تحت عنوان ” ملوك الشرق الأوسط ينظرون إلى ترامب فيشاهدون أنفسهم” علق ستيفن كوك، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في مجلة “فورين بوليسي” قائلا إن حلفاء الولايات المتحدة العرب طالما ما حاولوا الحصول على مدخل مباشر للسياسة الخارجية الأمريكية وأخيرا وجدوا تاجرا يبيعهم وهو دونالد ترامب.
وبدأ مقالته بالعودة بالقارئ للوراء 20 عاما حيث كان قد تخرج من الجامعة ويعيش في العاصمة المصرية القاهرة. ونشر في ذلك الوقت مقالة بمجلة كانت تعرف بـ “ميدل إيست إنسايت” التي كانت لها شهرة وعادة ما تنشر مقابلات مع شخصيات مهمة. ونشر إلى جانب مقالته قطعة بعنوان: “الجيل المصري المقبل” وهي عبارة عن مقابلة مع جمال مبارك، نجل الحاكم الطويل على مصر حسني مبارك، والذي كان في صعود مستمر كوريث محتمل لوالده قبل سقوطه.
و”بعد سنوات سمعت أن ميدل إيست إنسايت قد اختفت وعندما علمت بالخبر قلت إن المجلة كانت أكبر من المناخ الإعلامي المتمدد، ولهذا هززت كتفي ومضيت في حياتي”. ويضيف أنه لم يعرف عن “ميدل إيست إنسايت” إلا بعد أن دخل ناشرها جورج نادر في الأخبار وكشف عنه كرجل دولي غامض في مركز عملية سرية للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ويبدو أن الرجل الذي أدار قبل عقدين مجلة صغيرة غير ربحية ولكن مؤثرة على السياسات أصبح قناة اتصال بين ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من جهة والحلقة المقربة من الرئيس دونالد ترامب قبل وبعد انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وهذا مهم وحيوي للتحقيق الذي يقوم به المحقق الخاص روبرت موللر.
ويقول الكاتب إن قصة نادر هي مثال آخر عن ” الفساد والجشع والبحث عن التأثير والذي أصبح عاديا واشنطن في ظل ترامب. ولكنها تقدم رؤية إلى مشكلة لا سابق لها وغير عادية: قرار عدد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط استخدام نفوذهم المالي لخدمة قضية مشتركة مع حفنة من “الغانيفز″ أو اللصوص بغرض التاثير على السياسة الخارجية الأمريكية. وهي مشكلة يمكن تتبع أثرها بطرق غير مفهومة لصهر الرئيس ترامب، جارد كوشنر وهاتفه النقال.
فمن من منظور السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، خاصة أن هناك شخصية إسرائيلية في قصة نادر، ولكنها ليست واضحة، ومصر أيضا، فقد كان منطقيا دعم الحملة الرئاسية لترامب ومحاولة التأثير على رؤيته للشرق الأوسط.
ولم تحب هذه الدول السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما. وفي الوقت الذي كانت فيه هيلاري كلينتون أكثر صقورية تجاه المنطقة من رئيسها الذي عملت معه كوزيرة للخارجية إلا أن الإمارات والسعودية وإسرائيل خشيت أن ترتبط بالإتفاقية النووية وتتبني بالتالي سياسة أوباما الإيرانية.
واعتقدت هذه أن كلينتون ستكون لينة مع الإسلاميين. فهناك اعتقاد في مصر أنها كانت وراء صعود الرئيس الإخواني محمد مرسي إلى سدة الرئاسة عام 2012. وتعتبر مصر بالنسبة لدول الخليج “عمقا استراتيجيا” و “خسارتها” للإخوان المسلمين كانت صفعة جيوسياسية. وشعر الإسرائيليون للسبب نفسه بالقلق من صعود سلطة الإسلاميين قريبا منهم وحملوا أوباما المسؤولية.
وبوصول ترامب للسلطة حصل الحلفاء في المنطقة على رجل يصف الإتفاقية النووية بأنها الأسوأ وأحاط نفسه بمجموعة من الرجال الذين لا يفرقون بين القاعدة والإخوان المسلمين أو يعرفون بكراهيتهم للإسلام. وأعلن ترامب عن دعم الولايات المتحدة أصدقاءها في الحرب ضد الإرهاب. وهذا كل ما في الأمر فلا محاذير أو توقف ولا بحث عن ذرائع تتعلق بحقوق الإنسان والحاجة للإصلاح السياسي.
