أحدث الأخبار
  • 11:04 . ارتفاع عدد الطلبة المعتقلين ضد الحرب في غزة بالجامعات الأميركية إلى نحو 500... المزيد
  • 11:01 . "الصحة" تقر بإصابة عدد من الأشخاص بأمراض مرتبطة بتلوث المياه بعد السيول... المزيد
  • 10:59 . بلومبيرغ": السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غزة... المزيد
  • 10:57 . "تيك توك" تفضل الإغلاق على بيعه للولايات المتحدة... المزيد
  • 10:18 . علماء: التغيّر المناخي "على الأرجح" وراء فيضانات الإمارات وعُمان... المزيد
  • 09:32 . عقوبات أمريكية على أفراد وكيانات لعلاقتهم ببيع "مسيرات إيرانية"... المزيد
  • 09:02 . الاحتلال الإسرائيلي يسحب لواء ناحال من غزة... المزيد
  • 07:55 . حاكم الشارقة يقر إنشاء جامعة الذيد "الزراعية"... المزيد
  • 07:37 . استمرار الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية على حرب غزة والعفو الدولية تدين قمعها... المزيد
  • 07:33 . صعود أسعار النفط بعد بيانات مخزونات الخام الأمريكية... المزيد
  • 07:32 . "أرامكو" السعودية توقع صفقة استحواذ ضخمة على حساب مجموعة صينية... المزيد
  • 07:00 . دراسة تربط بين تناول الأسبرين وتحقيق نتائج إيجابية لدى مرضى السرطان... المزيد
  • 12:00 . الأرصاد يتوقع سقوط أمطار مجدداً على الدولة حتى يوم الأحد... المزيد
  • 11:46 . الجيش الأمريكي يعلن التصدي لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون... المزيد
  • 11:30 . إعلام عبري: مجلس الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفقة تبادل جديدة... المزيد
  • 11:03 . الذهب يتراجع متأثراً بموجة جني الأرباح... المزيد

الأمن الثقافي وتحدياته المعاصرة

الكـاتب : سالم سالمين النعيمي
تاريخ الخبر: 30-11--0001


الإنسان قنبلة موقوتة قابل لينفجر بأي وقت، والثقافة التنويرية نوع من أنواع تعطيل هذه القنبلة عن الانفجار، فالجهل ليس معيباً للذات، فكل ذات قد تجهل أضعافاً مضاعفة لما تعرف، والتحدي يكمن في التخلص من الإصرار على الجهل من خلال إصباغه صبغة المعرفة القطعية، مما يحقق التوازن الفكري والأمن الثقافي، كما أن من الضروري نشر ثقافة أنه لا توجد ضدية بين الدين والثقافة والرأسمالية الثقافية وأطرها ليست هي فقط معيار للثقافة، فاحترام الحدود الثقافية هو جزء من الأمن الثقافي كذلك دون إقصاء وتقزيم لما لا يعبر عن الثقافة ذات الواجهة الإعلامية المشرقة لسبب أو لآخر. وغرس هذه القيم والمفاهيم في عقول الأجيال الناشئة هو إحدى أهم ركائز الأمن والاستقلال الثقافي، فعالمية الثقافة في بعض مظاهرها لا تلغي الخصوصية المحلية لأي نتاج ثقافي محلي بالرغم من سطوة الانفجار المعرفي‏‭ .

