أحدث الأخبار
  • 09:21 . الصحة العالمية: مقتل 28 من أفراد الطواقم الطبية في لبنان... المزيد
  • 09:19 . "مدن القابضة" توقع اتفاقيات مع شركاء ومستثمرين لتطوير مشروع رأس الحكمة... المزيد
  • 09:16 . رئيس الدولة ونظيره المصري يشهدان إعلان مخطط مشروع "رأس الحكمة"... المزيد
  • 07:18 . قرقاش يدعو إلى "ضرورة استعادة مفهوم الدولة الوطنية" لمواجهة التحديات التي تهدد المنطقة... المزيد
  • 07:18 . السعودية ومصر ترفضان أي إجراءات تؤثر على سلامة وسيادة لبنان... المزيد
  • 11:44 . "طاقة" تستكمل تسعير سندات بقيمة 1.75 مليار دولار... المزيد
  • 11:43 . مجلس الأمن يدعم غوتيريش بعد قرار الاحتلال الإسرائيلي اعتباره "شخصا غير مرغوب فيه"... المزيد
  • 11:41 . دراسة: التخلص التدريجي من التدخين قد ينقذ حياة 1.2 مليون شخص... المزيد
  • 11:40 . الذهب يرتفع بدعم من الإقبال على الملاذ الآمن واستمرار التوتر بالشرق لأوسط... المزيد
  • 11:39 . أسعار النفط ترتفع وتحافظ على مكاسبها الأسبوعية القوية... المزيد
  • 11:38 . الدوري الأوروبي.. توتنهام يواصل انتفاضته ومانشستر يونايتد ينجو من الخسارة ولاتسيو يتصدر... المزيد
  • 11:38 . "طيران الإمارات" تلغي جميع رحلاتها من وإلى ثلاث دول في المنطقة بسبب التوترات... المزيد
  • 11:36 . الولايات المتحدة.. أكثر من 200 شخص لقوا مصرعهم جراء الإعصار هيلين... المزيد
  • 11:35 . 18 شهيداً في غارة إسرائيلية على مخيم طولكرم بالضفة الغربية المحتلة... المزيد
  • 11:32 . غارات إسرائيلية على محيط معبر المصنع تقطع الطريق الدولي بين لبنان وسوريا... المزيد
  • 11:31 . الاحتلال يشن أعنف قصف على الضاحية الجنوبية لبيروت وأنباء عن استهداف خليفة نصر الله... المزيد

الرمال المتحركة في العراق

الكـاتب : صالح عبد الرحمن المانع
تاريخ الخبر: 30-11--0001


أثبت الانقلاب السياسي الهائل الذي قادته الجماعات المسلّحة في شمال العراق، ونتج عنه سقوط ثاني أكبر مدينة في البلاد وهي الموصل، أنّ العراق، كدولة موحّدة، بات قريباً جداً من التفكّك والانفصال. وقد ظهر الانهيار المفاجئ للجيش العراقي بأعداد ضخمة أمام حوالي 10 آلاف مقاتل من الميليشيات المتحالفة، والتي تضم «داعش»، وعدداً من المجموعات القبلية والعشائرية الأخرى.

وقد تباينت تفسيرات مثل هذا الانهيار، وهل يعود ذلك إلى التركيب الطائفي للجيش العراقي الحالي، الذي تقول بعض المصادر التركية إن 90% من ضباطه هم من مقاتلي «حزب الدعوة» والأحزاب الموالية له، التي جُنِّدت في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. ومن ناحيته، لام رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي مسؤولين عسكريين على ما حدث، وذكر أن ذلك نتيجة خيانة للقادة العسكريين الثلاثة الذين كانوا مسؤولين عن إدارة قطاع الموصل. ومثل هذه التبريرات والانتقادات لا تغيّر من الأمر شيئاً، فقد باتت الموصل ومدن عديدة في الفرات الأوسط ومناطق الأنبار تحت سيطرة هذه الجماعات المسلّحة، وخارج سلطة الحكومة المركزية. كما أن إلحاق مدينة كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها بحكومة إقليم كردستان، قد قوّى لديها شهوة الانفصال عن العراق، وإعلان استقلال الإقليم. وبالطبع لن يحدث ذلك إلا بموافقة ومباركة واعتراف دولي، وهو ما لم يحصل عليه الإقليم بعد، لأن الدول الكبرى والإقليمية (خاصةً تركيا وإيران)، تخشى من أن مثل هذا الإعلان قد يقوّض وحدتها الوطنية، ويدعو أبناء الأقاليم الكردية المتاخمة، للاتحاد في دولة كردية تمتد من غرب إيران وحتى شمال سوريا وشرق تركيا، مروراً بشمال العراق.

والشيء الجميل الذي أبداه الرئيس أوباما يوم الجمعة 20 يونيو، هو أنه قد لمّح بأن أي مساندة عسكرية للعراق لن تتم إلا بمغادرة المالكي لمنصبه، وتشكيل حكومة وفاق وطني عريضة ممثلة لجميع الطوائف والمكونات الإثنية العراقية. وبينما هناك إجماع دولي وإقليمي على ضرورة مغادرة المالكي لمنصبه حفاظاً على سلامة العراق الوطنية، وجّه الرئيس بوتين رسائل دعم للمالكي، بينما وقفت إيران إلى جانبه وأرسلت قوّات برية وجوية إلى قاعدة الرشيد الجوية في بغداد، وحشدت جيوشها على الحدود الشرقية للعراق تأهباً لأيّ عمل عسكري. وفي الوقت نفسه، ظهر تردد في الموقف الأميركي من بقاء المالكي في السلطة.

