مع تدشين تركيا نظامها السياسي الرئاسي الجديد، تُثار الكثير من التساؤلات حول شكل السياسة الجديدة، والجهات التي ستنخرط في رسم وصناعة وتنفيذ السياسة الخارجية للبلاد. تقليدياً، كانت المؤسسات ما دون الرئاسية كرئيس الوزراء، ووزير الخارجية ووزارة الخارجية تلعب الدور الأكثر تأثيراً في هذا الصدد. أمّا اليوم، وفي ظل النظام الجديد، يحظى رئيس الجمهورية بكامل السلطة التنفيذية، وهو ما يعني أنّ دوره في تصور ورسم السياسات الخارجية، بالإضافة إلى الإشراف على تنفيذها، سيكون طاغياً.
من المتوقع أن يؤمّن مثل هذا الأمر سياسة خارجية حيوية وأكثر استقراراً وفعالية، وأسرع استجابة للأحداث والأزمات. وبشكل عام، فمن المتصوّر أن يستمر المسار العام الذي كان قائماً في السياسة الخارجية التركية مع بعض التعديلات الطفيفة التي تفترض إقامة سياسة خارجية أكثر واقعية وأكثر استقلالية، وربما أكثر اعتماداً على القوة الصلبة كذلك إذا تطلّب الأمر.
في المقابل، ثمّة تحديات من الممكن أن تواجهها عملية صناعة وتنفيذ السياسة الخارجية في البلاد، فالبعض يتحدث عن أنّ دور الجهات المؤسّساتيّة في هذا المجال قد يتقلّص لصالح التصوّر الفردي لرئيس الجمهورية. لا شك بأنّ الرئيس سيكون الرجل الأول في رسم سياسة تركيا الخارجية، لكن من المفترض أن تُعاونه في هذه العملية مؤسسات مختلفة، منها ما هو تابع للرئاسة، ومنها ما هو منفصل، لكنّه يحمل صفة استشارية، ومنها ما هو تنفيذي.
وفقاً للتقسيمات الجديدة للنظام الرئاسي، سيتم استحداث 9 هيئات استشارية لتقديم المشورة المتخصصة للرئيس، كما سيكون هناك 8 رئاسات فرعية تابعة لرئيس الجمهورية، بالإضافة 4 مكاتب متخصصة، وسيجري تقليص عدد الوزارات في البلاد من 26 إلى 16 وزارة. بعض الوزارات سيتم دمجها، والبعض الآخر إلغاؤها. من المنتظر أن يكون هناك دور أساسي في هذه الهيكلة في تزويد الرئاسة بتصورات أو تقييمات تتعلق بالسياسة الخارجية للبلاد لكل من: هيئة السياسات الأمنيّة والخارجية، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية.
من المفترض لهذه التغييرات أن تدفع باتجاه تبني سياسة خارجية أكثر توازناً فيما يتعلق بعلاقة تركيا بالفاعلين الدوليين، لا سيما روسيا من جهة، والولايات المتّحدة الأميركية من جهة أخرى، كما من المنتظر أن يتيح الاستقرار الذي سيحققه النظام الرئاسي التركيز على استخدام سياسة خارجية عقلانية مع دول الاتحاد الأوروبي، وذلك للاستفادة قدر المستطاع من الإمكانيات الاقتصادية للطرفين، والدفع باتجاه إعادة تفعيل مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد. من سوء حظ تركيا ربما أن رئاسة الاتحاد الأوروبي ذهبت الآن إلى النمسا، وهو ما يعني أن تفعيل مفاوضات الانضمام سيكون أمراً صعباً، لكن ذلك لا ينفي أن يتم تحقيق تقدم على صعد أخرى، من بينها على سبيل المثال: موضوع اللاجئين، وموضوع رفع الفيزا، وزيادة التعاون الاقتصادي.
على الصعيد الإقليمي، فإن قضايا الإرهاب وأمن الحدود، لا سيما على طول الشريط الجنوبي للبلاد مع سوريا والعراق، وأمن الحدود والمناطق المتنازع عليها لا سيما في بحر إيجة مع اليونان، وأمن الطاقة في محيط قبرص وشرق البحر المتوسط، كلها مواضيع من المتوقع أن تفرض نفسها على السياسة الخارجية للبلاد وأن تحظى بأولوية قصوى.;