الحكومات المتعاقبة «إلى أين أوصلت الكويت»!، هكذا تساءلت صحيفة «الوطن» الكويتية. الكويت في رأي عبدالوهاب الوزان وزير التجارة والصناعة الأسبق منذ الغزو سنة 1990 والتحرير في تراجع، والأسباب عديدة: «أولها أن الحكومة والبرلمان كلاهما لا نظرة مستقبلية لديه لبناء الوطن. طُرح موضوع أن تكون الكويت مركزاً مالياً وتجارياً منذ عام 2006، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن ليست هناك أي بوادر. ومن أسباب التراجع أيضاً التجنيس العشوائي الذي غيّر التركيبة السكانية تغييراً شبه جذري. فالتجنيس عندما يكون تجنيساً سياسياً وليس لهدف تنموي، فإنه يغير من التركيبة السكانية. الشيء الآخر الذي أعادنا إلى الوراء هو دخول المال السياسي بقوة إلى الساحة في السنوات الأخيرة. ومن الأسباب كذلك عزوف الكفاءات عن المشاركة في أي تشكيلة حكومية».
لا انسجام بين الوزراء في الحكومات الكويتية، في تحليل «الوزان»، وكل وزير لا يعلم شيئاً عن أولويات زميله: «إن مشكلة مجلس الوزراء في الكويت تكمن في أن كل وزير متمترس في الدفاع عن وزارته وليس في الدفاع عن السياسة العامة للدولة، والتي تنفذها الحكومة. فالوزير يدافع في مجلس الوزراء عن وزارته، ويتكلّم فقط عن شؤونها. أما حين تُطرح قضايا عامة ومصيرية فلا نجد مثل هذا الوزير يتفاعل معها».
ينبغي لكل وزير أن يكون متضامناً مع بقية الوزراء ومع رؤية الدولة والموقف الحكومي.. «وإلا فليستقل ويخرج من الحكومة». وقد رأينا وزراء، يضيف الوزان، «خرجوا من قاعة عبدالله السالم - أي من البرلمان - في وقت استجواب زملاء لهم، وذهبوا يتمشون على الساحل المقابل لمجلس الأمة. وهناك نواب حملوا حقائب وزارية وأخلوا إخلالاً كبيراً بمهام مناصبهم، وهذا تسبب في تراجع فكرة توزير النواب».
وزير العدل الأسبق أحمد باقر قال بأن لديه في التحليل «عشرة أسباب لتراجع الأوضاع في الكويت». كيف يمكن أن تنجح الحكومة وهناك من يتم تعيينهم في أعلى المناصب بالواسطة بل وبشهادات مضروبة ومن جامعات غير معترف بها، فماذا ستأخذ الكويت من أمثال هؤلاء»؟ وأضاف: «صراع المتنفذين من أسباب التراجع.. لقد قلتُ بضرورة اختيار القوي الأمين.. لا بد من حكومة لديها رؤية وأغلبية نيابية بحيث تتمكن من تحقيق الاستقرار بعد أربع سنوات».
بعد هذا التحليل العاصف لمشاكل الكويت وأزماتها خلال العشرين عاماً ونيف الأخيرة منذ الاحتلال والتحرير، تقدم الوزراء بما اعتبرته الصحيفة «وصفة الإصلاح»، فما ذا احتوت الوصفة؟ «أولاً، لا بد من الالتزام بكافة مواد الدستور»، قال الهارون ثم أضاف: «وفي سبيل الإصلاح أرى أن على الدولة أن تأخذ بآراء المستشارين العالميين، خصوصاً أن الكويت أكثر الدول استشارة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهيئات الأمم المتحدة».
وقال: «على من يكلف برئاسة مجلس الوزراء اختيار رجال أكفاء، وألا ينطلق في اختياراته من مجاملة أو محاصصة تستهدف إرضاء كتل وطوائف وتيارات، فالكويت لم يبنها إلا رجالها في الخمسينيات والستينيات الذين كانوا رجال دولة بمعنى الكلمة». وعارض الهارون الزوابع الإعلامية التي ترافق الاستجواب، «في الدول الديمقراطية المتقدمة الاستجوابات تتم في اللجان البرلمانية». ولا بد من «اختيار نوعية الوزراء والوكلاء المناسبين للمشاريع التي سيتم اعتمادها».
ولم ير «الهارون» حاجة لإنشاء بنك معلومات، يتضمن أسماء الشخصيات الجديرة بالتوزير وتولي المناصب القيادية، وفق اقتراح وزير الإعلام الأسبق «سامي النصف»، وقال: «أعتقد أن الكفاءات ورجالات الدولة موجودون وهم معروفون».
الوزير الأسبق أحمد باقر انتقد بروز القبلية قائلاً: «ها هي رسالة وصلتني، عبارة عن تصريح لعضو في مجلس الأمة الحالي قال فيه بعد اجتماع تم لقبيلته: «سأدعم أي مرشح تتفق عليه القبيلة في سبيل إيصاله إلى البرلمان». ولهذا العضو أقول: «هل أنت تمثل الأمة أم تمثل القبيلة؟». وزير التجارة الأسبق «الوزان»، عاد فأكد ضرورة بلورة الآراء والعضوية في المجلس، حيث تسود الفردية وكل نائب له رأيه: «عندما يكون هناك تقنين بتأسيس جمعيات سياسية، سيتحقق الاستقراء بشكل نسبي، وأشدد هنا على ضرورة أن تكون هناك نوايا صادقة لمكافحة الفساد. نحن بأمسّ الحاجة أولاً إلى القدوة التي تنفذ القوانين وتحارب الفساد، كذلك إن مشاكلنا لا بد من حلها تحت قبة البرلمان، كما ينبغي أن تتغير طريقة الاستجوابات».