وفي الوقت الحاضر، هناك سباق محموم بين المالكي من جهة ومنافسيه من جهةٍ أخرى، فهو يريد أن يطلب اجتماعاً مبكراً لمجلس النواب العراقي، بينما يصرّ منافسوه على ضرورة التوافق على تسمية رئيس جديد للوزراء، وعلى تشكيل حكومة وفاق وطني قبل الذهاب إلى البرلمان وعقد الجلسة الأولى في الثلاثين من يونيو الجاري. وهناك بالطبع أربعة أو خمسة أسماء بديلة عن المالكي تنتظر فرصة الترشّح لرئاسة الوزارة.

والحقيقة أن المسألة لا تختص فقط بشخص المالكي، بقدر اختصاصها بالسياسات الطائفية الممنهجة التي تبنّاها خلال الثماني سنوات الماضية من حكمه. وإذا ما نجح المجتمع الدولي في الضغط على المالكي وإقناعه بالاستقالة، وهو أمرٌ يصعب التكهّن بنجاحه، فإنّ من شأن ذلك أن يعطي إشارةً قوية للمجتمع العراقي برمته وللإقليم العربي، بأنّ تغيراً قد يحدث بالعراق.

وكما يقول الشاعر العربي أبو تمام -المولود في حوران والمتوفّى في الموصل: «السيفُ أصدقُ إنباءً من الكُتبِ». فإذا فشل الزعماء السياسيون العراقيون -سُنّةً كانوا أم شيعة- في التوصّل إلى حلٍ سلمي لمناكفاتهم، فإن ذلك من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه للمتطرفين من السُنّة والشيعة للزجّ بالعراق مجدداً في حربٍ طائفية دموية لا نهاية لها.

وكما نجح الأميركان في إيقاف الحرب الطائفية السابقة عام 2007- 2008، فإنّ فُرص نجاحهم هذه المرة تعتمد على وجود «البسطار» الأميركي القوي على الأرض، الذي بات يمثّل وجوده ضمانة لتوازن أمنيٍ، وليس سياسياً، لسلامة سكان العراق الذين باتوا يفكّرون بشكلٍ طائفي، أكثر من تفكيرهم بشكلٍ وطنيٍ عميق.

وإذا ما نجح السياسيون العراقيون في اختيار شخصية سياسية بديلة للمالكي، فإنّ من واجب الدول العربية التعاون مع رئيس الوزراء الجديد، في إعادة العراق مجدداً إلى حاضنته العربية. فقد فقدنا العراق لفترة طويلة، وفقد العراق بدوره بُعده العربي، حينما رمى زعماؤه بأنفسهم في حاضنات غريبة عليهم، لا تريد للنخل العراقي الباسق أن يُؤتي ثماره في حوضه.

وخلال الأربعة قرون الماضية، كان العراق محور تماس عسكري بين إيران الصفوية وبين الدولة العثمانية. وفي العصر الحديث، أصبح العراق محوراً لصراعات داخلية وإقليمية عميقة، وذلك بسبب السياسات التي تبنّاها زعماؤه السياسيون. والآن، بات العراق على وشك الدخول في حرب أهلية. وعلى العراقيين أن يختاروا مستقبل بلادهم، فإما أن ينجرّوا إلى صراعات طائفية وينجذبوا إلى صراعات إقليمية، وإما أن يبنوا بلادهم ويعيدوا الاهتمام بتعميق الأمن والسلام ووحدة الأوطان، حتى يتمكنوا من إحياء الدور التاريخي والثقافي للعراق، الذي كانت عاصمته بغداد عاصمة للخلافة العباسية، وموطناً للمثقفين والشعراء وجهابذة اللغة العربية منذ أقدم الأزمان.

والعراقيون اليوم مخيّرون بين أن يكونوا طائفيين أو علمانيين، ولعلّ العلمانية هي الوسيلة الأنجع لحكم بلد متعدد المذاهب والعصائب. فحين يُطلق مسؤول عراقي بارز العنان لمخيلته السوداء المعادية لجزء أصيل من شعبه، فإنه يقضي بذلك على اللُّحمة الوطنية التي تربط وشائج الوطن وأوصاله ببعضها بعضاً.

وما نتمناه للعراق هو الوحدة والاستقرار والأمن، وإن لم يتحقق ذلك فإن على المنظمات الإقليمية العربية منها والإسلامية، سواءً في الجامعة العربية، أو في منظمة التعاون الإسلامي، أن تبدأ في تشكيل قوة تدخّل وسلام عربية وإسلامية في العراق، وأن يصحب ذلك جهد دبلوماسي وسياسي موازٍ لإصلاح الخلل وجبر الصدع بين أطياف النخب السياسية في العراق. فبدون هذا الجهد الذي قد يبدأ من خلال تعيين وسيط دبلوماسي عربي، فإن العراق الذي نعرفه قد يتشظّى إلى مكونات عرقية ومذهبية هزيلة، ونفقد بالتالي دولةً عربيةً أخرى.