يحتفل الشعب الإماراتي في الثاني من ديسمبر من كل عام بذكرى الاتحاد الذي توافَقَ عليه الآباء المؤسسون لدولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971. ففي مثل هذا اليوم، وفي الذكرى الثالثة والأربعين للاتحاد، يستذكر الإماراتيون سيرة الإنجازات والعطاء التي وضع أُسسها الشيخ زايد والشيخ راشد وإخوانهم حكام الإمارات رحمهم الله. وبهذه المناسبة الوطنية التي تعتبر الركن الوطني الأكبر للشعب الإماراتي المعبر عن هويتهم الوطنية وكيانهم السياسي، فإن الإماراتيين ينظرون بإعجاب للمكانة التي وصلت إليها دولتهم محليا وإقليميا ودوليا، إلى جانب طرحهم العديد من التساؤلات الوطنية المعمقة المشروعة حول راهن ومستقبل دولة الإمارات وسياساتها ومواقفها وعلاقاتها وأولوياتها. فهل تنطبق صفة الاستمرارية في علاقات الدولة وأولوياتها كما تنطبق على مظاهر الإنجازات الأخرى؟ هل هناك تغيير في سياسة الدولة وألوياتها الداخلية والخارجية عن عهد الآباء المؤسسين، وفي أي اتجاه هذا التغيير؟
مسيرة الاتحاد.. إنجازات بلا حدود وبلا توقف
كما الحال في كل عام بهذه المناسبة، وجه رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد كلمة وطنية خاطب فيها الشعب الإماراتي ودول العالم الأخرى. استهل رئيس الدولة كلمته بالقول:" في الثاني من ديسمبر نستعيد فيه بالإكبار السيرة العطرة للآباء المؤسسين الذين صاغوا تطلعات الوطن والمواطن وجعلوا من تعدده كياناً سياسياً واحداً هو دولة الإمارات العربية المتحدة".
وتابع رئيس الدولة، يعدد الإنجازات الحضارية لدولة الإمارات قائلا:" لقد تبوأت الدولة مرتبة مرتفعة جدا في مؤشرات التنمية البشرية وتحقيقها المرتبة الأولى عربيا في مؤشرات الابتكار والسعادة وجودة الحياة وممارسة الأعمال، وكذلك الأولى عالميا في التماسك الاجتماعي والكفاءة الحكومية وحسن إدارة الأموال العامة والثقة في الحكومة وفي متانة الاقتصاد. كما أن الدولة أصبحت مركزاً إقليمياً رئيساً للتجارة الدولية ورائداً إقليمياً في تمكين المرأة إضافة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة بين الأفضل عالمياً في مؤشرات الأمن والاستقرار".
وتأكيدا لمستوى الإنجازات الرفيع الذي وصلت إليه الإمارات، فقد تحدث وكتب كثيرون من الإماراتيين والخليجيين والعرب مشيدين بالنهضة التي استطاعت أن تحققها الإمارات خلال العقود الماضية. الكاتب الصحفي المصري علي إبراهيم، كتب مقالا في الشرق الأوسط بعنوان"الإمارات وليبيا"، بين بالمقارنة بين البلدين الفرق الكبير الذي حققته الإمارات عن ليبيا مع تشابه كلتا الدولتين في كثير من المجالات، بل وتفوق ليبيا عن الإمارات في بعض الميزات الجيبولتيكية. فقال " الناتج المحلي الإماراتي يصل إلى نحو 400 مليار دولار، بينما الليبي يقدر بنحو 70 مليارا، ونصيب الفرد في الإمارات من الناتج الإجمالي يصل إلى 28 ألف دولار سنويا، بينما هو في حدود 6 آلاف في ليبيا. ولن تتردد أي شركة عالمية إذا كان لديها مصلحة في الاستثمار في الإمارات، بينما ستقدم رجلا وتؤخر أخرى في الحالة الليبية".
الكاتب الإماراتي خالد الخاجة كتب في صحيفة البيان مقالا بعنوان" من أرواحهم تجسدت روح الاتحاد"، قال فيه:" صار الارتباط بالاتحاد مبعث الحياة، وانتقل قادته من تلبية احتياجات شعبهم، من تعليم ومسكن وصحة وحياة كريمة، إلى الرضى عما يقدم، ثم إلى السعادة به، حتى أصبح شعب الإمارات العربية المتحدة أسعد شعب، ووطنهم مقصد القاصي والداني، ووجهة مفضلة للعمل والإقامة في ظل مجتمع ساده التسامح وباتت أرضه عاصمة له".
