تم في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي التوصل إلى اتفاق تمهيدي بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا مع إيران بخصوص برنامج إيران النووي، الذي تقول الدول الغربية بأنه برنامج مصمم من أجل إنتاج السلاح النووي، بينما تقول إيران بأن برنامجها يستهدف الإستخدام السلمي للطاقة النووية.
لذلك أتى هذا الإتفاق التمهيدي ليحدد فترة ستة أشهر تنتهي في العشرين من الشهر الحالي، أي اليوم الأحد الموافق للعشرين من يوليو، والذي يُفترض من خلاله أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي يضع حداً للشكوك الدولية حول برنامج إيران النووي.
وفقاً لهذا الإتفاق التمهيدي فإن على إيران ـ خلال الفترة التمهيدية هذه ـ أن تُوقف تخصيبها لليورانيوم لما يزيد عن نسبة الخمسة في المائة، وتٌفكك الأجهزة التقنية المعنية بمثل هذا التخصيب المرتفع، وعدم تشغيل نحو نصف أجهزة الطرد في محطة ناتانز وثلاثة آرباع الأجهزة الموجودة في محطة فوردو، وعدم بناء منشآت تخصيب جديدة، وعدم التوسع في أنشطتها في منشأة آراك، والسماح للمفتشين الدوليين بمراقبة أعمال المحطات النووية في إيران.
في المقابل فإن إيران ستحصل على رفع محدود ومحدد للعقوبات المفروضة عليها في مجال النفط والتمويل، وأن الدول الست الكبرى ستلتزم بعدم فرض عقوبات جديدة على إيران خلال الفترة التمهيدية طالما أن إيران ملتزمة بتعهداتها. ويبدو أن الجميع قد التزم إلى حدٍ بعيد، بما يجعل فترة الستة أشهر تمر من دون أن تكون هناك انتهاكات صارخة للإتفاق التمهيدي.
إلا أن الأهم هو مدى تمكن الأطراف خلال الستة أشهر الماضية من التوصل إلى اتفاق نهائي يضع حداً للمخاوف الدولية. فخلال تلك الفترة اجتمع المسئولون المعنيون بالملف النووي الإيراني من جميع الدول الست وإيران مرات عدة بهدف التوصل إلى إتفاق نهائي. إلا أن المؤشرات المتوفرة تدل على أن اتفاقاً نهائياً لم يتم في الغالب التوصل إليه بسبب الإختلاف في الرؤى بين الأطراف. الأمر الذي يعني بأن ما بعد هذا اليوم الأحد الموافق للعشرين من يوليو يحمل في طياته أحد السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول، أن يتم الإعلان عن اتفاق نهائي بين الدول الست وإيران يضبط البرنامج النووي الإيراني ويزيل الشكوك الدولية. وهذا سيناريو ليس مستبعداً، لاسيما وأن عامل السرية قد أحاط بشكل كبير بجولات التفاوض بين الطرفين الدولي والإيراني خلال الفترة السابقة. لكن معظم التحليلات لهذا الشأن تشير إلى أن هذا السيناريو ليس وارد التحقق مع نهاية هذا اليوم وذلك لأن الإختلافات ما زالت قائمة بين الأطراف ولاسيما الطرف الأمريكي والإيراني.
السيناريو الثاني، أن يتم التوصل إلى إتفاق من نوع ما بين الدول الست وإيران ولكن لا يحصل هذا الإتفاق على تأييد الكونغرس الأمريكي بالذات نظراً لأنه لا يلبي طموح اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.
فالدائر أن يكون هناك اتفاق عبر مرحلتين، تحد إيران من تخصيبها لليورانيوم بنسبة كبيرة لعدة سنوات قادمة في المرحلة الأولى، على أن يسمح لها بزيادة التخصيب في المرحلة الثانية بحيث تكون تلك الزيادة مرتبطة بحاجة إيران للطاقة وفي إطار الإلتزام بالتفتيش الدولي. هذا السيناريو وارد الحدوث، إلا أنه يتطلب موافقة الكونغرس الأمريكي حتى يصبح نافذاً وقادراً على التطبيق.
حيث أن الكونغرس بيده رفع العقوبات الرئيسية على إيران مثل العقوبات المالية والمصرفية وعقوبات النفط والطاقة، وليس في يد الرئيس الأمريكي فعل ذات الشي. فأي إتفاق لابد أن ينال تأييد الكونغرس الأمريكي حتى يصبح نافذاً وقادراً على التطبيق الفعلي. لذلك فإن التوافق بين البيت الأبيض والكونغرس مطلب ضروري لنجاح مثل هذا الإتفاق أو غيره. وفي الغالب فإن الكونغرس قد وضع هو أيضاً شروطه في ذلك، فإن لم يلب الإتفاق تلك الشروط فلن يجد النور.
السيناريو الثالث، أن لا يتم التوصل إلى إتفاق نهائي بل يتم التوافق على تمديد فترة الإتفاق التمهيدي لمدة قد تصل لستة أشهر أخرى حتى يتم من خلالها العمل بشكل أكثر سعة للتوصل إلى إتفاق نهائي. وهذا السيناريو هو المرجح لدى الكثير من المتابعين والمراقبين للمفاوضات القائمة بين الأطراف.
لكن حدوث هذا الأمر يتطلب أيضاً من البيت الأبيض الأمريكي أن يعمل مع الكونغرس الأمريكي للحد من إمكانية فرض عقوبات إضافية على إيران بسبب عدم التوصل للإتفاق النهائي. فلقد حذر الكونغرس مراراً من أن عدم التزام طهران بموعد العشرين من يوليو للتوصل إلى إتفاق نهائي سيجعله أمام خيار زيادة العقوبات المفروضة عليها. وفي الغالب فإن الكونغرس سيفرض بعض العقوبات الإضافية في هذا المجال في حال حدث هذا السيناريو وذلك من أجل أن لا تُترك طهران تستمر في عملية المماطلة بشكل مستمر.
السيناريو الرابع، وفيه يتم إعلان فشل المفاوضات وإنتهاءها بالكامل. وهو سيناريو وارد الحدوث إلا أن نسبة حدوثه ضئيلة للغاية، وذلك لأن الأطراف المختلفة لاسيما إدارة الرئيس أوباما وإدارة الرئيس روحاني قد استثمرت الكثير في سبيل إنجاح هذه المفاوضات، لاسيما أن الجانبين يعلمان أن فشل المفاوضات سيؤدي إلى عواقب وخيمة على مشروع كل منهما، فالمشروع الأمريكي بتغليب الدبلوماسية على القوة العسكرية سيجد إنتكاسة كبيرة لمؤيديه في البيت الأبيض، والمشروع الإيراني برفع العقوبات وتحسن الوضع الإقتصادي سيجد هو أيضاً إنتكاسة كبيرة لدى روحاني وفريقه.
اليوم تنتهي مهلة الستة أشهر التي منحها الإتفاق التمهيدي من أجل التوصل إلى أتفاق نهائي حول برنامج إيران النووي، ولن يطول علينا الأمر حتى نسمع من يخرج علينا ليعلن النتيجة التي تمخضت عنها مشاورات الستة أشهر الماضية. وعندها نكون أمم خيارين، إما خيار إستكمال ما تعودنا عليه خلال الستة أشهر من مباحثات ومفاوضات لفترة أخرى أو خيار البدء في مرحلة جديدة قد تكون إيجابية أو تكون سلبية.