بعد أن تمّ الترحيب بالإخوان المسلمين من قبل الأنظمة في الخمسينيات والستينيات، أصبح الإخوان المسلمون مشتبهًا فيهم بداية من التسعينيات قبل أن يتعرّضوا إلى حملة قمع هائلة في العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة. وفي بقية الدول، غالبًا ما شاركوا في اللعبة السياسية وأحيانًا في المعارضة.
"العدو الإرهابي" في السعودية
من استقرار الإخوان المسلمين في العربية السعودية ولدت أيديولوجيا جديدة وحركة اجتماعية: الصحوة الإسلامية. وهي تجمع بين التقاليد الإخوانية والوهابية المكمّلة لبعضها: الأولى تغطي الحقل السياسي، والثانية تشرف على المجال الديني والاجتماعي. التدخّل السوفياتي في أفغانستان في ديسمبر 1979، أعاد إطلاق التوافق بين الرياض والإخوان ضدّ الشيوعية.
في بداية سنة 1990، عارضت الصحوة الإسلامية -في “انتفاضة الصحوة” الّتي استمرّت حتّى سنة 1995- نشر قوّات أجنبية على الأراضي السعودية. كما أطلقت حركة احتجاجية وعريضة تطالب بالإصلاحات السياسية، مثل إنشاء مجلس استشاري مستقل، وأعلن هذا التاريخ عن بداية القطيعة بين الإخوان المسلمين والأسرة المالكة. إذ إنّ الرؤية السياسية للإخوان المسلمين -دولة إسلامية تبنى على أسس انتخابية- تختلف عن رؤية المملكة الّتي تقوم على مبايعة العائلة المالكة. وفي سنة 2000، لامت السلطة الإخوان المسلمين على تحالفهم مع حماس وإيران وسوريا وحزب الله. وعزّز الربيع العربي الطلاق بين الطرفين.
وترسّخت القطيعة مع النجاحات الانتخابية لحركة النهضة في تونس ومحمد مرسي في مصر. شخصيات إخوانية سعودية دعت من جديد -بلا جدوى- إلى القيام بإصلاحات سياسية عميقة في المملكة، وفي مارس 2014 صنّفت العربية السعودية التنظيم كـ”منظّمة إرهابية”: “كل شخص يدعم معنويًا أو ماليًا التنظيم، أو يعبرّ عن تعاطفه معه أو يشارك في أنشطته أو ينضمّ إليه، يتمّ تتبعه قضائيًا”.
ليس هنالك برلمان في المملكة ولا تعدّدية سياسية، ولا يعترف بأي تنظيم.
البحرين بين الملكية والمعارضة
على عكس حليفيه السعودي والإماراتي في رفضهما للإخوان المسلمين، تمكّن النظام البحريني من استمالة النسخة المحلية من الإخوان المنظمة داخل الجمعية السياسية ذات التوجّه الإسلامي، المنبر الوطني الإسلامي. ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأنّ -إضافة إلى تمويلها من قبل البنك الإسلامي- جمعية المنبر مدعومة من الديوان الملكي. وهذا، يضاف إلى الرابط المفترض بين الحركة والعائلة المالكة آل خليفة، إذ يبدو أنّ عمّ الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عيسى بن محمد آل خليفة كان رئيس جمعية الإصلاح، فرع الإخوان المسلمين، أول جمعية أنشأت في الخليج في 1941.
لا يمكن فهم هذا التحالف دون ذكر السياق الطائفي الخاص للبحرين، حيث يكافح النظام ضدّ الأغلبية الشيعية الممثّلة جيّدًا في البرلمان. بعد حصولها على 6 و7 مقاعد في انتخابات 2002 و2006، سجّلت جمعية المنبر هزيمة في 2010 مع نجاح نائبين فقط، بسبب خلافها مع السلفيين في الأصالة الّذين تشاركهم رؤية اجتماعية محافظة، وأجندة داعمة للنظام على الصعيد السياسي والاقتصادي.