أما الكاتب الخليجي علي الطراح، فقد كتب مقالا بصحيفة الاتحاد، بعنوان " الإمارات: النمر الخليجي"، واستند إلى الإنجازات الكبيرة التي حققتها دولة الإمارات خلال سنوات الاتحاد، ليصفها بالنمر الخليجي، أسوة "بالنمور الأسيوية" التي حققت إنجازات تنموية واقتصادية كبرى ومنافسة، وهكذا هي الإمارات، كما يراها الطراح.
كلمة رئيس الدولة .. كلمة كاشفة
رغم التصريحات والكلمات التي تحدث بها حكام الإمارات وأولياء العهود والوزراء والمسؤولون، والتي تضمنت كل المعاني الوطنية التي تناسب هذه المناسبة الوطنية، إلا أن كلمة رئيس الدولة كانت أهم كلمة، كونها بسطت للشعب الإماراتي ولدول المنطقة والمجتمع الدولي الخطوط العريضة لسياسة دولة الإمارات وخاصة على المستوى الإقليمي والدولي. فبعد أن تحدث رئيس الدولة عن الإنجازات الكثيرة لدولة الإمارات، أشاد بقمة الرياض الأخيرة وجهود أمير الكويت في رأب الصدع بين دول مجلس التعاون على خلفية "أزمة السفراء". وأشار سمو الشيخ خليفة، إلى قمة الدوحة لإظهار التزام دولة الإمارات العربية المتحدة القوي بدعم الأمن الجماعي والعمل التكاملي المشترك، لتحقيق طموحات شعوب المنطقة واستقرارها وازدهارها".
الكلمة تعيد ترتيب أولويات دولة الإمارات
تطرق رئيس الدولة في خطابه، إلى مشاركة دولة الإمارات في التحالف الدولي على الإرهاب، وإصدار قانون مكافحة الإرهاب، ومع ذلك، فقط تجاهل "قائمة الإرهاب الإماراتية" التي صدرت منتصف الشهر الماضي وأثارت لغطا داخليا ودوليا كبيرا. يقول سمو رئيس الدولة:" دولة الإمارات اتخذت بكامل إرادتها قرار المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب انطلاقا من ثوابت سياستها الخارجية والتزاما بمسؤولياتها التشاركية في دعم واستقرار المنطقة والعالم". وأوضح سموه أن "إصدار قانونا لمكافحة جرائم الإرهاب، تأكيد على المواقف الثابتة الداعية لنبذ الإرهاب والتطرف والعنف ودفاعا عن خيارات الدولة وثوابت التجربة المؤسسة على قيم الانفتاح والاعتدال والوسطية".
الجزر الإماراتية المحتلة
بعد أن تحدث رئيس الدولة عن مصر، ثم عن سوريا والعراق، تناول بالجزء قبل الأخير من خطابه احتلال إيران للجزر الإماراتية، واعتبر أن استمرار هذا الاحتلال هو ما يعيق تطوير علاقات دولة الإمارات مع إيران. ويعتبر هذا الموقف من إيران، هو الموقف الرسمي الثابت لدولة الإمارات من إيران، غير أنه جاء بالترتيب بالنسبة للخطاب قبل الأخير.
القضية الفلسطينية لم تغب عن مناسبة الاتحاد
القضية الفلسيطنية لا تزال حاضرة في مواقف دولة الإمارات رسميا وشعبيا، وقد أكد رئيس الدولة على ضروة "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية". يتماشى هذا الموقف الرسمي مع مواقف الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي على المستوى الرسمي. ولكن ما يلاحظ أن القضية الفلسطينية كانت تحتل في أولويات السياسية الإماراتية واهتماماتها موقعا رئيسا ومتقدما وفي أعلى قائمة الاهتمامات السياسية لدولة الإمارات على الصعيد الدبلوماسي والسياسي.
اختلاف في التقييم وتساؤلات
صحيفة الحياة، أشادت بتقرير مقتضب حول عيد الاتحاد، بعنوان" الإمارات تحتفل بيوم الاتحاد وسط تزايد دورها الخليجي والإقليمي" قائلة، " العيد يرتدي طابعا مميزا هذا العام، اذ بلغت دولة الامارات مرحلة من النضج السياسي والديبلوماسي تتناسب مع الثورة العمرانية والاقتصادية التي تشهدها، لترتفع بالأداء الداخلي الى مستوى غير مسبوق من الفاعلية والتخطيط الهادف الحريص على الارتقاء بمختلف مناطق الدولة في انسجام وتناسق" على حد تقدير الصحيفة.
وترى الصحيفة، أن تطور الإمارات رسخ دور أبو ظبي في إطار منظومة التعاون الخليجي، بعدما برهنت أنها حريصة على وحدة دول مجلس التعاون، وانها قادرة بالتنسيق مع اشقائها، وخصوصا المملكة العربية السعودية، على تصحيح اي خلل في أداءه، وإعادة الإنسجام إلى صفوفه للحفاظ على دوره الإقليمي.
