أحدث الأخبار
  • 01:08 . ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز على ألافيس في الدوري الإسباني... المزيد
  • 12:39 . خسائر غزة البشرية والمادية بعد عام من العدوان الإسرائيلي... المزيد
  • 12:17 . ما مصير قائد فيلق القدس الإيراني ببعد استهدافه في لبنان؟... المزيد
  • 11:04 . إعلام عبري: "إسرائيل" تدرس قصف مقر خامنئي في إيران... المزيد
  • 09:29 . مجلس الوزراء يناقش مستجدات تنظيم نقل النفايات بين الإمارات ودعم الاستثمارات في البنية التحتية... المزيد
  • 07:09 . في ذكرى طوفان الأقصى.. استطلاع: 86 بالمئة من الإسرائيليين غير مستعدين للعيش بمحاذاة غزة... المزيد
  • 07:07 . مقتل شرطية إسرائيلية وإصابة 13 بعملية مزدوجة في بئر السبع... المزيد
  • 07:06 . رئيس الدولة وملك الأردن يبحثان العلاقات وتطورات الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان... المزيد
  • 12:17 . الأرصاد: تأثر الدولة بامتداد منخفض جوي سطحي من الأحد إلى الأربعاء... المزيد
  • 11:20 . أكثر من 110 شهداء وجرحى.. جيش الاحتلال يرتكب مجزرة جديدة في غزة... المزيد
  • 11:08 . قرقاش: الإمارات ستواصل جهودها لتخفيف معاناة الشعب اللبناني... المزيد
  • 10:48 . رئيس الدولة ونظيره الصربي يبحثان في بلغراد تعزيز الشراكة الإستراتيجية... المزيد
  • 10:28 . هاتريك تورام يقود إنتر ميلان للفوز على تورينو بالدوري الإيطالي... المزيد
  • 10:27 . ريال مدريد يفوز على فياريال بالدوري الإسباني... المزيد
  • 10:26 . الجيش الإسرائيلي: قصفنا مواقع لتخزين أسلحة لـ”حزب الله” في بيروت... المزيد
  • 09:21 . بعد تفجيرات لبنان.. طيران الإمارات تحظر أجهزة الاتصال اللاسلكية... المزيد

العنصرية في زمن كورونا.. رِدّة فرنسية إلى سنوات الاستعمار

الكـاتب : آلاء زارع
تاريخ الخبر: 10-04-2020

"أنا أمقت العنصرية، لأنني أعتبرها شيئًا همجياً، سواء جاءت من رجل أسود أو رجل أبيض». موقف شديد اللهجة عابر لجميع الاعتبارات، يندد بالعنصرية، حمل توقيع المناضل الأفريقي نيلسون مانديلا، منذ عقود التمييز العرقي في جنوب إفريقيا. ولكن المناضل العالمي لم يكن يعلم أنه بعد رحيله يمكن أن يُطرح أي نقاش عن العنصرية، في سياق إحيائها، حتى صُدم العالم برمته بتصريحات ومواقف عنصرية فجة مصدرها باريس، لم تناقض فقط مبادئ ثورتها الفرنسية، وإنما تعيد أيضا، مجددا وبشكل مؤسف أطروحات العنصرية والفوقية.

إن فرنسا صاحبة ادعاءات الحرية والمساواة، سقطت في وحل نزعاتها العنصرية، كاشفة عن إنسانية مهترئة عاشت بها عمرًا متسترًة خلف أخلاقيات مصطنعة، حملتها ضمن حقائب رحلة العودة من مستعمرات العهود البائدة، وحاولت أن تجعلها منتوجًا خاصًا وحكرًا على صاحب القبعات، إلا أنها ما لبثت أن تحطمت على صخرة فيروس قديم جديد لا يرى بالعين المجردة، ولكنه، ودون الحاجة إلى أي مجهر من أي نوع كان، فضح عورات العنصرية المتجذرة في أعماق دعاة التحضر.