الإمارات العربية المتّحدة، قمع وحشي
الروابط بين الإماراتيين والإخوان المسلمين المصريين، تعود إلى قبل إنشاء دولة الإمارات العربية المتّحدة: في سنة 1950 و1960، استقبلت الإمارات الإخوان المسلمين الفارّين من مصر. وازدهر الإخوان المسلمون هناك، حيث تلقوا تعليمهم وشغلوا وظائف في القطاعات العمومية والخاصة.
في سنة 1971، أسس طلبة إماراتيون عائدون من مصر والكويت جمعية الإصلاح المتأثرة بالإخوان المسلمين. ومنذ سنة 1980، أصبح نفوذ الإخوان المسلمين مهمًّا قي قطاع التعليم العمومي. وبعد إغلاق قصير بين 1988 و1989 لتهدئة اللهجة العدائية للجمعية، سعى النظام إلى احتواء نفوذه. في سنة 2003، عندما توصّلت العائلة المالكة القطرية إلى تسوية لاختفاء الحركة من قطر، سعى ولي العهد في “أبوظبي” إلى الاتفاق مع الإصلاح، يمكّنه من متابعة نشاطاته في الإمارات العربية المتّحدة مقابل أنّ تبتعد عن السياسة، و في 2003 و2006 و للحدّ من تأثيره على الشباب، قام النظام بإسكات أعضاء الإصلاح وأبعدهم عن القطاعات القضائية والتعليمية.
وفي 2011، بلغت القطيعة أوجها، بعد قيام 133 شخصية عامة إماراتية بالتوقيع على عريضة تطالب ببرلمان منتخب ذي صلاحيات تشريعية، ومن بين الموقّعين أعضاء من الإصلاح. خشيت السلطات من تحالف بين الإسلاميين والليبراليين والمعتدلين يؤدّي -كما في الحالة المصرية- إلى تغيير النظام. ومنذ ذلك الحين، أطلقت الحكومة الفدرالية حملة بوليسية واسعة ضدّ الإصلاح، وتمّ اعتقال العشرات من أعضائه ومناصريه ـ تحديدًا الموقّعين على العريضة ـ دون محاكمة واتهموهم بإنشاء “ميليشيا مسلّحة” وزعزعة استقرار البلاد.
وأعربت الإمارات العربية المتحدة عن رغبتها في إنهاء الأنشطة غير الشرعية للإخوان المسلمين في البلاد. لئن تركّز تأثيرهم على إمارات الشمال، الأفقر والأكثر محافظة، خاصة رأس الخيمة والفجيرة، فإن قدرتهم على الاستقطاب والتعبئة السياسية تبقى مهّة. وقد تمّ تصنيف الحركة كـ “منظمة إرهابية” من قبل السلطات في نوفمبر 2014.
الكويت، لعبة معقّدة مع النظام
وجود الإخوان المسلمين في الكويت بدأ في أواخر الأربعينيات من خلال أنشطتهم. وترجم هذا الدور الاجتماعي سياسيًا لأول مرة سنة 1976، عند تسمية يوسف الحاجي رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي وزيرًا للأوقاف (حتى سنة 1981). تتابعت تقوية الحركات الإسلامية في سنة 1980 من خلال الدعم التكتيكي للنظام الّذي استقوى بهم لمواجهة تأثير “اللبراليين” المنحدرين من اليسار أو القومية العربية والإسلام السياسي الشيعي، من خلال الترويج للتيارات السنية في المناطق البدوية، الطبقة الوسطى الصاعدة قليلة التسيس. ظهر نائبان إسلاميان في انتخابات 1981. ثمّ 4 في 1985. ولدت الواجهة السياسية للإخوان المسلميين المحليين ـ الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) ـ عام 1991. وتابعت صعودها بقوّة بموازاة التيارات السلفية.
