تؤكد العديد من الأبحاث أن ما تحقق من تقدم في تكنولوجيا الاتصال، بدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين حتى الآن، يفوق ما حدث منذ بدء الخليقة، وأن ما قيل من ان الثورة الصناعية هي آخر محطات التقدم البشري لم يكن صحيحاً، حيث أعقبتها الثورة المعلوماتية التي ما زلنا نعيش تبعاتها ومآلاتها.
والتي تستحيل فيها متابعة كم المعلومات التي يتم إنتاجها كل ساعة، لذا كان من المنطقي أن تقترن مع هذا الانفجار المعلوماتي أقنية تكنولوجية، تسهل متابعة وتصنيف وتخزين واستدعاء هذا الكم المعلوماتي وتداوله بين الناس.
ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي هي إحدى أهم أدوات تداول المعلومة والخبر بين البشر في مختلف أنحاء العالم، واستطاعت أن تكسر احتكار المؤسسات الإعلامية الرسمية للمادة الخبرية، كما أنها أخرجت لنا نموذجاً جديداً من الإعلاميين يسمى »المواطن الصحافي«؛ وهو ذلك المواطن الذي لم يعد متلقيا فحسب للمعلومة.
بل أصبح مشاركا فيها ومنتجا لها، عبر ما يملكه من وسائل غير احترافية ومهارات محدودة، ونشرها وبثها وتداولها على نطاق واسع، للحد الذي جعل بعض المؤسسات الإعلامية الرسمية أو شبه الرسمية تستعين أحيانا بتلك المواد، رغم افتقارها للمواصفات الفنية المطلوبة، إلا ان أهمية الحدث كانت عوضا عن جماليات الصورة أو دقتها.
المشكلة الأساسية والتي أمكن تجاوزها، لم تكن في الجوانب الفنية فحسب، بل في الوعي بالجوانب المهنية والأخلاقية التي يجب التزود بها عند استخدام تلك الوسائل، مما جعلها في أحيان كثيرة بيئة مواتية لنشر الشائعات والأخبار المختلقة.
والتي تأتي خطورتها من أنها في أحيان كثيرة تنال من سمعة الأفراد، أو تكدر الأمن العام أو السلم المجتمعي، حين يتم اللعب على الأوتار المذهبية أو العرقية أو الدينية، وفي أحيان كثيرة يتعدى الأمر الحدود الوطنية للدولة الواحدة ويتم إشعال الحروب الإلكترونية بين الدول.
ولا شك أن السجالات الحادة التي تتم أحيانا بين بعض الشعوب العربية حول قضايا وهمية أو مختلقة، والتي تفرق ولا توحد وتباعد ولا تقرب، تهيئ بيئة مواتية لأطراف عديدة هدفها إشعال الفتن وتمزيق الشعوب، خاصة وأن كثيرا من الحسابات على مواقع التواصل وهمية، وهو ما يسهل مهمتهم ويصعب ملاحقة أصحابها قانونياً.
إن الوظيفة الأهم لكافة الوسائل الإعلامية هي الإخبار أو الإعلام؛ ويعرف بأنه إحاطة الفرد علما بما يدور حوله من أحداث، بدقة وموضوعية حتى يستطيع أن يتخذ القرار الصائب في ما يتعرض له من قضايا صغرت أم كبرت، كما تعد المصداقية من أهم مقومات المادة الخبرية التي يجب تداولها.
وهو التحدي الذي لم تستطع أن تتجاوزه وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن أن المصداقية كذلك هي الباب الواسع الذي يهدد سطوة هذه الوسائل، والتي لاقت إقبالا كبيرا في بدايتها من شرائح اجتماعية مختلفة، غير أني أستطيع أن أدعي أنه إذا تم إجراء مسح على عينة من المهتمين والمستخدمين لتلك الوسائل.
سنجد أنها فقدت قطاعا يعتد به من جمهورها بعد أن أضحت مصداقيتها على المحك، كما أنه يصعب التأكد من مصادر المعلومات ودقتها، بعد أن يسرت أساليب التصوير والمونتاج التلاعب في الصورة الفوتوغرافية والصوت والمادة الفيلمية.
إن القاعدة الذهبية في الإعلام تقول »إنك قد تستطيع خداع بعض الناس لبعض الوقت، ولكن لا تستطيع خداع كل الناس طوال الوقت«، ولا شك أن ما تعانيه وسائل التواصل الاجتماعي هو مصدر قوة وسائل الإعلام المؤسسية أو الرسمية، وذلك لسبيين مهمين وهما: أن أدبيات الإعلام تؤكد أن استخدام الفرد لوسيلة بعينها يدفعه إلى استخدام غيرها.
فهو حين يستمع إلى خبر في الإذاعة المسموعة يدفعه ذلك إلى متابعة الصورة من خلال جهاز التليفزيون، أو معرفة معلومات مفصلة من خلال الصحيفة، وفي حالة غياب المعلومة أو عدم التيقن منها يلجأ الفرد إلى المؤسسات الإعلامية الرسمية للتأكد من صحتها.
وهو الأمر الذي ينبغي أن تدرك المؤسسات الإعلامية التاريخية أن له متطلبات منها زيادة وتيرة الأداء وابتكار أشكال للتفاعل مع متابعيها، بعيدا عن الاتصال الرأسي أو من جانب واحد، وإتاحة المعلومة في الوقت المناسب، لأن غياب المعلومة يوفر البيئة المواتية للشائعات والأخبار الكاذبة.
كما أنه يفتح الباب للتأويل والتخيل، خاصة أننا، كما يوضح علم النفس الإعلامي، نضيف للأحداث من ذواتنا ونراها من منطلق خبراتنا وما لدينا من مخزون ثقافي.
إن قيام المؤسسات الإعلامية الرسمية بدورها في إمداد جمهورها بالمعلومة الصادقة وتلبية احتياجاته، هو الذي يضمن لها أسباب الحياة في ظل منافسة شديدة مع وسائل الإعلام الجديد، والتي تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي احدى تجلياتها.
على الجانب الآخر، ينبغي التعامل بوعي مع الشائعات والأخبار المختلقة على تلك الوسائل، بحيث يتم قبل تفنيدها معرفة أهميتها أولا، ومدى تأثيرها، وكذلك مدى اقتناع الناس بها، حتى لا نساعد في ترويجها عبر لفت الأنظار إليها، خاصة أن تعدد مصادر المعرفة جعل من السهولة بمكان التأكد من صحة الأخبار، وهو ما جعل قطاعاً ليس بالقليل من مستخدمي هذه الوسائل، يتوقف كثيراً أمام ما يبث من خلالها.
كما ينبغي أن تتم تنمية الوعي بأهمية الاستخدام الإيجابي لهذه الوسائل، باعتبارها أداة مهمة في نشر الأفكار البناءة، والنماذج المبدعة، والتوعية حول العديد من قضايا المشكلات التي تواجه المجتمعات العربية، جنبا إلى جنب مع نشر الخبر الصحيح والمعلومة الدقيقة، حتى يزيد رصيد ثقة الجمهور في هذه الوسائل.
ولا شك أن جائزة الإعلام الاجتماعي، التي رصدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لأصحاب الفكر المبدع من رواد هذه الوسائل، هي الطريق القويم الذي ينبغي السير فيه، باعتبار أن هذه الوسائل شريك في التنمية وأداة للتغلب على عقبات التنمية والتطور، وهو ما سيزيد من التفاف الناس حولها.