على مسمع ومرأى المجتمع الدولي الصامت كعادته، يتواصل العقاب الوحشي الإسرائيلي لأهلنا في قطاع غزة المحاصر منذ عدة سنين، ويدفع ثمنه الأطفال والنساء والشيوخ بمبررات واهية، تقف وراءها نوايا الكيان المبيتة في تدمير البنى التحتية الفلسطينية وكسر إرادة هذا الشعب، وحقه في تقرير مصيره واتخاذ القرارات التي من شأنها تعزيز موقفه الدولي ومكانته بين الشعوب.
يؤلمنا كما يؤلم كل شريف على وجه الأرض، أن يرى شعباً بأكمله يدفع فاتورة حسابات سياسية، ويؤلمنا أكثر الصمت العالمي على ما يحدث، وكأن ما يدمر ألعاب أطفال على الرمال وليست »تحويشة العمر« لشعب فقير محاصر محتاج، وكأن من يقتل اليوم أشباح وأرقام، وليسوا فلذات أكباد وشباباً يستحقون الحياة مثل غيرهم من الشعوب.
لم ترتض دولة الإمارات، كعادتها في نجدة الملهوفين في شرق لأرض غربها، أن تقف مع »المشاهدين والمنددين والشاجبين«، بل أسرعت في وصل جسور العطاء والخير ومد يد العون الإنساني لشعبنا تحت القتل، لتخفف من معاناته، فجاءت توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بتخصيص 192 مليون درهم مساعدات إنسانية عاجلة لدعم صمود أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق الذي يتعرض للعدوان الإسرائيلي الغاشم، وسارعت الإمارات إلى التنسيق المباشر مع قيادات فلسطينية ومع الجانب المصري، بغية تمرير تلك المساعدات واستقبال الجرحى وتوفير المعونات للسكان، وستتولى هيئة الهلال الأحمر الإماراتية الإشراف على هذه المساعدات.
كما تم تكليف الهيئة بإقامة مستشفى ميداني متكامل في القطاع، وتجهيزه لإسعاف ضحايا العدوان الإسرائيلي الذي أودى بحياة أعداد كبيرة من الشهداء وأوقع المئات من الجرحى الأبرياء، ويأتي ذلك تأكيداً للتضامن التاريخي المتواصل لدولة الإمارات قيادة وحكومة وشعباً، مع الشعب الفلسطيني ووقوفها إلى جانبه. وتعضد هذا الموقف سياسياً، دعوة وزارة الخارجية في دولة الإمارات المجتمع الدولي للتحرك الفوري من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين واستهداف قطاع غزة، والاضطلاع بمسؤولياته في حماية الشعب الفلسطيني، واحترام قواعد القانون الدولي والالتزام به، حفاظاً على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
سلسلة من مواقف النور الإماراتي إلى جانب أشقائنا من أبناء فلسطين، تؤكد بجلاء عمق العلاقة الأخوية الوثيقة بين الشعبين، ووقوف الإمارات الثابت والتاريخي إلى جانب أهلنا في فلسطين أو اللاجئين في دول الجوار، عبر الدعم المادي والإنساني والمشاريع التنموية، التي وصلت خلال العقدين الماضيين إلى ما يقرب من مليار درهم حسب تقرير لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، حتى كانت دولة فلسطين الوجهة الأولى للمساعدات الإماراتية الخارجية.
وما يميز الموقف الإماراتي من القضية الفلسطينية، هو أن الدعم موجه بالكامل للشعب الفلسطيني ككل، من دون أية حسابات فصائلية أو أجندات خاصة حزبية أو سياسية، وهذا ما يشهد به الوقع الإنساني الواسع للمساعدات الإماراتية لأهلنا في فلسطين أو اللاجئين في دول الجوار، في موقف أخوي نسج خيوطه الأولى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله تعالى، الذي وضع القضية الفلسطينية في قمة اهتماماته، وأولى شعبها بالغ الرعاية والاهتمام، ونذر نفسه لخدمتها، وهي قضية العرب الأولى، ولم يكتف بالدعم الجوهري الذي توفره دولة الإمارات بتوجيهاته للشعب الفلسطيني وحكومته، بل رأى من واجبه أن يضع ثقله الشخصي، رحمه الله، في ميدان السياسة العربية والدولية لإيضاح الحق العربي، محللاً المشكلة وأبعادها ومسلطاً الضوء على الطبيعة العدوانية لإسرائيل.
لا نمن أبداً على إخوتنا الفلسطينيين، بل نفخر بمساعدتنا لصمود شعبنا في الأرض المحتلة، فهذا أقل الواجب تجاه صمودهم التاريخي في وجه آلة العدوان الإسرائيلي الوحشية، بل نقول بكل وضوح واعتزاز، إن قضية أهلنا في فلسطين العادلة هي قضيتنا وهمومهم همومنا، لأننا نؤمن بأن حقوق الإخوة أوثق عرى العلاقات التي لا تنفصم، وكلنا أمل أن تزول الغمة عن شعبنا في فلسطين وأهلنا في قطاع غزة، في أقرب وقت إن شاء الله تعالى.