وبالتالي يعد تمكين كل فرد في المجتمع من تملك مقومات اختيار المنتج الثقافي المناسب بدلاً من منع الاختراق الفكري والغزو الثقافي لأنه أمر غير ممكن واقعياً في العصر الحديث تحدياً حقيقياً، والتحدي الآخر هو رفع مستوى دافعية التحصين ومنح المجتمع أدوات النقد الإيجابي البنائي التراكمي والتحاور الحضاري الثقافي الموضوعي والتواصل والانفتاح على أساس المساواة والندية وليس التبعية الدونية الثقافية التبريرية. وهناك مسألة استخدام اللغة الأم للتعبير عن الثقافة إذا ما سلمنا أن كل ثقافة إنسانية لها مرجع وإطار ثقافي حضاري خاص بها، مع تطور البنية التحتية للثقافة والأدوات وأساليب التعبير عنها وهو بمثابة تحدٍّ عابر للقارات والثقافات، مما جعل الثقافة في الكثير من الأحيان أقرب إلى سلعة اقتصادية تقاس بالأرقام والانتشار حتى أصبحت آلية حماية الأمن الثقافي للدول، جزءاً مهماً من الاستقلال الوطني والسيادة الثقافية في مواجهة التخريب الداخلي والخارجي. وعلى المستوى الاستراتيجي هناك تحدٍّ صعب يواجه المخططين للأمن الثقافي، وهو أن الملايين من شعوبهم أصبحوا خارج نطاق الخدمة الثقافية المحلية، بل يعتبرون ثقافتهم المحلية غير جديرة بالاهتمام كنظيراتها الأكثر قبولاً وتنوعاً وظهوراً. والتحدي الأهم في اعتقادي هو أن العديد من الثقافات المحلية فشلت في إعادة تشكيل نفسها ضمن منظومة شعبية حديثة تناسب ميول واهتمامات الأغلبية الشابة في معظم الدول في هذا الجزء من العالم، مما يقودنا بدوره لخلل حتمي في منظور الهوية الوطنية والتمسك بها، بل الشك في حقيقة وأهمية قيمتها العملية.

ويعتبر الأمن الثقافي واحداً من أهم جوانب الأمن القومي والدفاع عن الهوية الثقافية، ولا يقل أهمية عن الدفاع عن الحدود، فالمجتمع المهزوم في كبريائه وانتمائه والمستهدف في إضعاف هويته الوطنية،‏‭ ‬والغارق ‬في ‬تمجيد ‬وتبني ‬ثقافة ‬الآخرين، ‬والاتكالية ‬الرعوية ‬الثقافية ‬الكونية ‬يصعب ‬معه ‬تحقق ‬استدامة ‬في ‬التنمية ‬النوعية ‬والعدالة ‬الاجتماعية، ‬فهو ‬مجتمع ‬غير ‬مرن ‬ثقافياً ‬وفكرياً ‬وفق ‬مفاهيم ‬المجتمعات ‬الحديثة. ‬فالثقافة ‬قوة ‬ناعمة ‬شعبية ‬إذا ‬لم ‬تستخدمها ‬الدول ‬بحكمة ‬استخدمت ‬ضدها، ‬وعليه ‬يجب ‬تحويل ‬الثقافة ‬إلى ‬منتج ‬جذاب ‬لتحفيز ‬الجودة ‬المجتمعية ‬وكسب ‬النفوذ ‬المحلي ‬والإقليمي ‬والدولي. ‬فما ‬فعلته ‬الأفلام ‬الهوليودية ‬على ‬سبيل ‬المثال ‬يفوق ‬تأثيره ‬مفعول ‬أي ‬قنبلة ‬نووية ‬في ‬قلع ‬جذور ‬أو ‬أمركة ثقافات ‬شعوب ‬بأكملها. ‬فالأمن ‬الثقافي ‬هو ‬التحدي ‬المتمثل ‬في ‬الحفاظ ‬على ‬خصوصية ‬الهوية ‬الثقافية ‬المحلية ‬في ‬مواجهة ‬التحديث ‬والعولمة ‬دون ‬عزلها ‬عن ‬بقية ‬العالم، ‬ففي ‬العديد ‬من ‬الحالات ‬تم استهداف ‬العادات ‬و‬التقاليد ‬عمداً ‬بقصد ‬تقويض ‬أو ‬حتى ‬القضاء ‬على ‬الهوية ‬الثقافية ‬للشعوب. ‬ويعتبر ‬ذلك ‬السلوك ‬تدميراً ‬لشعور ‬المرء ‬بالأمن ‬والأمان، ‬ناهيك ‬عن ‬التعويم ‬الثقافي ‬الممارس ‬من ‬قبل ‬ثقافات ‬معينة ‬نحو ‬ثقافات ‬أخرى ‬دون ‬استحداث ‬مسارات ‬جذب ‬ثقافية ‬داخلية ‬وأخرى ‬تفتح ‬الأبواب ‬للثقافة ‬المحلية ‬لتتبوأ ‬منزلتها ‬على ‬الساحة ‬العالمية. ‬فالثقافة ‬لها ‬أيديولوجياتها ‬الخاصة ‬ومواجهة ‬انحلالها ‬أو ‬ذوبانها ‬في ‬ثقافة ‬أخرى ‬أو ‬تهميشها ‬بصورة ‬مذلة ‬تتطلب ‬مواجهات ‬ذكية ‬غير ‬تقليدية ‬في ‬وقتنا ‬الحاضر ‬ولما ‬هو ‬قادم ‬مستقبلاً.


