إثارة قضية وعد بلفور وإعادتها للواجهة أمر مهم ومفيد، يعطي القضية الفلسطينية المزيد من الحيوية، ويعيدها لجذورها الأصلية، للتأكيد على عدالة الحق الفلسطيني وروايته من جديد للعالم روايةً مكتملة التفاصيل والأركان، لا تُسقط من جنباتها المسؤولية الأخلاقية والرسمية للدول الغربية في تمكين هذا الاحتلال وتسكينه في فلسطين.
ونحن اليوم أمام الذكرى المائة لهذا الوعد الذي لم يكن مجرد وعد، بل دعم عسكري ومالي وسياسي وميداني للعصابات والجماعات الصهيونية من أكبر الدول الغربية خصوصاً بريطانيا التي كانت مسيطرة في حينها على فلسطين، وأصدر وزير خارجيتها عام ١٩١٧ هذا الوعد، وعمل على تحقيقه من خلال تسهيل استيلاء الصهاينة على أراضي فلسطين وتمكينهم من ذلك بشتى الطرق والوسائل.
عندما التقى مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل برئيس الوزراء البريطاني جوزيف تشمبرلن سنة 1902، قال له هرتزل: إن قاعدتنا يجب أن تكون في فلسطين التي يمكن أن تكون «دولة حاجزة» بحيث تؤمن المصالح البريطانية.
تلاقت المصلحة الغربية مع المصالح والرغبات الصهيونية في إقامة ما تسمى «إسرائيل» بقلب الوطن العربي والعالم الإسلامي لتمنع قيامه من جديد، وتعطل وتعرقل قيام أي وحدة جغرافية أو سياسية أو اقتصادية داخله، ولينشغل لعقود بهذه المشكلة المعقدة التي تترعرع في ظل الخلافات العربية والإسلامية.
لذلك نجد بصمات صهيونية واضحة في جل الخلافات والانقسامات العربية وليس أدل على ذلك من بصماتهم الواضحة والمعلنة في دعم انفصال جنوب السودان، وإقليم كردستان العراق، ولا يغيب عنا دورهم السلبي في تغذية النزاع بين أطراف الأزمة الخليجية الراهنة، من خلال تقربها من طرف وتحريضها على الآخر، وأيضاً استغلالها للورقة الطائفية.
كما لا يخفى على أحد دورهم التخريبي في منع نهضة الدول العربية وتقدمها، وذلك من خلال اغتيال عدد من العلماء العرب، وتدمير المفاعلات النووية العراقية، وغيرها من العمليات العسكرية التي استهدفت قواعد ومصانع سلاح عربية.
ومن الصعب سرد جميع جرائم «إسرائيل» وآثار أدوارها التخريبية الواسعة والعميقة في قلب عالمنا العربي والإسلامي، لكن من السهل أن نرى نتائج ذلك، وهي ما نعيشه، وخلاصنا كأمة وليس فقط كشعب فلسطيني مرهونٌ بالخلاص منها.