ومنذ وصول الوزير الأوّل ناصر محمد الأحمد آل صباح إلى السلطة (2006-2011) -المعروف بقربه من الشيعة وأوساط الأعمال الإيرانية- اقتربت مختلف الحركات الإسلامية، الإخوانية والسلفية، من معارضة الحكومة. ومنذ 2011، “حدس” جزء من تحالف معارض، تقوده أساسًا العشائر، خاصة للقانون الانتخابي الجديد الّذي أدّى إلى مقاطعة الاقتراعين الأخيرين. وقد دعم رسميًا “المشروع الوطني للإصلاح” الّذي قدّمه في أبريل 2014 : قبائل الحركة الدستورية الشعبية (حشد) وحركة الشباب، ذات التوجّه الإسلامي، والحركة المدنية الديمقراطية (حدم) إلى جانب جزء من السفليين ويساريين سابقيين من “التيار التقدمي”. بتحالفهم مع التيارات الإسلامية الأخرى والحركات القبلية المحافظة، يمتلك الإخوان المسلمون شبكة تأثير صلبة جدًّا سواء في مجال التعليم (النقابات والجامعات) أو الجمعيات الخيرية، خاصة داخل المنظمة الحكومية بيت الزكاة، الّتي تجمع “الضريبة الإسلامية”. ولكن، مع فتح قضية ضدّ الإصلاح في مارس 2014 للخلط بين الأنشطة الخيرية والسياسية، يبدو أنّ ضغوط دول الخليج الأخرى قد بدأت بالظهور.
عمان، حضور ضعيف
في عمان، حضور حركة الإخوان المسلمين محدود جدًّا في المشهد السياسي، حيث لا تنظيم قانوني إلا في إطار اجتماعي. هذا يعود بداية إلى أنّ أغلبية الشعب (بين 45 و65 %) من الإباضيين، أي تتبع مذهبًا إسلاميًا يعتبر نفسه سابقًا للشيعة والسنة، وبالتالي يصنّف خارج الانقسام، رغم أنّ ممارسة هذا المذهب قريبة من المذهب السني المالكي. والإسلام السياسي العماني له تاريخ خاص، باعتبار أنّ الأئمة الإباضيين حكموا ـ بصورة منقطعة ـ الداخل الجبلي للبلاد، حّتى إعادة توحيد السلطنة الساحلية والإمامة سنة 1955.
بالاعتماد على الأقلية السنية (بين 35 و50 %) ـ وأيضًا استقطابهم داخلها محدود ـ يعمل الإخوان المسلمون سرًا، في 1994، لاحقت الحكومة عدّة المئات من الأشخاص الضالعين في “مؤامرة” إخوانية، من بينهم السفير السابق في واشنطن وقائد سابق في جيش الجو و2 من كبار الموظفين الوزاريين. أخيرًا، لوحظ حضورهم السري خلال تظاهرات 2011 و2012، خاصة في صحار وصلالة، في إطار النسخة المحلية للربيع العربي.
قطر، غير معترف بهم ولكن مؤثرين
علاقة الإخوان المسلمين بقطر معقّدة، الدوحة بدت كداعم رئيس للإخوان في كلّ مكان إلا داخلها، إذ إن الفكر السياسي الديني طالما كان قريبًا من الفكر الوهابي الّذي طوّر في الجارة السعودية. ولكن، حلّ الفرع القطري للإخوان المسلمين ذاتيًا في بداية سنة 2000 في إطار اتّفاق العائلة الحاكمة آل ثاني. ومنذ ذلك الحين، لم يسجّل أي نشاط إخواني للسكان المحليين في الإمارة الّتي ينظر إليها في الخارج كالداعم الثابت للتيار، حتّى قبل الثورات العربية.
بالإضافة إلى أن القناة الفضائية “الجزيرة” لطالما كانت “المتحدّث الرسمي” للإخوان. وتحتضن قطر الإخوان وتوفّر منصّة عمومية لكبرى شخصيات الحركة، بداية من الشيخ يوسف القرضاوي وتدعم ماليًا التيار في تونس ومصر وفلسطين. في أكتوبر 2012، مثلًا، الأمير حمد آل ثاني كان أوّل زعيم دولة يزور رسميًّا قطاع غزة، في حين أن رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل يعيش في الدوحة بعد أن غادر دمشق، ودعم الانتفاضة الشعبية في سوريا؛ إلا أنّ الضغوطات الّتي مارستها العربية السعودية على الأمير الجديد وفشل الإخوان المسلمين في مصر دفع النظام لتبني موقفًا أكثر حذرًا. في سبتمبر 2014، طالبت الإمارة من العديد من قيادات التنظيم مغادرة أراضيها.