أحدث الأخبار
  • 11:04 . ارتفاع عدد الطلبة المعتقلين ضد الحرب في غزة بالجامعات الأميركية إلى نحو 500... المزيد
  • 11:01 . "الصحة" تقر بإصابة عدد من الأشخاص بأمراض مرتبطة بتلوث المياه بعد السيول... المزيد
  • 10:59 . بلومبيرغ": السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غزة... المزيد
  • 10:57 . "تيك توك" تفضل الإغلاق على بيعه للولايات المتحدة... المزيد
  • 10:18 . علماء: التغيّر المناخي "على الأرجح" وراء فيضانات الإمارات وعُمان... المزيد
  • 09:32 . عقوبات أمريكية على أفراد وكيانات لعلاقتهم ببيع "مسيرات إيرانية"... المزيد
  • 09:02 . الاحتلال الإسرائيلي يسحب لواء ناحال من غزة... المزيد
  • 07:55 . حاكم الشارقة يقر إنشاء جامعة الذيد "الزراعية"... المزيد
  • 07:37 . استمرار الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية على حرب غزة والعفو الدولية تدين قمعها... المزيد
  • 07:33 . صعود أسعار النفط بعد بيانات مخزونات الخام الأمريكية... المزيد
  • 07:32 . "أرامكو" السعودية توقع صفقة استحواذ ضخمة على حساب مجموعة صينية... المزيد
  • 07:00 . دراسة تربط بين تناول الأسبرين وتحقيق نتائج إيجابية لدى مرضى السرطان... المزيد
  • 12:00 . الأرصاد يتوقع سقوط أمطار مجدداً على الدولة حتى يوم الأحد... المزيد
  • 11:46 . الجيش الأمريكي يعلن التصدي لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون... المزيد
  • 11:30 . إعلام عبري: مجلس الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفقة تبادل جديدة... المزيد
  • 11:03 . الذهب يتراجع متأثراً بموجة جني الأرباح... المزيد

