أحدث الأخبار
  • 11:34 . الإمارات تتفق مع الولايات المتحدة على إدراجها ضمن "برنامج الدخول العالمي"... المزيد
  • 10:23 . مسؤول عسكري: الجنود الأربعة سقطوا خلال نقل ذخائر... المزيد
  • 09:16 . الجيش السوداني يسيطر على مناطق مهمة وسط الخرطوم... المزيد
  • 09:05 . وزير الدفاع الأمريكي: الحرب الشاملة ستكون مدمّرة لـ"إسرائيل" ولبنان... المزيد
  • 07:45 . محكمة تونسية تقضي بسجن مرشح رئاسي إلى ما بعد الانتخابات... المزيد
  • 07:18 . المالية: 1.1 مليار درهم لمزاد صكوك الخزينة الإسلامية في سبتمبر... المزيد
  • 07:16 . المركزي: التحويلات السنوية الخارجية بالدولة تتراجع 8.2% لـ133.7 مليار درهم... المزيد
  • 12:19 . صدام العمالقة.. العين والوصل في مواجهة مثيرة من دوري أدنوك للمحترفين... المزيد
  • 12:17 . دعوات عالمية لوقف إطلاق النار 21 يوما عبر حدود "إسرائيل" ولبنان... المزيد
  • 12:07 . لماذا تخفي أبوظبي حقيقة استشهاد جنود قواتنا المسلحة؟ وما علاقة الحادث بالسودان؟... المزيد
  • 11:27 . "طيران الإمارات" تلغي رحلاتها مع بيروت حتى 1 أكتوبر... المزيد
  • 11:07 . أعضاء بالكونغرس يسعون لحجب أسلحة بـ20 مليار دولار عن الاحتلال الإسرائيلي... المزيد
  • 11:06 . ما دلالة لقاء عبدالله بن زايد بزعيم الانفصالين باليمن في نيويورك؟... المزيد
  • 11:04 . "إيدج" تطلق شركة جديدة لدخول مجال الفضاء... المزيد
  • 10:46 . برشلونة يواصل انطلاقته المثالية في الدوري الإسباني... المزيد
  • 10:38 . رئيس الدولة: زيارة الولايات المتحدة عبرت عن رغبة متبادلة في التعاون بين البلدين... المزيد

تركيا… فلسطين و«صفقة القرن»

الكـاتب : توران قشلاقجي
تاريخ الخبر: 06-02-2020

ما تزال منطقتنا تشهد حالة ضبابية تمضي بها إلى المجهول، وسط تصاعد أعمدة الدخان منها، فالأذهان مشتتة، حيث يتم تدمير حياة الأجيال القادمة بسبب قادة يقدمون مصالحهم الفردية على كل شيء. ومن بين أفضل الأمثلة على ما سلف، تحالف الخيانة الذي يطلق عليه اسم «صفقة القرن» المزعومة، لقد تدمرت حياة أطفال منطقتنا قبل 100 عام جراء تحالفات مثل اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور، واليوم كما البارحة، يريدون إحراق منطقتنا عبر «صفقة القرن» مجددا.
قبل 100 عام، نقشت في ذاكرة الأطفال، الإجابة التي أعطاها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لثيودور هرتزل أحد مؤسسي الحركة الصهيونية، حين طلب من عبد الحميد الثاني منحه أراضي في فلسطين، مقابل هبات وسداد ديون الدول العثمانية.
فقال له السلطان عبد الحميد «لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض، لأنها ليست ملك يميني، بل ملك شعبي الذي أسس هذه الإمبراطورية وسقاها بدمه، وإننا مستعدون لسقايتها بدمائنا مرة أخرى قبل أن تنسلخ منا».
طوال قرون طويلة دافع الأتراك عن فلسطين ضد جميع حملات غزوها، وأظهروا كل الاحترام والتقدير والتقديس للأماكن المقدسة في فلسطين، وقد وضعت الدولة العثمانية بصمتها في القدس، عبر تشييد العديد من الأماكن العمرانية والخدمات، ولهذا السبب أصبح اسم فلسطين والقدس متطابقا إلى حد كبير مع الهوية التركية.
في الحرب العالمية الأولى، اضطرت الدولة العثمانية إلى الانسحاب حزينةً من المنطقة، بعد أن انهزم جيشها أمام الجيوش البريطانية القادمة من مصر والحجاز والبحر؛ باستثناء 53 جنديا عثمانيا لم يسمح لهم كبرياؤهم الانسحاب، فبقوا يحرسون القدس. أحد هؤلاء الجنود والأصغرهم سنًا العريف حسن من ولاية إيغدير التركية (شرق)، الذي توفي سنة 1982. يقول عنه العالم الفلسطيني الشيخ عكرمة صبري، العريف حسن لم يترك المسجد الأقصى حتى 1982 وظل يحرسها إلى أن توفاه الله.

