يرى موقع صحيفة ليزيكو الفرنسية أنه رغم أن كوفيد-19 يلحق دمارا بسكان العالم ويجعل اقتصادات القوى الكبرى في العالم تجثو على الركب، فإنه من ناحية أخرى أحدث تغييرات إيجابية عجز عنها الدبلوماسيون والسياسيون والنقابات والمتظاهرون والمنظمات غير الحكومية.
إنه كائن متناهي الصغر، لكنه قاتل بشكل فظيع، فتراه خلال بضعة أسابيع فقط يجعل الكثير من المستشفيات في كل أنحاء العالم تفيض بالمرضى، كما وضع أكثر من ثلاثة مليارات شخص قيد الإقامة الجبرية، ناهيك عن إغلاقه المصانع، بل يبدو أنه مصمم على إغراق الكوكب في كساد اقتصادي غير مسبوق، حسب الموقع.
لكن الموقع استدرك قائلا إن في كل شر بعض الخير، مضيفا أن كوفيد-19 أثار اضطرابات مفاجئة وغير مسبوقة تحقق من خلالها ما لم تحققه الدبلوماسية والسياسة والنقابات والاحتجاجات الشعبية وحتى الحروب في العقود الأخيرة، وأدى ذلك الدور بشكل حاسم وعلمي.
وعدد الموقع تحت خمسة عناوين كبيرة العديد من الأشياء التي قال إنها تخدم البشرية، ولولا كوفيد-19 لما تحققت:
أولا: انخفاض منقطع النظير في التلوث
كان الاعتقاد السائد منذ بداية عام 2020 أن الأرض وصلت نقطة اللاعودة فيما يخص التلوث، فقد تضاعفت الكوارث الطبيعية واجتاحت الحرائق أستراليا مما أدى لانقراض مئات الأنواع من الحيوانات، ولم يعد الناس في المدن يستطيعون التنفس.
وظهرت مبادرات هنا وهناك لإجبار حكومات العالم على اتخاذ إجراءات للحد من التلوث، وبدأ بعض عمد المدن الكبيرة مثل باريس يفكرون في وضع حد لحركة السيارات داخل مدنهم، وجاء كوفيد-19 بالحل، فلم تعد توجد سيارة تقريبا في الشرايين الرئيسية للمدن، وتوقفت المصانع عن العمل وبتوقفها توقف انبعاث ثاني أكسيد النتروجين والجسيمات الدقيقة الضارة.
وقد أظهرت صور الأقمار الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" انخفاضا كبيرا في التلوث المنبعث من السيارات ومحطات الطاقة الحرارية بالصين، كما ظهرت الظاهرة نفسها في شمال إيطاليا بعد الإغلاق.
ثانيا: تهدئة النزاعات في العالم
يبدو أن لكوفيد-19 القدرة أيضا على استنفاد طاقة المحاربين، إذ جرى إعلان وقف إطلاق النار أو على الأقل ذكره في الأيام الأخيرة في نزاعات عبر العالم كحرب العصابات التي تشهدها الفلبين منذ عقود، وكذلك النزاع في الكاميرون، وحتى في سوريا التي هي أكثر الصراعات دموية على كوكب الأرض، كما تسبب الخوف من هذا الفيروس في وضع حد لأزمة الهجرة التي هددت الحدود اليونانية التركية.
ثالثا: الدولة تضع يدها على السوق
في مواجهة الصدمة الاقتصادية غير المسبوقة التي أصابتها، تدخلت الدول في السوق بشكل لم يسبق له مثيل، فضخت مئات المليارات للحيلولة دون حدوث كساد ستنجم عنه كارثة اقتصادية كبيرة، لدرجة أن الداعين للمساعدات الاجتماعية تجاوزتهم الأحداث، وألمانيا التي كانت دائما تمانع تفاقم الدين العام سمحت لكل دول الاتحاد الأوروبي بالاقتراض دون أي سقف محدد.
رابعا: فاتورة اجتماعية غير محدودة
في فرنسا، وجد أصحاب السترات الصفراء أن كوفيد-19 كان أقوى منهم، إذ دفع خلال أسابيع فقط الحكومة ليس فقط إلى إلغاء ميثاق الاستقرار المالي الذي كانوا يعارضونه بل حتى إلى تأجيل قانون التقاعد كذلك، وفي إيطاليا حظرت الحكومة أي تسريح للعمال، وحتى في الولايات المتحدة قرر البيت الأبيض دفع مساعدات مالية للعاطلين عن العمل وتوزيع صكوك بــ1200 دولار على كل أميركي يقل راتبه عن 75 ألف دولار في العام.
خامسا: آثار جانبية مفاجئة
كما تباطأ الاتجار بالمخدرات بسبب إغلاق الحدود ونتيجة لإجراءات الحجر الصحي وتفتيش الشرطة، وتقلص عدد عمليات السطو وقطع الطرق نتيجة حظر التجول كما تم بالفعل أو سيتم الإفراج عن آلاف السجناء للحيلولة دون إصابتهم بالعدوى في السجن، هذا هو ما سيحصل في فرنسا وتركيا حيث سيطلق سراح ما لا يقل عن 45000 سجين، وأخيرا يُحظر الآن بيع البنغول والخفافيش، المشتبه بشدة في كونها هي مصدر كوفيد-19 في الأسواق الصينية.
لقد لعب الفيروس أدوارا أخرى في عالمنا المزدحم، فقد ساعد في تأجيل سلسلة من الانتخابات، بما في ذلك الانتخابات التمهيدية الأميركية في ولايات لويزيانا وجورجيا، والانتخابات الرئاسية في بوليفيا والانتخابات التشريعية في صربيا المقرر إجراؤها في الربيع، وتأثر به عيد الفصح، ويمكن أن يتأثر به شهر رمضان، الذي يبدأ في 23 أبريل الحالي، والذي يتوقع أن يصام هذه السنة خلف الأبواب دونما تجمعات.