تنسحب إيران من عهودها النووية، وتتوعّد بجثامين الأميركان في شوارع منطقة الشرق الأوسط، وتلوّح واشنطن هي الأخرى بتهديدات على مقاسها، ثم تعلن بريطانيا دخولها على الخط وإرسالها غواصة بالطاقة النووية مزوّدة بصواريخ من طراز «توماهوك»؛ للردّ على إيران إذا تطلّب الأمر.
واحدة بواحدة، وهذه بتلك، ورداً على مقتل أميركي شمال العراق قصفت واشنطن، الأحد، مواقع تابعة للحشد الشعبي في بغداد، وبعدها حاصر أنصارهم سفارة الولايات المتحدة وحرقوا أجزاء من بنيانها.
يرفع ترمب إصبعه في وجه طهران مجدداً، فمن غيرها مسؤول عن هذه الاعتداءات، بحسب واشنطن؟ ويبدو أن الأخيرة سئمت الرد والتبرير على تصريحات «مارقة»، كما تقول.
يُتبع ترمب اتهاماته لـ «العدوّة الفارسية» بتهديدات صريحة، يُلحقها أخيراً بضربة جوية تستهدف رمزاً من رموز إيران، قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وقائد حزب الله العراقي أبومهدي المهندس، وتلك القشة التي أهلكت البعير كله. «الموت لأميركا» و«الشيطان الأكبر».. شعارات تعود للساحات الإيرانية، ولا رجوع عن الثأر تتوعد إيران، «لكن الأخيرة أمام خيارين؛ إما التصعيد وسيكون ذلك خياراً خاطئاً، وإما وقف حروبها بالوكالة»، يصرّح مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين.
ويبدو الخيار الأول الأقرب إلى طهران، «نقول اصبروا قليلاً لتشاهدوا جثامين الأميركيين في كل الشرق الأوسط».. هكذا توعّد القائد الجديد لـ «فيلق القدس» إسماعيل قآني.
أشدّ من ذلك أن «35 موقعاً أميركياً في مرمى صواريخ إيران».. يهدّد قيادي بارز في الحرس الثوري الإيراني غلام أبو حمزة، الولايات المتحدة الأميركية، ويضيف القيادي الإيراني، في تصريحات السبت، أن بلاده «ستعاقب الأميركيين أينما كانوا «، وفق تعبيره.
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ردّ بأن أي موقع أميركي سيكون هدفاً عسكرياً سيقابله رد عسكري وفق القانون الدولي، مشيراً إلى أن واشنطن أدركت مخططات سليماني قبيل مقتله.
لكن، على الأخيرة «أن تدرك عاجلاً أن قتلها سليماني أخطر عليها من إبقائه حياً»، يصرّح أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني.
ردّ بومبيو ذاك سبقه ردّ رئيسه «واشنطن أمرت بقتل سليماني لمنع حرب وليس لبدء حرب»، وذهب مسؤولوه إلى القول إن معلومات استخباراتية كانت تفيد بتخطيط سليماني لهجمات ضد الأميركان.
معلومات تؤكدها وزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون»، مضيفة أن «مسؤولين عن مقتل المئات من أفراد القوات الأميركية وقوات التحالف، وأن وكلاء إيران شنّوا هجمات على قواعد التحالف في العراق على مدار الأشهر القليلة الماضية. وجاء في بيان «البنتاجون» أن الجنرال سليماني كان «يطوّر بفاعلية خططاً لمهاجمة المجندين والدبلوماسيين الأميركيين في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة».
لا يزال حاضراً في ذاكرة الأميركان «التعنت الإيراني» في المنطقة، وتقول واشنطن إنها تغاضت عنه كثيراً، وفي ذاكرة الإيرانيين أيضاً انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق النووي بينهم وبين القوى الدولية، وإلحاقه بالعقوبات الاقتصادية المرهقة..
مسلسل استهدافات السفن والحروب بالوكالة، هو الآخر لا يتبدد بالتقادم، وربما في القادم نرى ما هو أشد على المشهد الإقليمي؛ فالضربة الأميركية الأخيرة لا تحتمل التغاضي، كما يُصرّ الإيرانيون، وأي هجوم سيُقابَل بأثقل منه، وترد واشنطن، ولعلّ مراد كل منهما أن يكون آخر من يصفع.