أحدث الأخبار
  • 01:10 . كيف تحافظ أبوظبي على قربها من الولايات المتحدة بينما تتحاشى مواجهتها؟... المزيد
  • 12:50 . جيش الاحتلال يشن غارات عنيفة وينسف مباني سكنية بأنحاء متفرقة من غزة... المزيد
  • 12:46 . قتلى في تبادل لإطلاق النار على الحدود الأفغانية الباكستانية ليل الجمعة... المزيد
  • 12:40 . بينها الإمارات.. دول عربية وإسلامية ترفض حديث "إسرائيل" بشأن معبر رفح... المزيد
  • 12:20 . نيويورك تايمز: سيطرة الانتقالي على حضرموت تكشف مساعي أبوظبي لبناء هلال بحري على ساحل اليمن... المزيد
  • 11:51 . السعودية تطالب قوات تدعمها أبوظبي بالخروج من حضرموت بعد السيطرة عليها... المزيد
  • 01:26 . "التوطين": أكثر من 12 ألف بلاغ عمالي سري خلال تسعة أشهر... المزيد
  • 08:05 . حلف قبائل حضرموت يحمّل أبوظبي "المسؤولية الكاملة" عن التصعيد واجتياح المحافظة... المزيد
  • 08:05 . بعد مقتل أبو شباب.. داخلية غزة تدعو المرتبطين بالاحتلال لتسليم أنفسهم... المزيد
  • 12:46 . سائح بريطاني يعبّر عن دهشته من تزايد أعداد الإسرائيليين في دبي (فيديو)... المزيد
  • 12:45 . إيران تردّ على بيان قمة مجلس التعاون الخليجي بشأن الجزر الإمارتية الثلاث... المزيد
  • 12:43 . السودان: 15 قتيلاً في هجمات للجيش و"الدعم السريع" في كردفان... المزيد
  • 11:07 . "الإمارات الصحية" تطوّر خدمات فحص اللياقة الطبية لتأشيرات الإقامة... المزيد
  • 11:06 . جيش الاحتلال يشن قصفاً مدفعياً على مناطق شرقي غزة وخان يونس... المزيد
  • 09:36 . قناة بريطانية تدفع تعويضات كبيرة نتيجة بثها ادعاءً كاذبا لـ"أمجد طه" حول منظمة الإغاثة الإسلامية... المزيد
  • 06:39 . معركة النفوذ في حضرموت.. سباق محتدم بين أبوظبي والرياض... المزيد

