كثيراً ما يتردد على مسامعنا أنباء عن اكتشاف مذنبٍ ما، أو اختراق أحدها الغلاف الجوي لكوكبنا، أو تسبب سقوط آخر في فجوةٍ هائلة على الأرض. فماذا يقصد بمصطلح المذنبات؟ وكم يبلغ عدد الموجود منها؟ وكيف تؤثر في كوكبنا؟
ما هو المذنب ومم يتكون؟
المذنبات، أحد أفراد النظام الشمسي، وتتصف بصغر الحجم مقارنةً ببقية الأعضاء. يتكون جسم المذنب في معظمه من الثلج، يتُصاحبه كميات مختلطة من الغبار والصخور.
يُسمّى الجسم الرئيس للمذنب بـالنواة Nucleus، التي يمكن أن تحتوي على المياه، والميثان، والنيتروجين، وغيرها من المكونات المتجمدة. يتراوح قطر نواة المذنب ما بين 10 إلى 100 كيلومتر.
يُحيط بالنواة سحابة من الغازات تُدعى ذؤابة المذنب Coma، وغالباً ما تكون هذه الغازات خليطاً من بخار الماء، والأمونيا، وثاني أكسيد الكربون.
عندما يسخن المذنب نتيجة الحرارة الصادرة عن الشمس، تبدأ المكونات الجليدية في الذوبان. يتبخر خليط المكونات الجليدية والغبار، ويتحرك بعيداً عن نواة المذنب بفعل الرياح الشمسية؛ يتسبب هذا في خلق زوج من الذيول للمذنب. الأول، هو ذيل الغبار الذي نلحظه عادةً عندما نشاهد المذنبات من الأرض.
أما الثاني، فهو ذيل البلازما الذي يتكون عندما تُستثار جزيئات الغاز، من خلال التفاعل مع الرياح الشمسية. لا يُرى هذا الذيل عادةً بالعين المجردة، مع هذا يمكن ملاحظته في الصور عند تصوير المذنب.
من أين تأتي المذنبات؟
يُشبّه علماء الفلك المذنبات بالكرات الثلجية، ويُطلقون عليها اسم كرات الثلج القذرة؛ ذلك لأنها تتكون في معظمها من الثلج والغبار. كذلك، يعتقد العلماء أن المذنبات تشكلت من بقايا الغاز، والغبار، والجليد، والصخور، التي كَوّنت النظام الشمسي في البداية قبل نحو 4.6 مليار سنة.
اكتشف العلماء حتى الآن ما يقرب من 4 آلاف مذنب، ويتوقعون أنه من المحتمل وجود مئات الملايين من المذنبات الأخرى التي لم تُكتشف بعد. يحتوي نظامنا الشمسي على منطقتين رئيستين، يمكن اعتبارهما مخزناً لإنتاج المذنبات.
أولى هذه المناطق، ما يعرف باسم حزام كويبر، وهو شريط من المذنبات المماثلة بشكلٍ كبير لحزام الكويكبات الموجود في النظام الشمسي الداخلي. تتميز المذنبات التي تنشأ في هذه المنطقة بأن لها فترات مدارية قصيرة نسبياً، وتدور حول الشمس في المستوى نفسه تقريباً الذي تدور فيه الكواكب.
تُسمّى المنطقة الثانية بـسحابة أورت، وهي منطقة أبعد من حزام كويبر. تتصف المذنبات القادمة من هذه المنطقة، بأن لها فترات مدارية أطول بكثير من تلك التي في حزام كويبر، فضلاً عن أن المستوى المداري لها قد يميل بشكلٍ كبير عن المستوى المداري للكواكب.
احتمالية جلبها للحياة على الأرض
يعتقد بعض الباحثين أن المذنبات ربما تكون قد جلبت الماء وبعض الجزيئات العضوية إلى الأرض، التي أسهمت بدورها في نشأة الحياة على الكوكب. انطلقت بعثة روزيتا في الثاني عشر من نوفمبر عام 2014؛ للبحث والتأكد من هذه الفرضية.
هبطت البعثة على أحد المذنبات، وتقوم بدراسة النواة وطبيعة البيئة الخاصة به، وتتولى مراقبة التغيرات التي تطرأ عليه في أثناء اقترابه من الشمس.
زَخَّات الشهب
زخة الشهب، أو الانهمار النيزكي، حدث فلكي يلاحَظ فيه عدد من الشهب المنطلقة من نقطة واحدة في السماء ليلاً. تنشأ هذه الشهب من تحطم النيازك، حينما تعبر الغلاف الجوي للأرض، بسرعات عالية جداً في مسارات متوازية.
يكون حجم معظم هذه النيازك أصغر من حبات الرمال؛ لذلك يتفكك جميعها تقريباً قبل الوصول إلى سطح الأرض.
يُطلق على الوابل الكثيف للشهب عاصفة الشهب أو انفجار الشهب، الذي يمكن أن يُولّد أكثر من 1000 شهاب في الساعة الواحدة.
