لعل القارئ منذ الوهلة الأولى يتساءل كيف يمكن الربط بين الخدمة الوطنية وفكر زايد. فقانون الخدمة الوطنية قد أُقر منذ فترة بسيطة فقط. الإجابة في السطور القادمة.
بداية ولكي تأتي الأفكار مترابطة ومتسلسلة دعونا نتساءل ما هي الأهداف العليا لقانون الخدمة الوطنية. يطالعنا بها صاحب الاختصاص في هذا المجال، فأهل مكة أدرى بشعابها. يقول رئيس هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية اللواء الركن طيار الشيخ أحمد بن طحنون آل نهيان، إن الهدف من قانون الخدمة الوطنية هو الوصول بمنتسبيها إلى درجة من الكفاءة بحيث يصبح هؤلاء سفراء للوطن بخلقهم الحميد وسلوكهم الإيجابي.
تحقيق هذا الأمر لا شك أنه يتطلب جهداً للوصول إلى النوعية التي تستطيع بدورها أن تتشرف بأن تكون سفيرة بأخلاقها الحميدة لهذه الدولة التي احتلت مكانة مرموقة بين دول العالم.
وهنا يتجلى فكر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي يؤكد معه أن قانون الخدمة الوطنية لا يسير بعيداً عن توجهات الوالد المؤسس. يقول طيب الله ثراه «الرجال هم من يصنعون المصانع، وهم من يصنعون سعادتهم، وهم من يصنعون حاضرهم ومستقبلهم».
عن أي رجال يتحدث طيب الله ثراه؟، وكيف هم وما هي صفاتهم؟
لا يسير فكر الشيخ زايد بعيداً عن الصفات التي يوصي بها ديننا الحنيف ويرتضيها الله سبحانه وتعالى لعباده. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وجُنُودِهِ قَالَ الذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقُوا اللَّهِ كَم مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) صدق الله العظيم. وهنا يظهر المعنى الحقيقي لنوعية الرجال الذين جاؤوا في تصريح الشيخ زايد، طيب الله ثراه.
فعندما توجه طالوت لمواجهة جيش جالوت، كان معه ألوف من الجنود، وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يختبر هؤلاء الجنود ومدى امتثالهم للأوامر، وهل يحملون الصفات المطلوبة لكي يخوضوا الحرب أم لا. فقال لهم طالوت كما جاء في الآيات القرآنية (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِنْهُم) صدق الله العظيم.
إننا هنا بين مسألتين، فإما الكم الذي يختلط معه الصالح بالطالح، وإما النوعية التي قد يكون عددها قليلاً، غير أنها تتحلى بالصفات التي يتمناها أي قائد للوصول إلى الهدف المرجو. وقد استطاع طالوت الانتصار في تلك المعركة بفضل من الله ثم بفضل تلك الفئة القليلة التي تحلت بصفات الإيمان والسمع والطاعة واليقين والولاء والانصياع للأوامر. وللقارئ أن يتخيل معي لو لم يكن هناك اختبار لتلك الألوف من الجنود التي كانت مع طالوت، كيف كان مصير المعركة وسيرها في ظل وجود فئة لا تتحلى بالصفات التي تُثبت جدارتها وقت الصعاب.
«الرجال هم من يصنعون المصانع»، إنها عبارة بلاشك تختزل معها الكثير من الأبعاد التي كان يرمي لها قائلها الشيخ زايد طيب الله ثراه. فأولئك الرجال وما يحملونه من صفات الولاء والطاعة هم القادرون على النهوض بواجباتهم تجاه وطنهم ورفعته.
والمتمعن في الأهداف المرجوة من الخدمة الوطنية سيتجلى له وبوضوح أنها تسير وفق فكر الشيخ زايد. فبالنظر إلى البعد الوطني في الخدمة الوطنية يتضح أن ذلك سينعكس على تعزيز مفاهيم الولاء والانتماء وتحقيق مزيد من التلاحم داخل المجتمع وتلاحم الشعب مع قيادته. ويأتي البعد الاجتماعي لتمضي الخدمة الوطنية في زيادة التآلف بين أفراد المجتمع، وتنمية روح الفريق الواحد، بالإضافة إلى تنمية شخصية المنتسب وإكسابه معارف ومهارات متميزة. كما سيكون لقيم الضبط والربط أثرها الإيجابي على شخصية المنتسب وأدائه.
وللخدمة الوطنية أثرها على البعد الاقتصادي أيضاً، وذلك من خلال دعم الاستمرارية للمؤسسات في القطاعات الحيوية من خلال الخدمة البديلة، وخلق فرص للعاطلين عن العمل، وكذلك زيادة معدلات الإنتاج من خلال تطوير وتحسين المهارات الشخصية على المستوى الفردي، والتعريف بأهمية التنمية المستدامة وسبل المحافظة والمساهمة فيها.
ومما تقدم يمكننا القول إن الخدمة الوطنية والأهداف المرجوة منها هي جزء من فكر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، فصناعة الرجال والوصول إلى الكيف في مقابل الكم يعدان هدفاً سامياً لهذا الوطن. فهذا الوطن كما يقول، طيب الله ثراه، يحتاج إلى «جندي قوي عزيمة، يفهم ما يتوجب عليه في الحاضر والمستقبل».
وستأتي الخدمة الوطنية بوصفها رافداً قوياً معززاً للعديد من القيم المتجذرة في الشعب الإماراتي، دافعةً بدورها الجيل الإماراتي الشاب إلى مزيد من عمق الفهم لتلك القيم ودورها في تنمية المجتمع وتعزيز أواصره، وبالتالي انعكاس ذلك على معدلات التنمية المستدامة وبقاء دولة الإمارات في مصاف الدول التي تهفو لها الأنفس وتتمنى العيش في ربوعها.
قد يتساءل متسائل كيف سيكون الكيف في مقابل الكم لو وضع الشعب الإماراتي محل الاختبار؟ الإجابة في أبسط صورها «عند الشدايد، ما لها إلا رجال زايد».