفير أدنى متطلبات الأمن والاستقرار. أليس التدخلات الخارجية هي ما يشجع على ظهور جماعات العنف حيث تتحول هذه التدخلات إلى قيود على سيادة دول المنطقة واستقلالها؟ ماذا يمكن أن تقدم دولة مثل الصين لمحاربة الإرهاب؟ يمكن للصين أن تكون شريكا اقتصاديا أكثر أهمية للمنطقة من كونها شريكا أمنيا وعسكريا، فالصين صاحبة اقتصاد عملاق يعود بالنفع على عموم المنطقة وهذا ما يجب أن تتجه له العلاقات الخليجية، إذ يخشى خليجيون أن لجوء بعض دول الخليج لتعزيز علاقاتها مع دول العالم على حساب إشعال صراع سياسي جديد لا تكون فيه المنطقة إلا "غنيمة" لهذه الأطراف، خاصة في أعقاب الاستقطاب الحاد الذي يتأصل في المنطقة ولا سيما بعد مؤتمر المعارضة السورية في الرياض وبعد العدوان الروسي على سوريا.
وكما سبق أن أشار آخرون لزيارة محمد بن زايد في سياق التنافس بين مشروع (القاهرة- أبوظبي- موسكو) ومشروع (الرياض - أنقرة - الدوحة)، فإن محللين يخشون أيضا أن تتحول المنطقة ورقة بيد الصين لتقوية موقفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة نظرا للصراع الدائب بينهما، وهو صراع لن يحقق منه الإماراتيون والعرب إلا أن يكونوا ورقة يضحي بها الطرفان عند أول صفقة بينهما.