ينتج معظمها من بقايا أحد المذنبات في أغلب الأحيان؛ فهذه المذنبات تدور حول الشمس وتُخلِّف خلال هذه الدورات جسيمات صغيرة وراءها، تبقى سابحة في الفضاء ضمن مناطق معينة.
عندما تقطع الأرض خلال دورانها مدار أحد تلك المذنبات، فإن جاذبية الأرض ستؤثر في الجسيمات التي خلفتها؛ ما يؤدي إلى دخول العديد منها إلى الغلاف الجوي الأرضي.
وبما أن هذه الجسيمات موجودة بكثرة في هذه المناطق من الفضاء؛ فهذا يؤدي إلى ظهور أعداد من الشهب أكثر من المعتاد في الأوقات الأخرى من العام، وهو ما يُعرف بالزخة الشهابية.
خرافات وأساطير نُسِجت حول المذنبات
ارتبط ظهور المذنبات على مر السنين بكثير من الخرافات والأساطير، التي آمنت بعضها بأنها نذير شؤم وعلامة وفاة وشيكة، في حين رآها آخرون أنها من علامات حُسن الطالع.
في روما القديمة، اعتقد الإمبراطور نيرو بعد رؤيته لمذنب، أنه إنذار يتنبأ بحدوث محاولة لاغتياله؛ ما جعله يأمر بإعدام جميع خلفائه ممن سيرثون العرش من بعده.
في السياق ذاته، اعتقد البابا كاليكستوس الثالث أن مذنب هالي كان عميلاً للشيطان.
حدث أيضاً في عام 1910 أن شعر الناس بالذعر، عندما مرّ مذنب عبر مسار الأرض حول الشمس.
أغلق الأفراد في ولاية شيكاغو الأميركية نوافذهم؛ لحماية أنفسهم من ذيل المذنب السَّام، في حين انتحر آخرون. تم استغلال هذا الذُعر تجارياً؛ فكانت تُباع مظلات حماية من المذنّب، وأقنعة للغاز، وحبوب مضادة للمذنب.
على الجانب الآخر، اعتقد بعضهم أن المذنبات بُشرى تجلب الحظ السعيد؛ فاعتبر ويليام الأول رؤية المذنب علامة تدل على حسن الطالع قبل غزوه إنكلترا في عام 1066. علاوةً على هذا، آمن آخرون بأن المذنبات تحمل معها الملائكة وهي تتنزل عبر السماوات.
مذنبات ذائعة الصيت
مذنب هالي Halley، على الأرجح هو المذنب الأكثر شهرة في العالم، ويصبح مرئياً للعين المجردة مرة كل 76 عاماً عندما يقترب من الشمس.
عندما مر مذنب هالي بالقرب من الأرض في عام 1986، حلّقت 5 مركبات فضائية نحوه، وجمعت تفاصيل لم يسبق معرفتها عن المذنب الشهير. كانت المركبات قريبة بما فيه الكفاية؛ لدراسة نواته، التي عادةً ما تكون مختبئة خلف ذؤابة المذنب.
أوضحت النتائج أن هالي الذي يبلغ طوله 15 كيلومتراً، يحتوي على أجزاء متساوية من الجليد والغبار، مع وجود ما يقرب من 80% من الجليد مصنوع من الماء، ونحو 15% مكون من أول أكسيد الكربون المجمد.
يعتقد الباحثون أن المذنبات الأخرى مشابهة كيميائياً لمذنب هالي، الذي كانت نواته سوداء ومظلمة بشكلٍ غير المتوقع. بدا كذلك أن سطحها؛ بل ربما معظمها، مُغطىً بقشرة سوداء من الغبار فوق الجليد، ولا تُطلق الغاز إلا عندما يتعرض الجليد لأشعة الشمس، التي تخترق بعض الثقوب في تلك القشرة.
هناك أيضاً سلسلة مذنبات Shoemaker-Levy 9، التي التقطتها جاذبية كوكب المشتري، وبدأت بعد ذلك في الدوران حول الكوكب. غير أن مدارها حول المشترى كان غير منتظم بدرجة كبيرة؛ نتيجةً لهذا اصطدمت بالكوكب في عرضٍ رائع خلال يوليو عام 1994. أُطلِق على المذنبات هذا الاسم نسبةً إلى مكتشفيها، وهم: جين شوميكر، وكارولين شوميكر، وديفيد ليفي.
من المذنبات المعروفة على نطاق واسع كذلك، مذنب هيل بوب Hale-Bopp، الذي اعتقدت إحدى الطوائف الدينية، بولاية كاليفورنيا الأميركية أنه مركبة فضائية.
كانت آخر مرة شوهد فيها هذا المذنب في عام 1997، ولن يصبح مرئياً مرة أخرى لنحو 2300 سنة. سُمّي نسبةً للعالِمَين اللذين شاركا في اكتشافه، وهما: آلان هيل، وتوماس بوب.
حديثاً، كان من المتوقع أن يمنحنا المذنب ISON عرضاً رائعاً في عام 2013، إلا أنه لم ينجُ من اقترابٍ وشيكٍ مع جاذبية الشمس؛ نتج عنه تدميره الحتمي في ديسمبر.