بعد أن انسحبت الدولة العثمانية من الأراضي العربية، تعرضت الأراضي الواقعة حاليا داخل الجمهورية التركية المعاصرة، لاحتلال من جميع الجهات من قِبل الروس والإنكليز والفرنسيين واليونانيين والإيطاليين، إلى أن تأسست الجمهورية التركية بعد الكفاح الوطني، الذي بذله الشعب التركي بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، كان كفاحا شارك فيه عدد كبير من العرب، رغم استمرار الخطط الغربية لتقسيم تركيا في هذه المرحلة أيضا.
وفي الوقت الذي اكتسبت فيه القضية الفلسطينية بعد دوليا، كانت تركيا تحدد في هذا الوقت سياساتها الخارجية، تحت وطأة التهديد الأمني، فحاولت تعزيز علاقاتها مع الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، بسبب مطالب الاتحاد السوفييتي الحصول على أراض في المضائق التركية وشرق منطقة الأناضول.
وبعد تأسيسها بفترة وجيزة، فتحت الجمهورية التركية أول قنصلياتها العامة في مدينة القدس عام 1925، ودعمت سرا وعلانية الحاج أمين الحسيني، أحد أهم قادة القضية الفلسطينية في ثلاثينيات القرن الماضي، وفتحت أبوابها أمام قادة القضية الفلسطينية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، رغم التغيرات الكبيرة التي شهدتها تركيا في المناحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه الفترة.
وخلال هذه الفترة، هرب الكثير من قادة القضية الفلسطينية إلى تركيا أمثال الحاج أمين الحسيني وعزة دروزة أو نفاهم الإنكليز إلى تركيا.
وقبل وفاة مصطفى كمال أتاتورك بسنة واحدة، حذر الدول الأوروبية، قائلا في مقابلة مع صحيفة «بومباي كرونيكل» عام 1937، «لا يمكن المسّ بفلسطين»، كما صوتت تركيا في الأمم المتحدة عام 1947 ضد قرار تقسيم فلسطين، واقفة بذلك إلى جانب الدول العربية. وفي مارس 1949، اعترفت حكومة حزب الشعب الجمهوري الحاكم في تركيا بدولة إسرائيل.

وفي هذه الفترة أيضا انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضمن مساعي البحث عن تحالفات ضد التهديد السوفييتي، وعززت علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي تلك الفترة شهدت تركيا حدثا مهما للغاية، ألا وهو مقتل التاجر والصناعي نوري كللي غل (1889-1949)، الشقيق الصغير لأنور باشا، أحد القادة والسياسيين المشهورين في الجيش العثماني والمعروف أيضا لدى العالم العربي، ويعتبر مؤسس الصناعات الدفاعية التركية، حيث أنشأ مصنعا في إسطنبول، صنع فيه المدافع، والهاون والرصاص المضاد للطائرات وقنابل الطائرات.
ورغم الإمكانات الضعيفة، كان نوري كللي غل، يصنع مختلف أنواع الأسلحة والذخيرة، ويبيعها لوزارة الدفاع التركية، ويصدرها إلى العديد من البلدان مثل، مصر وسوريا والجزائر وفلسطين وباكستان، كما أرسل الأسلحة إلى الفصائل الفلسطينية المقاومة بتلك الفترة.

في 2 مارس 1949، قتل نوري باشا مع 27 عاملا معه في مصنعه، الذي نُسف من قِبل بؤرٍ سرية، ووقعت هذه الحادثة في الشهر الذي اعترفت فيه تركيا بدولة إسرائيل. وحتى عام 1964 ظلت السياسة التركية حيال الشرق الأوسط وفلسطين تحت تأثير الخوف من الاتحاد السوفييتي، والأمركة، والتقليل من شأن دول المنطقة. في الستينيات، بدأ المجتمع التركي بانتقاد سياسات تركيا ذات التوجه الغربي؛ غير أن تغيرات طرأت على السياسة الخارجية لتركيا، خاصة بعد التطورات على الساحة الدولية، فأظهرت تركيا مزيدا من الاهتمام بعلاقاتها مع دول الشرق الأوسط، وعززت علاقاتها مع دول المؤتمر الإسلامي.

أردوغان: إن لم نتمكن من حماية خصوصية المسجد الأقصى، فلن نتمكن غدا من منع تحول عيون الشر نحو الكعبة

ومن أهم مؤشرات هذا التغيير، عدم سماح تركيا للولايات المتحدة باستخدام قاعدة إنجرليك الجوية لدعم إسرائيل في حرب 1967، ومشاركتها الفاعلة في تقديم المساعدات الإنسانية لفلسطين والدول العربية. بعد حرب عام 1967، وعلى وجه التحديد بعد أن احتلت إسرائيل، القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، منع القنصل العام لتركيا في القدس، محاولات الجنود الإسرائيليين وضع العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة، بعد اقتحام باحة الحرم الشريف.