كما أن مفهوم الأمن الثقافي الوطني يتضمن المحافظة أو حماية التراث والقيم الفكرية والنمط العام المرتبط بالعادات والتقاليد الإيجابية، وتصحيح ومراجعة قيم المجتمع التي تلعب دوراً مؤثراً في تناول وتقييم الآخر وفكره وسلوكه، وحماية المعتقدات والأفكار المعتدلة والمتسامحة من الفساد أو حتى الانقراض والعمل على تأصيلها. وتكمن أهمية هذا المفهوم في المحافظة على ثقافة السكان الأصليين، فالتراث الثقافي هو شكل من أشكال العملة السياسية والضمانات طويلة الأمد، وجزء من التنمية المعنوية والقيمية بما أن التراث الثقافي هو تعبير عن سبل المعيشة الموضوعة من قبل المجتمع ونقلها من جيل إلى جيل، بما في ذلك الفلكلور الشعبي والممارسات والسلوكيات المجتمعية والثقافية والأماكن والصناعات والمهن والفنون والرياضات التراثية الشعبية، والمخرجات والتعبيرات الفنية والأدبية وكذلك كل ما يعد تراثاً ثقافياً غير مادي.

فلابد من النظر بحذر في التهديدات والمخاطر التي يتعرض لها التراث الثقافي، وينبغي للحكومات أن تقف في موقف محايد عندما يتعلق الأمر بالثقافة وترك المجتمع يحدد المسار الثقافي الذي هو مناسب لميوله وتطلعاته ويعبر عن الأجيال المختلفة فيه، والبيئات الاجتماعية المختلفة، ودور الحكومات هو دعم البنية التحتية والتشريعية التنظيمية للأنماط والنشاطات الثقافية وتحديد الميزانيات المناسبة لها، فلا يجوز أن تحذف جزئية من الثقافة أو أن تفرض من قبل الحكومات والأحزاب والتنظيمات والنخب..الخ على الشعوب، وجعلها جزءاً من إرث ومورث ثقافة معينة لمجرد أن فرداً أو مجموعة ذات نفوذ تعشق ذلك النوع من التعبير الفني أو الأدبي ولصقها بثقافة المجتمع لتمحو ثقافة أخرى راسخة منذ القدم في الوجدان الجمعي وضرورة عدم فرض ثقافة فصيل أو بيئة محددة من المجتمع على المجتمع ككل، أو تبني ميول ثقافية بصورة فجائية وجعلها ثقافة عامة بين الناس باستخدام النفوذ السياسي أو المالي، فذلك أمر قد يحدث خللاً في أصالة البنية الثقافية للمجتمعات وعامل مؤثر في هوية الشعوب وانتمائها للأرض والثقافة الأم مع مراعاة عدم إهمال أو مسح تعبير ومنتج ثقافي أياً كان نوعه لشعور شخص أو مجموعة أو فئة بأنه مسيء لثقافتهم. فالمورث الثقافي ليس ملك الأشخاص ولا المؤسسات بل هو جزء من مكونات الدولة الحديثة ككل، وينبغي احترام التنوع والاختلاف، ولذلك نرى في الدول الغربية كيف يتخرج الدارسون من تخصصات تعنى بالشأن الثقافي والإنساني كتخصص الثقافة أو الفلكلور أو الشعر أو أدب الأساطير أو القصص الشعبية والدراسات الإنسانية المقارنة وغيرها الكثير من المجالات الثقافية والفنية والأدبية والتي من المستحيل أن تدرس في الدول التي تأخذ ظاهر الحداثة والتطور وتحصره فقط في الجانب العلمي الصرف، والتركيز على النواحي التقنية والتكنولوجية والمالية والإنشائية فقط على سبيل المثال. وقد أدركت دول آسيا الناشئة التي هي في طور الصعود كقوى عالمية مؤثرة ذلك الدور التي تلعبه تلك التخصصات، فجعلتها جزءاً من منظومتها التعليمية والمهنية والتنموية على جميع المستويات حفاظاً على أمنها وموروثها الثقافي وتعزيزاً لثقافة الإنسان الحديث بثوب محلي لا يدخلها كثقافة حيز التغريب والتغييب والتفتيت المؤثر على أصولها الثقافية.