يشكل العدوان الإسرائيلي اختباراً فعلياً لمختلف الأطراف الفاعلة في الصراع العربي- الإسرائيلي، ولتحديد التغيرات التي طرأت على موازين القوى وحدود حرية الحركة الإسرائيلية في ضوء إعادة تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط، فإسرائيل تريد استغلال الأوضاع الإقليمية في العراق وسوريا، وكذلك واقع تفكك تحالفات حركة «حماس» مع مصر وسوريا لإنهاء المقاومة الفلسطينية بتدمير البنية التحتية واستهداف المقاومة الفلسطينية بتوجيه ضربة مؤلمة لـ«حماس» ولحركات المقاومة الفلسطينية الأخرى، وتعزيز قوة الردع الإسرائيلية محاولة تدمير شبكة إطلاق الصواريخ وتقليص الأضرار بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، ولكن من المرجح أن تكون عملية «الجرف الصامد» العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضد «حماس» محدودة النطاق، فإسرائيل ووفقاً للعقيدة العسكرية الإسرائيلية لا تريد لها أن تتحول إلى مواجهة واسعة قد تتحول إلى انتفاضة ثالثة. ولكن ما هي انعكاسات العدوان الإسرائيلي على أطراف الصراع الرئيسية: إسرائيل، السلطة الفلسطينية، و«حماس»؟ وما هي الأهداف السياسية والأمنية للعمليات العسكرية؟ وهل يكون التصعيد مقدمة للتهدئة؟
منذ الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وحتى الآن، تسيطر كتلة المعسكر اليميني بزعامة نتنياهو على الحكومة الإسرائيلية، وقد باءت محاولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة من أجل تسوية الصراع في الشرق الأوسط بالفشل، فلم يتم التوصل إلى معاهدة السلام المطلوبة في الأصل بين إسرائيل والفلسطينيين، ولا حتى إلى مجرد «اتفاقية إطارية»، فلا يتصور إمكانية الوصول إلى حل وسط مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.
أما على الجانب الفلسطيني، فالرئيس عباس يحكم منذ عام 2009 تقريباً بموجب قانون الطوارئ، ولم يتم إجراء أية انتخابات برلمانية أو رئاسية رسمية منذ انتخابات 2006 التي فازت فيها حركة «حماس»، فواقعياً لم يعد أمام حركتي «حماس» و«فتح» أي بديل عن التحالف لإيجاد تمثيل سياسي شرعي، فكانت المصالحة الفلسطينية الداخلية التي حملت اسم «اتفاق الشاطئ». ولكن حكومة نتنياهو لا تريد المصالحة الفلسطينية، فقد أعلن نتنياهو أنه لن يستمر في التفاوض مع الفلسطينيين إذا كانت هناك حكومة مدعومة ممن وصفهم بـ«إرهابيي حماس»، الذين يريدون، بحسب تعبيره، تدمير إسرائيل.
ومنذ حرب غزة في عام 2012 تحاول «حماس» الالتزام بالهدنة المتفق عليها مع إسرائيل ولم ترفض محادثات كيري، بل سعت للمصالحة الفلسطينية، ويعاني قطاع غزة حصاراً مزدوجاً بعد إغلاق الأنفاق من الجانب المصري، ما أحكم الحصار على غزة في الوقت الذي تمنع فيه إسرائيل نقل البضائع والأشخاص من وإلى قطاع غزة، ولم تتمكن السلطة من دفع رواتب موظفي دوائرها في القطاع، فالأوضاع الإنسانية في غزة من سيئ إلى أسوأ، وفي الوقت ذاته تدرك «حماس» أن إسرائيل لا ترغب في إعادة احتلال قطاع غزة أو تتحمل المسؤولية الكاملة عنه. أما قيادة حركة «فتح» أو السلطة الفلسطينية فهي أضعف من أن توجد أو تسيطر على قطاع غزة، ومصر غير مستعدة لتولي مسؤولية القطاع، فإسرائيل ليس لديها بديل واقعي للتفاوض معه غير «حماس» على رغم التصريحات الإعلامية لحكومة نتنياهو.
أين تكمن مصلحة «حماس»؟ ليس من مصلحة الحركة جر إسرائيل إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، ففي معادلة القوة لـ«حماس» قدرة محدودة على إلحاق الأذى بإسرائيل، ولكن لإسرائيل قدرات غير محدودة على إلحاق الأذى بالفلسطينيين وبـ«حماس»، ولكن في الوقت ذاته، فـ«حماس» وحركات المقاومة الفلسطينية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام العدوان الإسرائيلي المستمر فيما تتصاعد حدة عملية «الجرف الصامد»، فترد بحسب القدرات العسكرية الصاروخية المتوافرة، ملحقة أذى محدوداً بالجانب الإسرائيلي.
لا يتوقع أن تكون عملية «الجرف الصامد» خاتمة المطاف في الاعتداءات الإسرائيلية، فإسرائيل لن تتخلى عن استعمال أدواتها الأمنية، وعلى رغم استمرار العدوان الإسرائيلي والصواريخ المتساقطة على إسرائيل، إلا أن المواجهة العسكرية المفتوحة ليست في مصلحة تل أبيب، ولا في مصلحة الفلسطينيين، سواء الرئيس عباس أو «حماس»، وبالتالي يتوقع أن تؤدي عملية «الجرف الصامد» إلى مفاوضات للتهدئة والاتفاق، ويتكرر سيناريو العدوان والهدنة 2012.