الأمر هنا لا ينسحب إلى الحديث عن سطو على معدات طبية هنا، ومنع عبور أسباب الحياة هناك، أو اتحاد قاري من ورق، برهن على هشاشة، طالما تمترست خلف قوميات متعالية، أغلق أبوابه في وجه مكوناته دون تقديم المساعدات، أو تبادل الاتهامات مع العم سام والمؤسسات الدولية التي صنعها على عينه ليبتز  بها العالم.

إنما الأمر، هنا، يتعلق بأبسط مقومات القيم الإنسانية؛ مساواة بديهية تمنح حق الحياة دون أفضلية لأبيض على أسود أو شرقي على غربي. واللافت أنها ربما تلك هي الشعارات التي عاش الغرب يتغنى بها لمحو وحشية استغلاله للدول والشعوب التي استعمرها، وطمّس على وقعها ذاكرة الماضي القريب، ثم ما لبث أن أجبره «كوفيد-19»، على الظهور بوجه الحقيقي الذي يرى بـ"الأغيار" فئران تجارب لمصل ينقذ هذا العنصري أولًا؛  قبل أن يستخدمه سلاحًا بعد ذلك لابتزاز الدرجات الأدنى من شعوب لا تملك صك العيش الكريم.

موقف مانديلا، والذي كافح حتى الرمق الأخير من أجل ذبح التمييز العنصري من الوريد إلى الوريد، ليحقق ما اعتبره آنذاك نصرًا مؤزرًا، دفعه لأن يرفع لافتة: "أبدًا لن تشهد هذه الأرض الجميلة مرة أخرى اضطهاد البعض للآخرين". ولو أن المناضل عاش إلى زمن كورونا، لربما تغيرت المفاهيم، في ظل تلك الردة الإنسانية إلى حقب الظلام، بعدما أطل طبيبان فرنسيان "من أبناء عاصمة النور" يطالبان بتجربة مصل جديد على شعوب القارة السمراء البائسة، واختبار النتائج على «فئران المعامل» للفيروس الذي ضرب مفاصل العالم، و يفتك دون رحمة بإمبراطوريات الغرب، ولكنه عجز عن اجتثاث التفكير العنصري.

الطبيب جان بول ميرا، رئيس قسم الطوارئ بمستشفى كوشان في باريس، لم يعبر عن نفسه فقط، عندما طالب دون خجل، وعلى رؤوس الأشهاد عبر قناة «LCI»، أن يتم اختبار لقاح السل «BCG على مصابي كورونا من الأفارقة، وساق صاحب الرداء الأبيض المرقع بالعنصرية، العديد من المبررات التي تزيد من وقاحة الطرح.

الطبيب بدلًا من الدعوة إلى مد إفريقيا الفقيرة بالمعدات الطبية لمواجهة الوباء، قرر أن يعيّر تلك الشعوب بشح الأقنعة والقفزات والافتقار إلى الأدوية وغرف العناية المجهزة، ليختبر العقار على المهمشين في تلك الأرض، ولكن نسي أو تناسي أن لغة الأرقام لا تكذب، وإنما تفضح كيف تعامل العالم الثالث مع الوباء بينما سقط الغرب المتحضر في براثنه.

أرقام «كوفيد-19»، تدلل على أن المرض نهش بضراوة أصحاب الأقنعة والتجهيزات، ونخر في الجسد الغربي، بحصاد قاسٍ من الوفيات والإصابات، بينما في إفريقيا كانت الإجراءات أسرع، والتعامل أكثر فاعلية، والالتزام أكبر نضجًا، والنتائج أجدى نفعًا.

طرح ميرا، توافق إلى حد التطابق مع موقف شريكه كاميل لوكت، المدير العام للمعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية، بالمضي قدمًا في استخلاص النتائج من التجارب على الإفريقي المستضعف، على غرار اختبار عقارات الإيدز على "العاهرات" على حد وصفه، أو بائعات الهوى باعتبارهن الأكثر عرضه للأمراض.

ولأن التغير الذي طرأ على خارطة العالم، ولا يزال مرشحًا لمزيد من التغيرات الجذرية في دنيا ما بعد كورونا، لم يعد يقبل بردة عنصرية تعيد البشرية إلى المربع صفر. لقد خرجت إفريقيا التي يكافح أطبائها في مستشفيات أوروبا لإنقاذ المنكوبين، عندما اختفى أصحاب الأرض إلا قليل منهم- خرجت في ثورة غضب عارمة لا تطالب فقط بالاعتذار وإنما بالمحاكمة والإدانة ومن ثم المحاسبة.