جدلية الشخصية العربية وحداثتها

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 03-08-2018

هناك محاولات متنامية، استعمارية وصهيونية، استخباراتية وإعلامية واستشراقية فكرية، لسلخ الإنسان العربي عن هويته العروبية.
فمنذ السقوط المأساوي للتجربة الناصرية، بعد موت قائدها التاريخي وملهمها، ومع تراجع المدًّ القومي بسبب ضعف وتبعثر وصراعات الأحزاب والحركات القومية الأخرى، تنامت ظواهر الهجوم على الهوية من قبل الخارج وبعض قوى وأفراد الداخل.
ولذا أصبح لزاماً إعادة استحضار مكونات ومنهجيات تلك الهوية، لإعادة، على الأخص، التوازن في ذهن شباب هذه الأمة. وإذا كان من نقد ومحاولة تجاوز فليكن ذاتياً موضوعياً، وليس تقليداً أو صدى لما يقوله الآخرون، كما تفعل بعض الخطابات العربية الشاذة، المعبًّرة عن غضب طفولي مجنون عند هذا الفرد او عند تلك الجماعة.
من الضروري أن يدرك شباب الأمة أن هوية الشخصية العربية هي، إلى حدًّ كبير، هوية تاريخية شكلتها، من جهة أولى، نصوص ورؤى وقراءات دينية، ومن جهة أخرى شكلًّها تراث حضاري في الفكر والفنون واللغة والقيم والسًّلوك عبر قرون عدة.
وبالطبع فنحن هنا نتحدث عن «الأنا الجمعية» المشتركة والسًّائدة بين أفراد الأمة، مع علمنا التام بأن مقدار تواجد مكونات الهوية الجمعية التاريخية يختلف من شخص إلى شخص آخر.
كما أننا يجب أن لا نغفل عن جانبين من جوانب الموضوع: أولهما هو أن كل حقبة من الزمن تطرح أسئلة جديدة على التاريخ وتستنطقة ليجيب على تلك الأسئلة المتجددة دوماً، وثانيهما هو أن الشخصية التاريخية تتجدد وتتغيًّر، تقوى وتضعف، تصعد وتهبط في ألقها.
ما نقوله لاينطبق فقط على الشخصية العربية، إذ أن شخصيات كل الأمم هي نتاج مركًّب لأهمًّ العوامل المؤثرة في تاريخها، وهي على الأخص عوامل الدين والثقافة والأحداث الكبرى التي فجرًّتها وضبطت إيقاعها عوامل السياسة والاقتصاد والإجتماع.
ولذلك فليس صحيحاً بأن العرب ينفردون من دون غيرهم، بطرح الأسئلة حول الشخصية الجمعية وهويتها، إذ أن جميع الأمم معنية دوماً، بصور شتًى، بطرح أسئلة متجددة حول شخصياتها الجمعية وهويًّاتها.
بالنسبة لنا، نحن العرب، تطرح الحقبة الزمنية التي نعيشها أسئلة محددة، أسئلة تعنينا كأمة تحاول إيجاد طريق ومكان لها في المسيرة الإنسانية. هذه الأسئلة يجب أن يعيها شباب أمة العرب وأن لا يهدأ لهم بال حتى يحصلوا على إجابات معقولة، لا تدمًّر شخصية أمتهم الجمعية، وذلك من خلال تشويه هويتهم تلك الشخصية بالكذب الصهيوني والاستعماري وبالتلفيق المجنون من قبل بعض العرب.
السؤال الأول يتعلق بمدى أهمية المراجعة المتأنية الموضوعية لكل الجوانب السلبية في تلك العوامل الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي فعلت فعلها في تاريخهم، وبالتالي في شخصيتهم وهويتهم.
تلك المراجعة تحتاج أن تكون تحليلية تفكيكية ونقدية، لتنتقل بعدها إلى تجاوز السلبي وحذفه أو تجديده، وإلى الإبقاء على مايبدو أنه إيجابي صالح لمرحلتنا الحياتية الحالية.
سيخطئ الشباب إن اعتقدوا بأن السؤال الأول لا يخصًّهم ولايتطلب انخراطهم التام في التفتيش عن الإجابة عليه، جزء كبير من التزاماتهم الثقافية يجب أن تنشغل بذلك الأمر. ذلك أن الإجابة على السؤال الأول ستساعدهم على الإجابة على السؤال الثاني، الملتصق أشدًّ الالتصاق بحاضرهم ومستقبلهم.
السؤال الثاني هو مدى الترابط أو التناقض بين شخصيتهم وهويتهم تلك وبين مسلًّمات وادًّعاءات ما يعرف بالحداثة، التي بدأت كحصيلة للنهضة والأنوار الأوروبية لتنتهي اليوم بأن تصبح حداثة شبه عالمية. هنا يحتاج الشباب العرب إلى أن يعوا تماماً الملاحظات النقدية الكثيرة حول مسلًّمات الحداثة وتطبيقاتها الخاطئة الكثيرة عبر القرون الثلاثة الماضية.
ولعلُّ قراءتهم لأدبيات النقد الشديد للحداثة الغربية الذي وجهته المدرسة التفكيكية، بقيادة المفكرين الفرنسيين من أمثال جاك دريدا، وأدبيات كتًّاب مدرسة ما بعد الحداثة الكثيرين، ستعينهم على الإجابة على السؤال الثاني. سيعلمون عند ذاك ما الذي في الحداثة قد يتعارض مع شخصيتهم وهويتهم، وما الذي لايتعارض على الإطلاق. لن يكون الأمر سهلاً، ولكنه غير مستحيل.
سيكتشف الشباب المقولة الخاطئة والتي تعتبر الحداثة الغربية هي المراكز الذي تدور من حول بقية الحداثات، بما فيها الحداثة العربية الذاتية، خصوصاً عندما يتعرفون على ماذكرنا من نقد كثير وتساؤلات كثيرة موجًّهين لتلك الحداثة.
هناك تساؤلات كبرى حول بعض مكونات الحداثة من مثل المدى المعقول للحرية الشخصية والاستقلالية الذاتية، أو من مثل موضوع التقدم ومعانيه وحقوله وتوجهاته، أو من مثل نوع الارتباط بين إملاءات العقلانية والتزامات القيم.
نحن هنا لا ندعو إلى المماحكة والصًراعات العبثية، وإنما ندعو إلى الجديًة والنديًة في دخول عوالم الحداثة، بل وحتى عوالم ما بعد الحداثة.
ما نريده من شبابنا هو أن يصلوا بجهودهم إلى نوع تركيبة الشخصية الجمعية العربية، وبالتالي هويتها، وإلى نوع التعايش بينهما وبين تركيبة الحداثة العربية الذاتية.
ذلك جهد مطلوب وملح إن كانوا يريدون لأمتهم معاودة دخولها في مسيرة الحضارة الإنسانية، المتناغمة والمتكاتفة الأجزاء وهم، إذ يسيرون في مسعاهم ذاك يجب أن لا يلتفتوا إلى أصوات الخبث والخديعة الصادرة من دوائر الإمبريالية والصهيونية ومن دوائر أبواقها في أرض العرب.