هُنالك تخوف حقيقي في الغرب، خصوصاً من القوى الليبرالية واليسارية، من تنامي صعود التيارات المحافظة في الغرب. وقد تمثل صعود التيار الفرنسي المتطرف في حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات الأوروبية الأخيرة بنسبة 25 في المائة من الأصوات، متجاوزاً اليسار الاشتراكي الحاكم في فرنسا بأكثر من 10 في المائة من الأصوات ومتجاوزاً التيار الديجولي بخمسة في المائة. وفي بريطانيا حصل اليمين البريطاني الذي يرفض الانضمام للاتحاد الأوروبي على نسب فاجأت المراقبين.
وفي الولايات المتحدة هنالك جدل حول صعود «حزب الشاي» اليميني الذي يطرح أفكاراً جديدة أكثر تطرفاً، إذ يطالب بإصلاحات جذرية في العمل الحكومي، ويرفع للمواطنين شعاراً يقول: «نحن لن نعمل أي شيء لصالحك كمواطن، ولكننا نتعهد بإبعاد الحكومة عنك وتركك تعمل لمصلحتك»، بمعنى أن الحزب يعمل لتشجيع المبادرات الفردية التي تدعوا لها الرأسمالية التقليدية بإبعاد الحكومة عن التدخل في عمل الأفراد. المحافظون الجدد يرفضون خطط الحكومة بتقديم المساعدات الصحية للفقراء في الولايات المتحدة أو حتى دعم الطبقات الفقيرة. فهم يعارضون الأفكار التي تدعو لها القوى اليسارية والليبرالية بتحديد الرواتب الدنيا للعمال ودعم الطبقة الوسطى.
والسؤال هو: لماذا ارتفعت أصوات الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب؟
هنالك أسباب كثيرة لصعود اليمين الغربي أهمها تزايد المعارضة للمشروع الأوروبي ودستور الاتحاد الأوروبي، علاوة على تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة في أكثر من دولة أوروبة. فيما يعود السبب الثالث إلى فقدان الثقة بالسياسيين في الغرب؛ فالناخب الغربي فقد الثقة بممثليه وبالسياسيين على العموم لأنهم عجزوا عن تحقيق المطالب الشعبية التي يطالب بها أغلبية الناخبين.
كل هذه الأسباب دفعت بالناخبين للاقتراع والتصويت للمحافظين الجدد بحثاً عن بديل أفضل قد يجدونه في اليمين المتطرف.
ماذا يعني صعود اليمين إلى سدة الحكم في أوروبا بالنسبة لنا نحن العرب والمسلمين؟
أعتقد أننا سنكون أول ضححايا التحولات الجديدة في الغرب؟ فالعرب تقليدياً لهم علاقة وثيقة مع اليسار الغربي والأحزاب الليبرالية والاشتراكية المعتدلة.. فهذه التيارات ذات نزعة إنسانية ولديها احترام كبير لحقوق الإنسان، وقد وقفت معنا في قضية فلسطين، وساعدت في فتح باب الهجرة للأجانب لدخول أوروبا. لكن تزايد أعداد المهاجرين العرب للغرب، وازدياد التطرف الديني لدى الجاليات العربية والإسلامية، حتى بين الجيل الثالث من شباب المهاجرين، مما أدى إلى قيام بعض الإرهابيين والمتطرفين بعمليات إرهابية في كل من بريطانيا وإسبانيا وفرنسا وغيرهما، خلق مخاوف جديدة بين الشعوب الأوروبية من انتشار الإرهاب في بلدانها، خصوصاً بعد انخراط المئات من شباب أوروبا العرب والمسلمين في الأعمال الجهادية الإرهابية في سوريا.
لتلك الأسباب اتخذت بعض الدول الأوروبية خطوات قوية بسحب الجنسية من أي مواطن بريطاني ينخرط في العمل الجهادي.
وأخيراً نحن العرب والمسلمين، ولا أحد غيرنا، ساهمنا في انتشار حالات التطرف والتحول إلى اليمين الديني في أوروبا، وعلينا أن نتخذ سياسات معتدلة منفتحة على العالم حتى يتم قبولنا فيه.