شرارة التحرك الإفريقي الناضج، قدحها نادي المحامين في المغرب، عبر دعوى قضائية في عقر دار الطبيبين، بعدما وصف المقترح بالبغيض والعنصري، واتهم الثنائي غير الإنساني أمام المدعي العام الفرنسي بتهمة التشهير العرقي.

وتوالت صيحات الاستهجان بالتوازي، بعدما دشن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وسوم "أفريقيا ليست مختبرًا"، ينطق بلسان أطباء العنصرية، ويتخطاه إلى غيرها من لغات الغرب لتصل الرسالة كاملة أن "الأفارقة ليسوا فئران تجارب"، كما حملت منصة العرائض الإلكترونية "تشينج"، عريضة لرفض الطرح الذي يتجاوز حدود اللياقة بين الأمم والشعوب على الأقل.

ولأن الحديث متلفز، والعبارات واضحة لا تقبل التأويل، والعنصرية تقطر من ثنايا سخرية مقيتة في الطرح، وصف النجم الكاميروني صامويل إيتو، لاعب فريق برشلونة السابق لكرة القدم، الطبيبين بـ«الأوغاد»، وصب الإيفواري ديديه دروجبا، نجم تشيلسي الإنجليزي، غضبه على تلك النظرة المثيرة للاشمئزاز، مشددًا أنه طرح غير مقبول جملة وتفصيلا.

لقد دفعت فورة الغضب المتصاعدة والتصعيدية، المسؤولين الفرنسيين إلى الخروج السريع لغسل هذه الشوفانية المقيتة، والتبرؤ من تلك الأصوات الكاشفة. فعضو البرلمان الفرنسي "أوليفير فاور"، وصف المقترح بالعنصرية التي تتجاوز حدود الاستفزاز، لأن إفريقيا، ببساطة، ليست حقل تجارب للقارة العجوز. ومن جهتها،  رفضت وزيرة التعليم الفرنسية السابقة، نجاة بلقاسم، ذات الأصول الإفريقية، الطرح برمته، مشددة على أنه لا يمكن قبول هذا الابتذال.  أما السفارة الفرنسية في جنوب إفريقيا، فقد اعتذرت قائلة: "لقد صدمنا بشدة من التعليقات، التي لا تعكس بالطبع موقف باريس"، على حد تعبيرها.

ربما كان يتوقف المشهد هنا جزئيًا، وينخفض إيقاع الانتقادات تدريجيًا مع تتابع الاعتذارات، غير أن المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي، حاول التقليل من وقع حديث الطبيب المنتمي إلى أروقته، زاعما أن تلك الدعاوى مفكرة وتندرج تحت فهم خاطئ، حيث أن التجارب السريرية لاختبار اللقاح ضد كورونا سيتم إجراؤها في دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا والنمسا وغيرها، مع التفكير في توسيع التجارب لتشمل أفريقيا بشكل متوازٍ. ولم ينس "لوكت" تقديم اعتذار مقتضب باعتبار أنه لم يقصد التلفظ بكلمات عنصرية، بقدر المساعي إلى أن تعم ثمار الأبحاث في ربوع المعمورة.

خلاصة القول، العنصرية في أوروبا تلمس باليدين، ويمتد أثرها إلى كافة مناحي الحياة لتعكس أزمة بشرية ونظرة استعلاء غير محقة وغير عادلة، توالت على وقعها العديد من الحوادث التي طالت الأغيار في الدين أو اللون أو الجنس، لا تخطئها عين في ملاعب كرة القدم، ويمكن تتبعها في شاشات التلفاز، والبرامج الجادة والساخرة، حتى وإن توارت تحت تصريحات المسؤولين، وهو المشهد الذي لخصته الصحفية سهام أسباغ: "الاستعمار لم ينته بعد، وما هذه العنصرية إلا دليل على استمرار الاستعمار".