ما كان للمواطن الإماراتي أن يدخل، إلى مواقع الإنترنت المعارضة أو منصات التواصل الإجتماعي التي تحمل رأيا مخالفا للدولة، إلا متلفتا أو متخفيا من رقابة الأجهزة الأمنية له، ليكسر هذا الحاجز في 2014
تعود جذور المشكلة، إلى ما قبل الربيع العربي، وتحديداً إلى صيف 2009 عندما أطلق عدد من الناشطين، وبينهم طلاب جامعيون ومدوِّنون، وعلى رأسهم الحقوقي المعروف بصلابة مواقفه أمام غطرسة السلطات الأمنية أحمد منصور "منتدى الحوار الاماراتي" لتبادل النقاشات. وسرعان ما اكتسب الموقع، الذي زاره في وقت قصير الآلاف من مستخدمي الإنترنت المقيمين في الإمارات، والذي ينشر مئات التعليقات، شهرة واسعة جعلت منه المكان الأفضل للتعبير عن المظالم.
لتأتي في يناير 2010 حادثة تبرئة أحد أفراد الأسرة الحاكمة في أبوظبي من اتهامات له بممارسة التعذيب والمثلية الجنسية، وتثير حولها الجدل والتعليقات ولم تمضِ أيام حتى بات يتعذّر على زوّار الموقع في داخل الإمارات، دخوله.
فيما شكّل سقوط مبارك فبراير 2011، عاملاً مشجِّعاً لتوزيع عرائض رُفِعَت في نهاية المطاف إلى حاكم أبوظبي. وقد طالبت عريضة وقّعها 130 مثقّفاً ببرلمان منتخَب بكامل أعضائه وتطبيق الاقتراع العام، وبأن تعتمد الإمارات نظاماً ملكياً دستورياً يلتزم حقوق الإنسان ومبادئ أساسية أخرى، وتنظيم انتخابات مباشرة لاختيار مجلس يتمتّع بسلطات اتّحادية كاملة في مجالَي الإشراف والتشريع.
لتبدأ بعدها الملاحقات الأمنية للنشطاء الإماراتيين على مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الإجتماعي، على رأسهم سجين الرأي الدكتور محمد الركن، وهو محامي بارز متخصص في حقوق الإنسان، والذي ظل طوال سنوات هدفا لمضايقات الحكومة جراء انتقاده لسجل حقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة ومطالبته بإصلاحات ديمقراطية. ويمضي الركن الآن حكما بالسجن 10 سنوات صدر بحقه عقب محاكمة جماعية جائرة بحق 94 ناشطا شابتها الكثير من العيوب أمام دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا، وهي المحاكمة التي اشتُهرت على نطاق واسع باسم محاكمة "الإمارات 94".
وفي قضية رمزية أخرى، أُلقي القبض على الناشط أسامة النجار (25 عاما) في مارس 2014 بعد أن عبر في تعليقات نشرها عبر موقع تويتر عن سوء المعاملة التي يلقاها والده حسين علي النجار الحمادي وغيره من السجناء السياسيين المحتجزين في سجن الرزين في أبوظبي. وعقب اعتقاله، تم وضع أسامة في الحبس الانفرادي وقال إنه تعرض هناك للكم والضرب المتكرر على وجهه وعموم جسده والتهديد بصعقه بالكهرباء. ويمضي والده حكما بالسجن 11 سنة عقب إدانته بتهم مبهمة تتعلق بالأمن القومي بعد محاكمتين جماعيتين جائرتين. وأودع عقب اعتقاله في عام 2012 في الحبس الانفرادي مدة ثمانية أشهر في ظروف ترقى إلى الاختفاء القسري، بحسب منظمة العفو الدولية.
لتأتي عقب تلك المرحلة، تسجيل حضور حذر للآراء المعارضة للدولة، بأسماء مستعارة حينا، أو من خلال التطرق إلى المشاكل الاجتماعية والابتعاد عن النهج السياسي للدولة حينا آخر، إلا أن ما ميّز هذه السنوات نشاط المؤسسات الحقوقية الدولية في نقد نهج دولة الإمارات وتحديدا أبوظبي، في قمع الآراء المخالفة لها، كما تطرقت بتفصيل إلى أساليب التعذيب المختلفة التي تمارس بحق من خالفوها الرأي.
وبدأ المواطنون الإماراتيون يخرجون عن صمتهم بتدرج متصاعد، بلغ ذروته في عام 2014، والذي وصفه مراقبون بأنه عام "كسر حاجز الصمت"، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا وتساؤلا ونقلا للأخبار والمواقف التي تصدر عن الدولة، وتعليقاتهم عليها.
فكان من أوجه ما تم رصده، جدوى الدعم اللا محدود التي تقدمه الدولة بعشرات المليارات من الدولارات لنظام الانقلاب في مصر، كما تم فتح نقاش موسع وجريء حول سحب الجنسيات من مواطنين هم رموز لدى أبناء الشعب الإماراتي وذو أيادي بياض فيها، وسجن بعضهم لسنوات وتناقل قصصهم وقصص عائلاتهم ومعاناتهم.
كذلك تم التطرق إلى أسباب دخول الدولة في حرب خارجية مثلما حدث في ليبيا وأفغانستان "لا ناقة لنا فيها ولا بعير" بحسب وصف أحدهم، بالإضافة إلى تساؤلات واسعة حول الأسباب الحقيقية لعداء الدولة لجماعة الإخوان المسلمين.
كما لم تخلوا المشاركات من نقد وغضب من تزايد الفساد الأخلاقي، الذي انعكس على تراجع نسبة الزواج وارتفاع معدلات الطلاق، بالإضافة إلى انتشار المخدرات، وتراجع التحصيل العلمي لدى الطلبة، ناهيك عن تململ المواطنين من بقاء عائلات بعينها على سدة المناصب الحساسة في الدولة، كما تم التطرق إلى الخسائر الاقتصادية التي منيت بها أسواق المال.
الأمر الذي دق ناقوس الخطر مجددا لدى أركان الدولة، وكان لافتا للنظر أن تعقد ندوة موسعة شاركت فيها عدة جهات حكومية، تحت اسم "حرب الشائعات"، دعت فيه إلى تفعيل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بهدف مواجهة هذه الشائعات التي قد تلحق الضرر بصورة الدولة.
وهو ما فسره مراقبون إلى حجم الانتشار الواسع، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية وحدها على ضبط ايقاع الآراء المعارضة لها في الدولة، التي تعدت النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى المواطن العادي، لحقائق بدت كالشمس في وسط النهار.
حيث خرج المشاركون من الندوة بتوصيات كان على رأسها وضع خطة على مستوى الدولة للرد على الشائعات، عبر تأسيس جهة أو مؤسسة وظيفتها رصد ومتابعة الشائعات الخطيرة والرد عليها، بالإضافة إلى ملاحقة من يردد هذه الشائعات قانونيا.
ويرى مراقبون أنه ورغم هذه التوصيات، التي تهدف صراحةً إلى لجم المنتقدين، ومصادرة حقهم في التعبير، إلا أنهم توقعوا استمرار ردود الأفعال وتطورها لتشمل مشاركة أوسع من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، وارتفاع أصوات المواطنين المناديين إلى الاصلاح في الدولة.