بعد الصومال وليبيا والعراق وسوريا وغيرها من الساحات، تحاول أبوظبي “مناكفة” تركيا مجدداً ولكن هذه المرة من خلال اليونان وعلى بعد أميال قليلة من السواحل التركية وقرب حدودها البرية، في خطوة غير مسبوقة فتحت الباب أمام التساؤلات حول الجهة التي مدت أبوظبي بهذه الجرأة وما إن كانت بالفعل تمتلك القدرات العسكرية لتحمل عواقب هذه الخطوة في حال تحركت تركيا ضدها.
فالجمعة 28 أغسطس، أعلنت وزارة الدفاع اليونانية وصول 9 طائرات حربية إماراتية إلى قاعدة “سودا” بجزيرة كريت للمشاركة في مناورات عسكرية مشتركة، موضحةً أن من بين الطائرات التي وصلت إلى القاعدة 4 مقاتلات إف-16، وطائرة نقل سي-130 و3 طائرات نقل من نوع سي-17. وأوضحت هيئة أركان الجيش اليوناني أنه خلال التدريبات سيتم التدرب على التعاون بين القوات الجوية اليونانية والإماراتية بهدف زيادة الاستعداد لتنفيذ المهام وتطوير القدرات القتالية.
ووضعت الصحف والمواقع التركية عناوين رئيسية من قبيل “استفزاز كبير من قبل الإمارات لتركيا”، و”الإمارات تحاول استفزاز تركيا بكافة السبل”، “شرق المتوسط.. ساحة جديدة للتخريب الإماراتي ضد تركيا”، في حين كتب العديد من المحللين والمختصين حول ضرورة أن تضع تركيا مبكراً “حداً للاستفزازات الإماراتية وألا تسمح لها بالعبث في شرق المتوسط”.
وعلى الرغم من أن الجهات السياسية والعسكرية في تركيا تنظر بخطورة بالغة لقرار الإمارات إرسال طائرات حربية لإجراء مناورات مع اليونان قرب السواحل التركية، إلا أن التقديرات حتى الآن تشير إلى أن الخطوة رمزية وإعلامية أكثر من كونها خطوة حقيقية.
وتشير التقديرات الرسمية التركية إلى أن الطائرات الإماراتية ربما تشارك بالفعل في مناورات مع اليونان داخل المناطق البرية والبحرية اليونانية الخالصة، وهو أمر رغم خطورته إلا أنه لا يتيح لتركيا التدخل عسكرياً حيث سيعتبر بمثابة اعتداء على الأراضي التركية.
إلا أن هذا التقدير يبقى قائماً في حال كان الأمر لا يتجاوز حدود مناورات شكلية داخل الأراضي اليونانية، ولكن في حال تجاوز الأمر ذلك وحاولت الإمارات تأسيس تواجد عسكري أكبر لها على حدود تركيا أو اتخاذها منطلقاً للقيام بأعمال عدائية ضدها -ورغم أن التقديرات بأن هذا الأمر يتجاوز حجم الإمارات وقدرتها على المناورة- قد يدفع تركيا للتحرك ضدها عسكرياً ولو على الأراضي اليونانية باعتبارها تشكل تهديداً على الأمن القومي التركي ومن منطلق حماية حدودها.
لكن السيناريو الذي بات محسوماً في تركيا على المستويين السياسي والعسكري هو لجوء الإمارات لاستفزاز تركيا بشكل مباشر والمشاركة في المناورات بالمناطق التي تعتبرها تركيا تابعة لها في شرق البحر المتوسط أو المصنفة بأنها متنازع عليها، وفي هذه الحالة يعتقد أن الجيش التركي لديه تعليمات حاسمة بالتعامل معها عسكرياً على الفور.
