رائعة هي مبادرات وممارسات دبي، فعلى الرغم من حداثة عمرها إلا أن دبي لا تكف عن إبهار العالم بممارسات لم تتعود عليها حتى أعرق المدن، ممارسات صنعت لدبي سمعة قوية صنفتها ضمن أفضل مدن العالم الديناميكية. أصدقاء دبي وخصومها أجمعوا على وجود هذه الحيوية في هذه المدينة الصغيرة الكبيرة. ولكن البعض لا يعرف سر هذه الديناميكية التي تتمتع بها هذه المدينة وسر قدرتها على تحريك المياه الراكدة أينما كانت وفي أي زمان ببساطة لأنهم لا يعرفون تاريخ هذه المدينة.
تعودت هذه المدينة على الحراك حتى إبان الجمود الذي عرفته المنطقة ككل. فقد تعودت طوال تاريخها على مبادرات وممارسات دوماً ما كانت تعتبر ثورية. ففي مطلع القرن العشرين كان لا بد من تحريك المياه الراكدة في الاقتصاد بمبادرة تعيد ضخ الدماء إلى شرايين التجارة في المنطقة. فما كان من حاكم دبي الشيخ مكتوم بن حشر إلا أنه أعلن دبي ميناء حراً لا ضرائب كبيرة تفرض على الوارد والصادر.
أثبتت تلك المبادرة أنها في مكانها وأنها خطوة ضرورية لإعادة الحياة إلى قطاع التجارة خصوصاً وإلى المشهد الاقتصادي الإقليمي برمته. لم تكتف دبي بالمبادرات الاقتصادية. قبل نحو قرن من الزمان وفي خضم الحرب العالمية الأولى التي نشبت عام 1914 تكاتف تجار دبي في مبادرة تظهر بجلاء حسهم الإسلامي. فعلى الرغم من ظروف الفقر والكفاف إلا أن تجار دبي تمكنوا من جمع ما قيمته 14 ألف روبية هندية لمساعدة دولة الخلافة العثمانية في الحرب العالمية.
هذه المبادرة حققت لدبي من سمعة قوية ما عجزت آلة الحرب عن تحقيقه لتركيا. خلال فترة الثلاثينيات من القرن العشرين كانت ديناميكية دبي وقدرتها على تحريك المياه الراكدة تبهر حتى البريطانيين. فعلى الرغم من الكساد الاقتصادي الذي ساد المنطقة والعالم أجمع، إلا أن دبي استطاعت وبقدرة فائقة تجاوز تلك الأزمة وأن تجد لنفسها مصادر جديدة للرزق حار في تفسيرها حتى الاستعمار البريطاني. لقد وجدوا في هذه المدينة الصغيرة قدرة كبيرة على تجاوز الآثار السلبية للازمة العالمية وعلى اختراع مصادر وسبل للرزق غير متوقعة.
وخلال فترة الخمسينيات استمرت دبي في تحقيق المزيد من الصعود عبر تسلسل إداري واقتصادي منتظم وضمن إيقاعات حياتية مستمرة دون انقطاع. فحازت هذه المدينة سمعة سياحية سبقت غيرها من مدن الخليج. فقد عرفت »بفينيسيا الخليج«، حيث استطاع شريانها الحيوي المتمثل في خورها أن يضيف لها بعداً جمالياً إضافة إلى بعده الاقتصادي.
تميزت دبي عن غيرها من المدن بوجود استراتيجيات وخطط تنموية حتى عندما انعدمت المصادر المالية لتحويل تلك الخطط إلى واقع. فخلال فترة الخمسينيات والستينيات كان حلم راشد تحويل دبي إلى مدينة عصرية تتمتع بكافة المرافق والخدمات، ولكن ضيق ذات اليد لم يحل دون تكاتف الجهود الرسمية والشعبية وتحويل كل الخطط الموضوعة إلى واقع معاش. لقد أثبتت دبي على الدوام أنها فوق كل مستحيل.
ومع قيام الاتحاد عايشت دبي ظروفاً جديدة تختلف كلياً عن ظروفها السابقة. فمع أبوظبي أصبحا ثنائي الاتحاد ومع اكتمال الاتحاد أصبحت دبي واسطة العقد والعاصمة الاقتصادية ومركز المال والأعمال.
وعلى الرغم من كل الظروف الإقليمية والدولية إلا أن دبي واصلت بروزها كنجم واعد. وترافق مع بروز اسمها ولمعان صورتها مبادرات تدل بجلاء على عمق ارتباطها مع محيطها وعلى المسؤولية العالية التي تشعرها تجاه الآخر.
فمن دبي للعطاء إلى نور دبي وسقيا الإمارات والمشاركة في ساعة الأرض، وغيرها من المبادرات التي تدل على إحساس قوي بالمسؤولية المجتمعية التي تشعر بها هذه المدينة تجاه العالم الذي تعيش فيه.
كما تدل هذه المبادرات على إحساس قوي بالمسؤولية الاجتماعية التي تشعرها دبي تجاه الآخر. فخلق الإنسان المتعولم القادر على مساعدة الآخر هو جزء من المسؤولية ولكن المسؤولية الحقة هي خلق الشعور والإحساس بين الأفراد بأهمية تلك المسؤولية. فقلة من المدن تدرك بأن مسؤوليتها تتعدى نطاق حدودها وبأن عليها مسؤولية تجاه الآخر الذي يعيش ربما بعيداً آلاف الأميال عنها. فكل مبادرة إنما هي استثمار اجتماعي واقتصادي وإنساني لصالح دبي.
إن دبي عندما تنهج هذا النهج إنما تنطلق من ماض عريق وحاضر متميز ومستقبل لامع يستحق أن تسخر له دبي كل تلك الإمكانيات والمبادرات. فكل مبادرة هي لصالح مستقبل دبي، وكل تواصل مع الآخر هو في واقع الأمر إبداع إنساني يكسر جمود السياسة الدولية ويكبح جماح الرغبة في التدمير ويخلق جواً من التآلف والسلام في العالم.