ورأت الصحيفة، أن الامارات تمكنت عبر تفعيل دورها الخليجي والاقليمي من المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بعدد من ازمات المنطقة والمساهمة في وضع حلول لها، مثل الوضع في كل من مصر وليبيا والعراق، حيث كان للتنسيق الاماراتي – السعودي الدور الكبير في رسم خريطة الطريق الضرورية للمباشرة في معالجة هذه الازمات تمهيدا لانهائها، سواء عبر الخطوات الديبلوماسية او عبر المشاركة المباشرة في الجهود على الارض.
واختتمت الصحيفة، بالقول:" لقي الدور الاماراتي اعتراف العالم العربي، والمجتمع الدولي الاوسع، وأسهمت ديبلوماسية ابو ظبي في خروج منظمة الامم المتحدة ومجلس الامن بقرارات عدة تتعلق بالمنطقة، وخصوصا في شأن الوضع في ليبيا وقضية الشرق الاوسط".
ومع ذلك، هناك اختلاف في تقييم المواقف الإماراتية حول العديد من المسائل والأولويات. فهناك من يعتبر أن مواقف الإمارات تغيرت باتجاه "سلبي"، وفق ما يشير إليه إماراتيون وخليجيون وعرب حول مجمل القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، أو على الأقل لم تعد بذلك الالتزام الوطني والقومي المعروف عن دولة الإمارات.
وكمثال على من أشاروا إلى تغير في المواقف الإماراتية، ما قالته الناشطة إلهام بدر، في تغريدات سابقة لها لحجم التغير في المواقف الإماراتية، من وجهة نظرها، قائلة:" هناك"دور إماراتي أمني بالتعاون مع مصر و محمد دحلان للتضيق على المقاومة، و التطبيع مع إسرائيل". هذه الاتهامات وغيرها دفعت وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، للرد عليها بالقول:" يحاول البعض أن يلصق بالإمارات التهمة الجائرة تلو الأخرى، و سرعان ما تدرك أن حقدهم سببه فشل مشروعهم الحزبي حين تقلدوا المسؤولية”، “صراحة و مصداقية الامارات في تعاملها الاقليمي عنوان نجاحنا، فلا نغير لوننا و نحترم قناعاتنا و نُجل صداقاتنا و لا نقف مع الشيء و ضده"، على حد قوله.
ولعل تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر مؤخرا يمثل أكبر تحد وتساؤلات لم تستطع الدبلوماسية الإماراتية التعامل معها أو تفنيدها سوى بنفي ما ورد بالتقرير. فقد تضمن التقرير انتقادا قاسيا لدولة الإمارات، عندما قال:" إن وراء وجه الإمارات البراق يكمن واقع أقبح بكثير، يعتقل فيه النشطاء المطالبون بالديمقراطية" على حد تعبير المنظمة.
و تأتي هذه المناسبة لعيد الاتحاد، ويرزح عشرات الناشطين الإماراتيين في السجون كمعتقلي رأي وفق ما تؤكد تقارير دولية حقوقية معتبرة، منها تقارير صادرة عن الخارجية الأمريكي. لذلك، يطرح الإماراتيون اليوم تساؤلات حول إعادة دولة الإمارات ترتيب أولوياتها وسياساتها وخاصة على الصعيد الخارجي، بحيث أصبحت مكافحة الإرهاب والحرب عليه، الأولوية الأولى مع تراجع الاهتمام بالقضايا الأخرى. ويستند هؤلاء في تساؤلاتهم، إلى تكرار ورود اسم بلادهم في الشأن المصري، باعتبار الإمارات أكبر داعم للانقلاب، كما يرى قطاع واسع من الإماراتيين، وتردد اسم الإمارات بشن غارات ضد "ثوار ليبيا"، وهو ما ألمح إليه الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله مؤخرا.. ومشاركتها قبل نحو عامين القوات الفرنسية بهجوم على دولة مالي، وفق إشادة للرئيس الفرنسي بدور إماراتي في هذا الشأن، ورصد ناشطين تونسيين تدخلا إماراتيا في بلادهم بعد الثورة لصالح أطراف المعارضة وإهداء الإمارات سيارتين للمرشح الرئاسي التونسي قائد السبسي. هذه التساؤلات وغيرها، لم تكن متصورة ولا حاضرة لدى الشعب الإماراتي قبل عقد من الزمان، وهو ما يؤكد أن مسيرة الاتحاد في الإنجازات الاقتصادية مستمرة ولكن سياسات ومواقف الاتحاد وعلاقته وأولوياته متغيرة!