محنة العقل مع التراث الإسلامي

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 27-01-2017

عندما يشاهد الإنسان على شاشات محطات التلفزيون العربية الدينية متحدثين ينشرون الفهم الخرافي والفتاوى المتزمتة للدين الإسلامي ويقحمون الدين بصور مضحكة طفولية في مواضيع من مثل التاريخ والعلوم، فإنه يدرك مقدار تشويه روح ذلك الدين من جهة ومقدار بلادات فصله كليا عن أحكام العقل ومتطلبات المنطق.
أحد المتحدثين يدعى بأن زيارة قبر أحد أئمَة مذهبه تساوي مليوني حجة، نعم مليوني حجة، وآخر يدعي بأن هتلر تلا آية قرآنية في خطبة له، وثالث يؤكد على أن كل الاكتشافات العلمية والطبية موجودة في قرآن وأحاديث وفقه هذا الدين، وما على الإنسان إلا أن يبحث وسيجد.
سيل من السخف والبلادات والتقول على الله، الذي يخدر الإنسان العربي ويسلبه من كل قدرة على ممارسة العقلانية واستعمال مقاييس المنطق والعلم ويدخله في عوالم الشعوذة والسحر والمعجزات والحكايات الخرافية. من هنا، وبسبب الازدياد الهائل لمثل تلك المحطات التلفزيونية، ولأمثال بعض أولئك المتحدثين بهستيريا وصراخ وحركات بهلوانية، وبسبب انعكاس تلك الثقافة الدينية المتخلفة المتزمتة على مجمل أشكال الثقافة العربية، مثل تحريم البعض للغناء والتصوير والنحت إلخ.
وبسبب استعمال تلك الثقافة الدينية استعمالا انتهازيا من قبل الحركات الجهادية العنفية لتبرير ممارسات، مثل تفجير الانتحاريين أنفسهم في مختلف تجمعات الأبرياء في الأسواق والمساجد والكنائس والمآتم والمدارس، بسبب كل ذلك يضطر الإنسان المرة تلو المرة للعودة إلى الحديث عن الأهمية الوجودية العربية القصوى لتحليل ونقد وتنقيح ساحة الأحاديث الموضوعة المنسوبة زورا وبهتانا وجهلا إلى رسول الاسلام، وايضا ساحة الفقه المتخلف المتزمت المنتمي لأزمنة تاريخية غابرة، وبالتالي المتعامل مع واقع مختلف بصورة كلية عن واقع العصر الذي نعيش. وهي عملية يجب أن تهدف إلى أمر أساسي: إرجاع مركزية الوحي الإلهي القرآني ليحكم بصورة كاملة إبداعية متجددة حقل التراث البشري الإسلامي، قديمة وحديثه.
ومن أجل توضيح ما نقول سنأخذ موضوع العقل والعقلانية لنبرز الفرق الهائل بين التعامل القرآني والتعامل الفقهي إزاء هذا الموضوع الخطير. فأما القرآن فقد امتلأ بالآيات التي تحض على استعمال أدوات العقل، مثل يتفكرون ويفقهون ويعلمون ويعقلون ويتدبرون، أي أن الوحي اعتبر العقل حاكما أساسيا في أمور حياة الإنسان الدنيوية، بما فيها فهم رسالة السماء فهما صحيحا وتطبيقها تطبيقا لا يتعارض مع توجيهاتها القيمية والأخلاقية، مثل العدالة والكرامة والأخوة الإنسانية والعفة والرحمة وشتى أشكال الفضيلة.
إلى هنا ولا توجد مشكلة مفتعلة بين الدين والعقل، لكن محنة العقل والعقلانية تبدأ بتدوين ما عرف آنذاك بعلوم السنة من جهة، وعندما يبدأ زج الدين زجا انتهازيا في أمور السياسة وصراعات الحكم من جهة أخرى. أما السنة فكانت إشكاليتها تقع في التراكم الهائل لما اعتبر جزءا من منطوقها. فالأحاديث النبوية، وهي جزء من السنة، قد بدأت بعدد الخمسمئة عند مالك بن أنس لتنتهي إلى عشرات الآلوف عند هذا الإمام أو ذاك الفقيه.
ما يهمنا هنا هو العدد الهائل من الأحاديث التي نسبت إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) زورا وبهتانا، بل نسبت إلى بعض الصحابة كذبا، وذلك من أجل مصالح سياسية، أو تبرير لعادات وسلوكيات قبلية، أو إلباس هذه الشخصية أو تلك لباس القدسية. لكن السنة لم تقف عند حدود الأحاديث النبوية تلك، مع كل ما فيها من نقاط تحتاج إلى مراجعة، بل أضيفت إليها أيضا أقوال الصحابة والتابعين وإجماع العلماء وآليات الاجتهاد، بل حتى عمل أهل المدينة عند البعض. فإذا اضيف ما حاول البعض فعله، كما فعل الشافعي على سبيل المثال، من اعتبار السنة النبوية وحيا إلهيا، وبالتالي لا يجوز مسها بأي صورة من الصور، أدركنا كيف أن الأقوال والآثار سيطرت على الساحة وادعى مروجوها بعدم الحاجة للرأي، أي استعمال العقل، إلا في حدود ضيقة إلى أبعد الحدود.
ليس الهدف هنا الدخول في دهاليز علوم الحديث والفقه المختلف من حولها كثيرا، لكن الهدف هو القول بأن التوسع الهائل في الأقوال التي نسبت إلى الرسول وإلى أصحابه والتابعين وغيرهم من مسميات، والإصرار على إضفاء القدسية على الكثير من تلك الأقوال، جعل استعمال العقل في أهم ساحة ثقافية آنذاك، ساحة الدين؛ جعل استعماله محدودا ومشروطا ومكبلا، بحيث ساهم في تهميش الوهج العقلاني القرآني من جهة، وفي تهميش علوم الفلسفة القائمة على مناقشات العقل من جهة أخرى، وفي الادعاء بأن الأجوبة على الأسئلة الدينية، عبر العصور، موجودة في التراث الديني السابق وفي ما قاله السلف الصالح.
في هذا الحقل الثقافي المهم، الذي همش العقل فيه تاريخيا، ويهمش العقل فيه حاليا بصورة فجة، كما هو واضح على شاشات المحطات التلفزيونية الدينية، أصبح موضوع تنقيحه، تحليلا ونقدا وتجاوزا وتجديداَ، من جهة وموضوع العودة إلى إسلام القرآن، الوحي الآمر بالتفكر والتمعن من خلال السمع والبصر والفؤاد من جهة أخرى، أصبح موضوعا بالغ الأهمية، وبالغ الحاجة لحل إشكالاته، لا من قبل جهود أفراد وإنما من قبل جهود مؤسسات دراسات وبحوث رسمية وأهلية.
إن محنة العقل مع القراءات التاريخية للتراث الإسلامي تمثل اليوم محنة كبرى لا يمكن تجاهلها، بل ولا حتى تأجيلها.