من أوائل الكتب التي قرأناها في عمر القراءة المبكر «طفولتي»، الكتاب اللطيف للكاتب الروسي الشهير مكسيم جوركي، والذي يتحدث فيه عن تفاصيل طفولته، ومغامرات والده وحكايات جدته، لقد كانت صورة الجدة من أجمل ما وصف، فهي المرأة البسيطة، المحبة، القادرة على جمع الجميع حولها والقادرة أكثر على التسامح دائماً، لقد حلت الجدة محل الأم بالنسبة الى مكسيم أو اليكسي، وأصبحت ركيزته الوحيدة في العالم حيث تخلى عنه «والده»، تلك الجدة التي كانت امرأة بسيطة لا تعرف القراءة والكتابة لكنها قادرة دوما ككل الجدات على تحضير أفضل أنواع الطعام بالنسبة للأطفال الذين مهما كبروا وتأرجح بهم العمر يظلون أوفياء لطعم وجبات الجدة التي لا تنسى!
وعندما انتقلت العائلة عبر السفينة من مدينة لأخرى لم تمانع الجدة في المرح مع البحارة وتناول الطعام وإعداده لهم، وصارت تروي لهم الحكايات والنوادر أيضا مما أثار غضب ابنتها التي قالت لها:«ماما، إنهم يسخرون منك..» فأجابتها:« دعيهم يسخرون وليكن الله معهم»، هكذا هن الجدات دوما، يقول مكسيم «كنت صغيراً وكنت أحتمي بالرغم من كل شيء بجدتي من الآخرين، فهي المنقذ الوحيد بالنسبة لي، وهكذا نحن جميعا ظلت الجدة هي مظلتنا ومنقذنا من كل شيء. إنها مثل كثير من النساء الجاهلات من الأسر الفقيرة في زمانها، تزوجت وهي يتيمة في سن 14 عاما من رجل أكبر منها سنا من أجل تأمين معيشتها لاحقا، أما في أيام الأعياد حين كان الجد وابنه الأكبر يخرجان من البيت لزيارة الأصدقاء كانت الجدة - كما يروي غوركي - تعد في المطبخ المائدة وتضع عليها كل ما لذ وطاب، وطبعا بينما يحمل خاله ياكوف الجيتارا ويأتي أفراد البيت الآخرون وقسيس الكنيسة المجاورة وحتى بعض الأشخاص فيصفقون ويمرحون.. وينطلقون في الغناء والقهقهة وتبادل المزح.
عندما فكرت في شراء أول كتاب لنفسي وكنت في الصف الخامس الابتدائي ذكرت ذلك لجدتي وكنت أعيش عندها، فأصرت على أن تصحبني إلى المكتبة لشراء الكتاب، قالت لجدي سآخذ ابنتي إلى دكان بيع الكتب طلبوا منها في المدرسة أن تشتري كتابا، هكذا أقنعته، وركبنا سيارة أجرة وانطلقنا من بيتنا في منطقة «البراحة» بدبي إلى حيث تقع مكتبة «دار الحكمة» في ميدان كان يعرف آنذاك بـ «ميدان جمال عبدالناصر» ثم أصبح فيما بعد «ميدان بني ياس» وكانت مكتبة الحكمة هي المكتبة الوحيدة والأقدم هناك قبل أن تنتقل الى مكان آخر الآن!
وحين أردت أن أتغيب عن المدرسة وأنا طفلة ادعيت أنني مريضة فأخذتني من يدي إلى عيادة الدكتور فتحي عمارة، يومها قال لها الطبيب إن ابنتك تمثل وإنها في كامل صحتها، فغضبت من الطبيب وصاحت في وجهه، مدافعة عن ابنتها التي لا تكذب والتي تحب المدرسة كثيرا، وهي محقة فعلا، لكن في ذلك اليوم كان هناك درس ما، قررنا جميعا كمجموعة صديقات أن نتغيب!!
الجدة ركيزة حياة في حياة الطفل خاصة حين يعيش عندها طفولته، لذا فحين ترحل لا يرحل جسدها وإنما يرحل عمر كامل معها. رحمك الله يا جدتي!