بينما كانت قطر تحتفل بيومها الوطني في 18 ديسمبر الجاري، ظهر خلال العرض العسكري علامة على سرٍ لم تلفت قطر الانتباه إليه، قبل أن يكشفه أحد الباحثين بتغريدة على تويتر.
جوزيف ديمبسي، الباحث المشارك في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، كتب على تويتر، أن هناك صفقة عسكرية أبرمت فيما يبدو بشكل غير معلن بين الصين وقطر، والدليل على ذلك أن العرض العسكري ظهر فيه قاذفات صواريخ SY-400 الباليستية قصيرة المدى، صينية الصنع، وفقا لموقع "ناشيونال إنترست".
ولم توجه قطر الانتباه إلى الصواريخ خلال العرض، لكن جوزيف لفت الانتباه بتغريدته، إذ ظهر في الصور أن كل قاذفة تحمل صاروخًا من طراز "BP-12A"، القادر على حمل رأس حربي يبلغ وزنه 480 كيلوجراما ليصل إلى 280 كيلومترا، وفق ما قاله مسؤولو الشركة الوطنية الصينية لاستيراد وتجارة الماكينات الدقيقة خلال المعرض الدولى للأسلحة عام 2012.
وجدير بالذكر أن نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف يفرض قيودًا مشددة على صادرات الصواريخ التي يمكن أن تحمل رأسا حربيا وزنه 500 كيلوغرام لمسافة تصل إلى 300 كيلومتر. وقد هاجمت قناة العربية، عبر مقال على موقعها الإلكتروني تلك الصفقة، وذكرت ان مدى الصواريخ يصل إلى 400 كيلومتر، وزعمت أن ذلك يكشف عن نوايا بضرب عواصم دول الحصار.
وفسر كل من جورجيو كافيرو المدير التنفيذي ومؤسس لشركة Gulf State Analytics الاستشارية المختصة بالشأن الخليجي، وثيودور كاراسيك المحلل الأمريكي المختص بالشأن الخليجي ومستشار كبير بالشركة، ما الذي يعنيه بيع الصين منظومة الصواريخ إلى قطر.
وأشار المحللان، في مقال نشره موقع Lobe Log الأميركي، إلى أن الصين ورغم علاقاتها الوثيقة بمصر ودول الحصار، فإنها في الوقت ذاته تستثمر في علاقات جيدة مع دول الخليج كافة، وتوازن بين أطراف الأزمة التي تعصف بالخليج، من أجل تحقيق مصالح جيوسياسية واستراتيجية لبكين.
كان قرار بكين بيع نظام SY-400 للدوحة في خضم الأزمة القطرية مدفوعا بعدد من العوامل، فمنذ أن شاركت الصين في معرض الدوحة الدولي للدفاع البحري عام 2014، سعت الصين لتصدير تكنولوجيتها العسكرية إلى قطر، وكانت الدوحة ترغب في شراء نظام الصواريخ الباليستية ذاك في العام نفسه الذي وقع فيه الخلاف الدبلوماسي، والذي سحبت فيه الدول الخليجية الثلاث سفراءها من قطر لمدة 8 أشهر.
من ناحية ثانية، فإن قطر هي ثاني أكبر مُورِّد للغاز الطبيعي المُسال إلى الصين، ووفقاً لكاتبي المقال فإنَّ مبيعات أسلحة كهذه يحقق للصين توازناً في التجارة الثنائية بينها وبين الدوحة، وهو ما سيؤدي إلى تعميق العلاقات بدرجة أكبر بين البلدين، وسط المنافسة المتزايدة من الولايات المتحدة كمُصدِّرٍ منافس للغاز الطبيعي المُسال إلى الصين.
ومنذ الصعود الاقتصادي لقطر في القرن الـ21، استثمرت الصين في علاقات وثيقة مع الدوحة، ففي 2014، جددت قطر والصين اتفاقية تعود لعام 2012 بشأن العُملة والأدوات الاستثمارية، وفي 2013، وقع البلدان اتفاقيات في مجالات التجارة، والطيران، والنقل، والاستثمار فضلا عن اتفاقيات للمشاركة في مشروعات اتصالات وبنية تحتية بالدوحة، بـ8 مليارات دولار، في 2014.
وتأتي هذه الصفقة في إطار سعي الصين لتعزيز علاقتها بدول الخليج كافة، بسبب طموحاتها الكبرى المتعلقة بمبادرة طريق الحرير الجديد، اللذين يوضحان أن الصينيين قبل 6 أشهر، كان يعتريهم الأمل بشأن اتفاق التجارة الحرة بين بكين ومجلس التعاون الخليجي، وهو الأمر الذي أصبح غير واقعي حاليا في ضوء الأزمة الخليجية، ولذا فإنها تسعى لحل الأزمة من أجل تفادي مخاطر أي تصعيد مستقبلي للتوترات من شأنه أن يُعرض مصالحها للخطر، أي تفادي شبح نزاعٍ داخلي في مجلس التعاون الخليجي قد يقود إلى تصعيد عسكري.
وفي مؤشر على سعيها لتحقيق التوازن مع الأطراف كافة، فإنه في العام نفسه الذي سعت فيه بكين لبيع صواريخها الباليستية إلى قطر، كانت قد أنشأت مصنعاً للطائرات من دون طيار في السعودية؛ لتقدّم نفسها على اعتبارها شريكاً تجارياً ودفاعياً، ومصدراً لبيع الأسلحة، وقوة عظمى بديلة للولايات المتحدة لا يمكن الاستغناء عنها.
ويلفت المحللان إلى أنه من غير الواضح حتى الآن، كيف ستؤثر عواقب وجود علاقات صينية-قطرية قوية على العلاقات بين الدوحة وواشنطن، خصوصا أن الاستراتيجية التي وضعها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تعتمد على ردع الصعود الاقتصادي العالمي للصين، لكنهما يشيران إلى أن ازدهار العلاقات الصينية-القطرية، سيمكن الدوحة من كسب أوراق ضغط أكبر في علاقاتها بإدارة ترامب.