وكان مصدر تركي خاص لـ”القدس العربي” رفض الكشف عن اسمه أكد أن تركيا “لن تتردد في إسقاط أي طائرة إماراتية تقترب من المياه التركية أو مناطق عمل سفينة أوروتش رئيس في محيط جزيرة كريت شرق البحر المتوسط”، مشدداً على أن “الإمارات تحاول لعب دور أكبر من حجمها وهي تلعب بالنار، وفي حال تجاوزها الخطوط الحمر أو اقترابها من المياه التركية سوف تلقى رداً قاسياً”، وهو ما ألمح له كثير من الخبراء السياسيين والعسكريين الأتراك في مقالات وكتابات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتبر محللون أتراك أن مجيء الإمارات إلى شرق المتوسط “فرصة مناسبة جداً لتركيا” للقيام بتحرك عسكري جاد ضدها “لتلقينها درساً ومحاسبتها على أفعالها المعادية لتركيا في مناطق مختلفة”، فيما اعتبر آخرون أنها “فرصة لتوجيه ضربة للإمارات وإظهار القوة التركية لباقي الأطراف الدولية”، معتبرين أن أبو ظبي ستكون عاجزة عن القيام بأي شيء ضد تركيا حتى لو تلقت الضربة، لا سيما وأن هناك اعتقاداً واسعاً بأن طائرات إماراتية هي من هاجمت الأنظمة العسكرية التركية في قاعدة الوطية الجوية قرب طرابلس بليبيا، وأن أنقرة مصرة على الانتقام من الإمارات عسكرياً على هذه الفعلة.
وعلى الرغم من عدم وجود مجال للمقارنة بين قدرات الجيش التركي والقدرات العسكرية للإمارات، حيث يمتلك الجيش التركي عشرات أضعاف القوات والطائرات والسفن العسكرية الإماراتية، إلا أن الحديث لا يدور عن مواجهة عسكرية مباشرة وإنما مناكفات تلجأ إليها الإمارات للضغط على تركيا التي تتهم أبو ظبي إلى جانب عدد من حلفائها بتقديم الدعم للانقلابي خليفة حفتر ضد التواجد التركي هناك، ودعم جماعة “الشباب” في الصومال، ودعم تنظيم بي كا كا في سوريا والعراق، ضد المصالح التركية.
كما تحاول الإمارات اللعب على وتر الخلافات التركية اليونانية للتقارب مع أثينا والحصول على دعمها، إلى جانب الاحتماء بمصر الواقعة ضد الضغوط الإماراتية بفعل الدعم المالي الذي قدمته أبو ظبي للرئيس السيسي، إلا أن العامل المستجد في هذه المعادلة هو التقديرات التركية بأن أبو ظبي تحاول الاحتماء بإسرائيل للضغط على تركيا ومناكفتها في شرق المتوسط لتحقيق مصالح مشتركة للبلدين.
ووجه تقرير للتلفزيون التركي الرسمي تي أر تي ما يمكن اعتباره تهديداً للإمارات بأن إسرائيل لن تستطيع حمايتها من “الحساب التركي”، وجاء فيه: “أقحمت الإمارات نفسها في تصعيد يعصف بشرق المتوسط بسبب مساعي اليونان مدعومةً من إسرائيل للاستيلاء على الثروات متجاهلةً حق تركيا، وتشارك أبو ظبي التي وقّعت اتفاقاً مع تل أبيب يشمل الدعم العسكري، بمناورات مع أثينا قريباً من سفن تركية، فهل تحميها إسرائيل؟”.
كما أنه ومهما امتلكت الإمارات من قدرات عسكرية ودعم من حلفاء لها إلا أن شرق المتوسط يبقى ساحة مفتوحة أمام تركيا المطلة عليه بقواعدها الجوية وسفتها الحربية، مقابل تواجد رمزي لعدد من الطائرات الإماراتية القادمة من بعيد ولن يكون بمقدورها المجازفة والدخول في مناورة قد تجلب رد فعل تركياً، لا سيما وأن اليونان التي تحتمي بها الإمارات ما زالت تسعى للحصول على دعم أوروبي لها لقناعتها بعدم قدرتها على الوقوف في وجه تركيا عسكرياً لو حصلت مواجهة بينهما.
وفي لقاء تلفزيوني مع قناة الجزيرة القطرية، الشهر الماضي، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أقار إن الإمارات أضرت بليبيا وسوريا، وإن تركيا ستحاسبها على ما فعلته في الوقت والزمان المناسبين، واصفاً إياها بالدولة “الوظيفية” التي تخدم غيرها سياسياً أو عسكرياً، ويجري استخدامها واستغلالها عن بُعد. وأشار أقار إلى أن “الإمارات تدعم المنظمات الإرهابية المعادية لتركيا قصد الإضرار بأنقرة”، داعياً إياها لأن تنظر إلى ما وصفه بـ”ضآلة حجمها ومدى تأثيرها وألا تنشر الفتنة والفساد”، وفق ما أوردته صحيفة "القدس العربي".