كما أنّ إحراق المسجد الأقصى عام 1969، أدى إلى زيادة التقارب بين تركيا والدول العربية والإسلامية حيال فلسطين. واصلت تركيا اتباع سياسات مشابهة خلال حرب 1973، فأعلنت حينها أنها لن تسمح للولايات المتحدة باستخدام قواعد حلف الناتو على أراضيها لمساعدة إسرائيل؛ بينما سمحت للاتحاد السوفييتي باستخدام مجالها الجوي لنقل شحنات الأسلحة ولوازمها إلى مصر وسوريا.

وابتداء من الستينيات، ضمّت صوتها في جميع جلسات التصويت لدى الأمم المتحدة حيال القضية الفلسطينية مع أصوات الدول العربية، ومن بين القرارت التي صوتت تركيا لصالحها لدى الأمم المتحدة، القرار 3379، الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 (72 موافق، 35 رفض، 32 متحفظ) وأدرجت به الصهيونية كحركة عنصرية.
تركيا التي تواصل علاقاتها الرسمية مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1975، جاءت ضمن الدول التي اعترفت بدولة فلسطين من أول يوم من إعلانها في المنفى في 15 نوفمبر 1988. ورغم جميع الانتقادات، وافقت رئاسة مجلس الوزراء في تركيا بذلك الوقت، على مقترح رئيس الوزراء بولنت أجاويد بافتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في تركيا، رغم أن منظمة التحرير كانت تعتبر منظمة إرهابية لدى الدول الغربية حينها. وبهذا أصبحت تركيا أول بلد في حلف الناتو، يفتح ذراعيه أمام منظمة التحرير الفلسطينية، وفي 5 أكتوبر 1979 افتتح قائد منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات مكتب المنظمة في تركيا.
ياسر عرفات الذي كانت قدماه تطأ أراضي تركيا للمرة الأولى، التقى وقتها مع رئيس الوزراء بولنت أجاويد، حينها قال أجاويد في تصريح إن «تركيا تقرر دعم نضال الشعب الفلسطيني إلى النهاية، من أجل نيل كافة حقوقه المشروعة، بما فيها حقه في تأسيس دولته».

بعد عام 1980، تأثرت سياسة تركيا تجاه القضية الفلسطينية بعوامل الانعزال، والمشاكل الاقتصادية، التي جاءت بعد انقلاب عسكري؛ إلا أن ذلك لم يكن مانعا أمام تركيا من رفض ضم إسرائيل القدس الشرقية إليها عام 1980، وإعلان القدس عاصمة «موحدة وأبدية» لإسرائيل، فتركيا أعلنت أنها لن تعترف بفرض الأمر الواقع، وأن الحملة الإسرائيلية تتنافى مع القانون الدولي، فسحبت القائم بالأعمال التركي من تل أبيب، وخفضت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل إلى أدنى مستوى.

مع مؤتمر مدريد عام 1990، ومسار أوسلو ثم اتفاقية أوسلو عام 1993، دخلت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى منحى «التطبيع». في الأعوام التي تلت عام 2000، لعبت تركيا دورا نشيطا من أجل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فبذلت كافة الجهود من أجل إرساء السلام في المنطقة عبر استخدام ثقلها على الجانبين؛ غير أن عدم إيفاء إسرائيل بوعودها، بعد عام 2007، وشنها الهجمات على فلسطين، وممارستها العنف على الفلسطينيين، وحصارها لقطاع غزة، دفعت تركيا إلى اتخاذ موقف منها.
كما أن موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منتدى دافوس، حين قال كلمته الشهيرة «ون مينت» عام 2009، ثم هجوم إسرائيل على سفينة مافي مرمرة التركية، التي كانت ذاهبة بمساعدات إنسانية إلى غزة عام 2010، أظهر نفاق إسرائيل أمام العالم أجمع، لتدخل بذلك العلاقات التركية الإسرائيلية إلى «فترة الأزمات».
من غير الممكن إطلاقا أن تحيّد تركيا نفسها عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأسباب تاريخية وجغرافية وثقافية، ولن تكون في أحد الأيام غير مهتمة في هذا الشأن، حيث أن تركيا، رغم كافة العقبات، تواصل تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني عبر مؤسساتها الرسمية مثل، الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، والهلال الأحمر، وإدارة الكوارث والطوارئ، إلى جانب عشرات منظمات المجتمع المدني التركية. وإنّ تركيا لن تعترف إطلاقا بـ»صفقة القرن» المعلنة بهدف إنقاذ المستقبل السياسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ناهيك عن أنها تتنافى مع القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة والواقعين التاريخي والديني.

«إن تحالف القرن هذا، هو خطة لتجاهل حقوق الفلسطينيين وإضفاء الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي، فخطة منح القدس لإسرائيل غير مقبولة على الإطلاق»، بهذه الكلمات تحدث الرئيس التركي أردوغان عن صفقة القرن، وأضاف «إن لم نتمكن من حماية خصوصية المسجد الأقصى، فلن نتمكن غدا من منع تحول عيون الشر نحو الكعبة، لذلك نعتبر القدس خطنا الأحمر».