لم تكتوِ دولة بنار الإرهاب كما اكتوت السعودية. منذ اندلاع شرارته في التسعينات، مرورا بالهجمات المحمومة بداية الألفية، حتى تمكُّن الرياض من محاصرته وإجباره على مغادرتها قبل سنين قليلة مضت، وعلى الرغم من كل هذا، ومع القدرة السعودية الفائقة على مواجهة أشرس معركة في تاريخها، فإن السعودية حرصت دائما على أن تكون هي من يدق جرس الإنذار على المستوى الدولي، فقد حذرت ونصحت وبادرت. وأزعم أن خادم الحرمين أكثر زعيم عالمي قاد مبادرات ودعا لمحاصرة الإرهاب وحذر من تداعياته، إلا أن العالم للأسف لم يأخذ هذه التحذيرات بجدية، وهو ما نتج عنه انتشار رقعة الإرهاب وتوالد منظماته، مما أفرز خيبة أمل للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، كما عبر عنها في كلمته أمس، جراء عدم تفاعل المجتمع الدولي مع دعوته عام 2005 لإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب.
قد يكون الدافع وراء المتخاذلين عن أداء مسؤولياتهم، «مصالح وقتية» أو «مخططات مشبوهة». أيضا قد يكون الدافع هو البحث عن مكاسب سياسية مؤقتة، كما تفعل دول إقليمية تتواطأ مع جماعات إرهابية، أو استراتيجيات أثبتت فشلها، كما هي «الفوضى الخلاقة» التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس. في النهاية كل من صمت عن الإرهاب المتمثل في جماعات أو تنظيمات أو حتى دول، وهي الأخطر، سيكتوي بناره عاجلا أم آجلا.
السعودية لديها تجربة ناجحة في محاربة الإرهاب والإرهابيين، لكن ماذا عن «دول» ترعاه وتبشر به وتوفر له الحاضنة التي ينطلق منها؟ الأكيد أنها ستبحث عمن يعينها على القضاء عليه، عندما تشتعل أطرافها من نيرانه.
خيبة أمل خادم الحرمين الشريفين من المجتمع الدولي وتخاذله في محاربة الإرهاب، أسبابها واضحة؛ فلو كانت هذه الدول استجابت وعملت فعلا، لا قولا، على التصدي منذ عقد لهذه الآفة، لما أصبح علاجها مستعصيا، ولما خرجت لنا «داعش» وتمددت، ولما حارب الأخ أخاه على أرض سوريا والعراق واليمن وليبيا، كل هذا باسم الإسلام. الحقيقة أن كل هذا هو نتيجة التقاعس الدولي. هذه نتيجة غياب منظمات حقوق الإنسان عن أبجديات عملها، بدلا من التفرغ لأجندات سياسية تخدم توجهات بعينها.
بقيت الإشارة إلى أن الملك عبد الله كان واضحا في توصيف ما يحدث في غزة بأنه «مجازر جماعية» و«جرائم حرب ضد الإنسانية». ما يحدث في غزة هو إرهاب من نوع تتشارك فيه الدول، كإسرائيل، باستغلالها موجة الإرهاب التي تضرب المنطقة، لتزعم أنها تعاني منه، وتنسى أن ما تفعله هو الإرهاب بعينه، وكل ذلك تحت نظر وسمع الولايات المتحدة التي لا تسمي الأشياء بأسمائها، فمثلا جرائم الحرب والمجازر الجماعية لا تكلف واشنطن أكثر من تعبير دبلوماسي بسيط، فتصف ما يحدث بأنها «قلقة» منه لا غير!
أما قادة وعلماء العالم الإسلامي الذين طالبهم خادم الحرمين الشريفين بقول كلمة الحق والوقوف في وجه «من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف»، فمنهم من هو مستمر في القيام بدوره والتاريخ يشهد. ومنهم من آثر الصمت المطبق، معتقدا أن الأمر لا يعنيه. ومنهم، يا للأسف، من تحالف مع الإرهابيين وسهّل مهمتهم وبرر جرائمهم ودافع عنهم.. فهل يظن أنه سيكون في مأمن منهم؟!