ورغم كثرة انتقاداته، حذر «الوزان» من «النظرة السوداوية» للأمور والأوضاع، ومن اليأس. «فالصورة ليست سوداء تماماً، ويجب أن نكون صادقين مع أنفسنا، فالنظرة السوداوية في كل شيء تحبط الشعب. على سبيل المثال أرى أن فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء إحدى النقاط المضيئة في الديمقراطية الكويتية، كما أن الآلية التي تم من خلالها اختيار صاحب السمو أميراً للبلاد في عام 2006 تمثل تطوراً ديمقراطياً، هذا فضلاً عن رؤية رئيس الحكومة على منصة - الاستجواب - وهذا تطور ديمقراطي».
الوزير أحمد باقر بدأ وصفته العلاجية للأوضاع قائلاً: «أولاً أرى ضرورة الانطلاق من الدستور في إحداث الإصلاح، مع ضرورة عدم الدعوة إلى إحداث أية تغييرات جذرية في هذا الدستور، والتمسك بما ورد فيه تماماً، ووفق ما جاء في المذكرة التفسيرية. ثانياً، تشكيل حكومة ذات رؤية إصلاحية وبرنامج موضوعي، بحيث تتمتع هذه الحكومة بأغلبية برلمانية. ثالثاً، مكافحة الفساد بكل أشكاله من خلال سيادة القانون على الجميع فالواسطة مع الأسف تفشَّت في شتى مناحي الحياة. رابعاً، ضرورة التسويق الإعلامي لمشاريع الحكومة في أوساط الشعب، فأية حكومة، من دون تسويق إعلامي، لن تتمكَّن من الوصول إلى الناس وفي الحقيقة هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة، سائدة في المجتمع.
فمعظم الناس مثلاً يعتقدون أن الخصخصة ستصب في جيوب الكبار والمتنفذين، وكثيرون يعتقدون أن مليارات الكويت تذهب للبلدان الأخرى. خامساً، إصلاح الجماعات السياسية، وإبعادها عن القوانين الشعبوية، سادساً، الاعتماد بعد الله تعالى، على تجارب البلدان المتقدمة والعمل بآلية السوق، وتحكيم الشريعة الإسلامية على صعيد العدالة والمساواة، - ثامناً: عدم اللجوء إلى الإقصاء أو التخوين سواء من قبل الحكومة أو من قبل السياسيين أو الجماعات.
تاسعاً: ضرورة احترام الرأي والرأي الآخر، فالساحة السياسية الآن منقسمة والسبب إعجاب كلِّ برأيه. عاشراً، مشاركة الجماعات السياسية في المجلس والحكومة لكي يكون العمل والإصلاح مؤسسياً، لا من خلال الإعلام والمنتديات والندوات والصراخ صباح مساء».
ويقول الوزير «الحريتي»: «ضمن دراستي في كلية الحقوق بالكويت، درستُ مادة أساسية تسمى النظم السياسية، وهذه المادة تتحدث عن كافة النظم السياسية في العالم: وأستطيع القول بأنني لم أجد ما يشابه النظام السياسي الكويتي من النظم السياسية في العالم. فقد أتينا بالنظام السياسي، الذي يتناغم مع واقعنا الاجتماعي، وعلينا معالجة أشكال الخلل في هذا النظام، وأن نجتهد في التخلص منه، وأرى أن على الحكومة أن توقف الهدر في الصرف على النحو الذي نراه ونشهده».
واعتبر الوزير عبد الوهاب الوزان التوظيف في الكويت شكلاً من أشكال «التثمين»، حيث كانت الحكومة في الماضي خاصة، بعد ظهور النفط، تشتري بيوت الأهالي بأسعار عالية لتحسين أحوالهم المادية، وتنمية البلد، وتوزيع الثروة البترولية: «التوظيف في الدولة على النحو الذي نشهده ليس توظيفاً علمياً بل يستهدف فقط توزيع الثروة. في السابق كان توزيع الثروة يتم عن طريق التثمين، أما الآن فعبرَ التوظيف. فهناك، كما قال وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، ما يقارب 320 ألف موظف رغم أن المطلوب لإدارة أجهزة الدولة وكامل مرافقها 63 ألفاً فقط. وهذا يعني أن هناك 260 ألف موظف تقريباً زيادة». في الختام، يمكن القول بأن الكثير من ملاحظات واقتراحات السادة الوزراء سبق طرحها في مختلف الأوساط الكويتية الاجتماعية والإعلامية، دون أن تنتقل إلى مرحلة التطبيق. بل إن وضع بعضها موضع التنفيذ، كاقتراح تعديل الدستور، قد يسبب مشاكل وصعوبات أكثر من تلك التي يتوقع أنصار تعديل الدستور أن هذه الخطوة ستحلها. نحن بحاجة إلى الرؤية الواضحة والقرارات الحكومية العملية.. ولكن أين هما؟!