وكان هذا بالنسبة لهم الأفضل من مضايقات وتعقيدات سياسة إدارة أوباما. وبالطبع لا تعني مشاركة رئيس الولايات المتحدة حليفا رأيه توقف الدبلوماسية. فمهمة الدبلوماسيين ووزراء الخارجية وممثلي الدول الأجنبية الأخرى هو التأكد من وقوف أمريكا إلى جانبهم. وعادة ما يتم هذا عبر وزارة الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي ولقاءات مع أعضاء الكونغرس وكتابة مقالات رأي في الصحف المؤثرة وقنوات اتصال مؤثرة وغير رسمية، عبر اللوبيات في واشنطن وحفلات السفارات والمناسبات الوطنية.
وبالتأكيد كان الكثير من هذا يحدث أثناء العام والنصف من حكم ترامب. وكما نعرف الآن فقد كانت هناك طرق اتصال موازية للتأثير وكان جورج نادر في مركزها. وهنا يشير إلى تقرير صحيفة “نيويورك تايمز″ التي كشفت عن جهوده مع إليوت برويدي بناء خطة يقوم من خلالها الأخير باستخدام نفوذه وعلاقاته الخاصة في واشنطن، خاصة في البيت الأبيض لتشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه قطر التي تتهمها السعودية والإمارات بدعم الإخوان المسلمين وتمويل المتطرفين والتقارب مع إيران.
ووافقت الإمارات على ما يبدو. وكان الهدف الأول هو ممارسة الضغوط على أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. واستخدمت الدول هذه كل وسيلة وطريقة متوفرة لديها لتقوية مصالحها. ولكن، ما هو مبرر ترامب؟
وبلا شك كانت الشخصيات المهمة في الدول الأخرى تعرف أرقام الدائرة المقربة من أوباما وحساباتهم الألكترونية على جي ميل لكن كانت الطريقة التي أدارت فيها هذه الإدارة الأمور أكثر نوعية من الطريقة التي تصرف فيها كوشنر. فقد كان يفتح الباب أمام “ثقافة ترامبية” لا تلتفت إلى الإجراءات أو التدقيق الأمني وكل شخص يمكن أن يكون رصيدا.
والمعيار هو الولاء الذي يأتي بعد المال. وكانت هناك طرق لإنجاز أمر مهما كانت الظروف. ويرى الكاتب ان عالم ترامب لا يعمل في واشنطن بنفس الطريقة التي يعمل فيها حلفاؤها في الشرق الأوسط، مع وجود ملامح تشابه تجعل من القصص عن فضيحة جورج نادر ممكنة. فطريقة ترامب في إدارة الأمور التي تتجنب العمليات والإجراءات الرسمية للحكومة ترتبط بالنظم غير الرسمية وغير المقننة والممارسات السابقة التي تشكل الحكم والسياسة في أماكن متعددة إلى السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل.
ولا يعني أن هذه المؤسسات غير موجودة في الولايات المتحدة، فقد تم عمل الكثير من الأمور من خلال شبكة “أولاد هارفارد الكبار”. ومع ذلك فلم توجه الشبكات غير الرسمية السياسة الخارجية والتي ظلت عملية شاملة (ومجهدة) تشترك فيها مؤسسات عدة. ومن هنا فاستعداد كوشنر لأن يقدم الأرقام والإشارات من أن فريق ترامب منفتح على إدارة الأمور بطريقة مختلفة عن الإدارات السابقة جعلت من حلفاء الولايات المتحدة ونادر وبرويدي إلى جره إليها.
وكانت النتيجة عقد بقيمة 650 مليون دولار لشركة برويدي بعدما استطاع أن يقنع الرئيس والآخرين “بخيانة القيادة القطرية”. فمن منظور العواصم الشرق أوسطة ففي ترامب واشنطن يظل وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي غير ضروريين . وما عليك إلا أن تصل إلى كوشنر أو بديل عنه والتعامل في “سياسة الريال”.
فلعبة التأثير موجودة في واشنطن منذ وقت طويل والأموال التي تنفقها الدول الأجنبية على اللوبيات مذهلة جدا إلا أن خطة نادر- برويدي كانت محاولة لبيع السياسة الخارجية الأمريكية والتي سيذكر موللر كل واحد وأي واحد في فلك ترامب أنها تختلف عن بيع العقار.