وفي رحاب الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك، تنعقد مجالس العلم والعلماء التي تحرص قيادتنا الرشيدة على نشرها في صورة من صور الحرص على نشر العلم والمعرفة في أوسع شرائح المجتمع، وفي الوقت ذاته تعبر عن مقدار اعتزازها بالعلماء ورثة الأنبياء، وعلى وجه الخصوص علماء الدين الذي يقدمون وسطية الإسلام ورسالته العظيمة ونهجه السامي في بناء الأفراد والمجتمعات والدول على حد سواء.
ومن هذا المنطلق أصبح المجلس العامر للفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة منارة إشعاع ديني وفكري وعلمي، وهو يحتضن على مدار العام مفكرين وعلماء ومتحدثين في شتى دروب العلم والمعرفة، ومن أصحاب التجارب والخبرات الناجحة على مستوى العالم. وفي الشهر الفضيل يكتسب المجلس زخما معرفيا تكثف فيه المحاضرات والندوات، مما يضفي على ليالي رمضان العاصمة بهاءً ورونقاً.
مساء الأربعاء الماضي كنا على موعد مع باكورة أنشطة المجلس الرمضانية، وبحضور سموه مع محاضرة قيمة للدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، وكانت بعنوان “صناعة الإنسان في منظومة الوحي”. وقد تناولتها الصحف بإسهاب في تغطيتها للمحاضرة التي عرفتنا عن قرب بعالم جليل وأكاديمي متمكن في مجاله من العلماء الفاضل الذي يزخر بهم ذلك القطر الشقيق العزيز علينا والقريب من قلوبنا رغم البعد الجغرافي.
وحلّق الدكتور عبادي بالحضور في آفاق محاور حديثه الذي انطلق من تفرد الخالق عز وجل في خلقه للكون والإنسان، باعتبار المخلوق كائنا مسؤولاً عن “إدخال هاديات الوحي بالكدح والمكابدة إلى مجاله البشري بخلاف الكائنات الأخرى”. وما بسطه له الخالق تبارك وتعالى للاضطلاع بمهام الاستخلاف في الأرض من الخلق السوي والإدراك والعلم والوحي والكون ومنظومة الأخلاق الوظيفية، مستشهداً أمام النموذج الملهم الذي نجحت في بنائه دولة الإمارات العربية المتحدة بالعمل الجاد والمتواصل والقائم على رؤية واضحة تستند لكل تلك المفاهيم التي جاء بها الإسلام وأكد عليها، وبالذات العمل كقيمة سامية، ومنظومة القيم التي حث فيها على التعاون والتعارف والانفتاح والتسامح وحسن التعايش، وهي كل تلك القيم التي انصهرت لتبني تجربة الإمارات الملهمة.
وهي تجربة انطلقت من إيمان القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بقدرات وطاقات شعبه انطلاقا من قيمة العمل والتعاون وتوكله على الله. وها هي اليوم الإمارات صرح شامخ وواحة أمن وأمان ورخاء وازدهار بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وقد أصبح نموذج الإمارات رمز ساطعاً لقدرات الإنسان وقوته على تحقيق المعجزات عندما تتوافر له الرؤية والإرادة، ويجتمع مع الآخرين على الخير والبناء، بعيداً عن مظاهر التناحر والدمار والحروب العبثية التي جنت بها عليه ثقافة الإقصاء والفناء التي ازدهرت ونشطت جراء انتشار من يتصدون للإفتاء في أمور الدنيا والدين من أشباه العلماء الذين ابتليت بهم هذه الأمة العظيمة، والتي وصفها الخالق عز وجل في كتابه المجيد “كنتم خير أمة أخرجت للناس”. ونسأل الله أن يديم النعم على الإمارات ويحفظها منارة للخير.