لإبراز صورتها السياسية والثقافية، تختار دولة الإمارات العربية المتحدة معاركها بعناية. وتُظهر المشاركة في قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» - المجموعة الجهادية التي تسيطر على مساحات من سوريا والعراق - الإمارات كقوة عسكرية لا يُستهان بها. أما الهدف المقبل للإمارات فهو لعبة كرة القدم.
وفي الوقت الذي يشهد تركيزًا متزايدًا على حقوق الإنسان من قبل الاتحادات الرياضية الدولية، فإن الإمارات العربية المتحدة تحاول الحصول على حق تنظيم واستضافة كأس آسيا لعام 2019م. ويمكنها أن تفعل ذلك بشكل آمن، مع العلم أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم من غير المرجح أن يبادر بتوبيخها لضعف سجلها في مجال حقوق الإنسان والعمالة. ولدى الاتحاد الآسيوي تاريخ من دعم الأنظمة الاستبدادية وعدم احترام المواقف التي اتخذها الاتحاد العالمي لكرة القدم «فيفا» وغيره من الجمعيات.
وجاءت عملية دراسة الاتحاد الأسيوي لكرة القدم للعطاء الذي تقدمت به الإمارات هذا الأسبوع من خلال زيارة جاءت بعد أيام من إعلان «جوزيف بلاتر» - رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم – أن حقوق الإنسان ستكون معيارًا في المناقصات الخاصة ببطولة كأس العالم في المستقبل. وأعقب تصريحات «بلاتر» انتقادات شديدة للنظام القطري بسبب العمال المهاجرين وزيادة التركيز على حقوق الإنسان من قبل اللجنة الأولمبية الدولية. وتتعرض الإمارات العربية المتحدة بالفعل لانتقادات حادّة من جماعات حقوق الإنسان بسبب معاملتها للعمالة الأجنبية غير الماهرة وشبه الماهرة وكذلك قمعها للمعارضة.
ولكي نكون منصفين؛ ربما تكون الإمارات العربية المتحدة أفضل السيئيين فيما يتعلق بحقوق الإنسان بين مقدمي عطاءات كأس آسيا؛ والتي تضم المملكة العربية السعودية وإيران وتايلاند، حيث إنه لا يوجد بينها واحدة من الممكن أن تُوصف بأنها تحترم الحقوق السياسية والحريات الفردية لمواطنيها. فرض الجمهورية الإيرانية والمملكة العربية السعودية القيود على حقوق المرأة الرياضية جعلهما بالفعل في مرمى النار مع الاتحادات الرياضية الدولية.
ورفض الاتحاد الدولي للكرة الطائرة مؤخرًا محاولة إيران استضافة بطولة العالم للكرة الطائرة للرجال تحت سنّ الــ 19 بسبب القيود الايرانية المفروضة على النساء والتي تحول دون دخولهم إلى الملاعب.
ويتناقض موقف الاتحاد الدولي لكرة القدم بشكل صارخ مع موقف الأمين العام للاتحاد الأسيوي لكرة القدم «داتو أليكس سوساي»؛ والذي عبّر خلال كأس آسيا الشهر الماضي في أستراليا عن رضاه واحترامه للقوانين الإيرانية التي تمنع النساء من مشاهدة مباريات كرة القدم للذكور في الملاعب. وقال «نحن متفتحتون للغاية. وفي أستراليا هناك جالية إيرانية كبيرة ليس من الممكن منعها من القدوم إلى الملعب لأنه لا قيود هنا. وفي إيران توجد قيود. هناك بعض القيود التي تمنع النساء من الدخول إلى الملعب ومشاهدة مباريات كرة القدم» بحسب «سوساي».
ودافع «سوساي» عن تصريحاته بالإشارة إلى أنه تمّ السماح للمسئولين الزائرين وممثلي وسائل الإعلام من الإناث بحضور أحداث الاتحاد الآسيوي لكرة القدم في إيران في الملاعب شريطة أن يغطين شعرهن. «عليك أن تحترم القوانين التي تفرض عليهن تغطية أنفسهن. هناك قانون خاص بالملابس ولابد من احترامه. ولا مشكلة في ذلك في إيران على الإطلاق وليس من اللائق أن نجعل من الأمر قضية»؛ هكذا كانت كلمات «سوساي» التي تجاهلت حقيقة أن جُل النساء الإيرانيات ممنوعات من دون اي استثناءات.
وأثارت تصريحات «سوساي» تساؤلاً لماذا دولة الإمارات العربية المتحدة - والتي لا تمنع حضور المرأة إلى الملاعب - قلقةٌ من أن الاتحاد الآسيوي سوف يسير على خطى الاتحادات الرياضية الدولية الأخرى فيما يتعلق بحقوق الإنسان؟. إذا كان هناك شيء، فإن تصريحاته عكست الارتباط طويل الأمد للاتحاد الآسيوي بالاستبداد في المنطقة المولعة بلعبة كرة القدم؛ حيث يرى الحكام تلك اللعبة كأداة لممارسة السيطرة المطلقة على المناخ العام.
وبالمثل؛ يبدو أن القبض خلال ديسمبر الماضي على الطيار الأردني «معاذ الكساسبة» ثم قتله بطريقة وحشية على يد تنظيم «الدولة الإسلامية» سيدفع الإمارات لوضع استراتيجية خاصة بساحة المعركة العسكرية تسير على قدم المساواة مع طريقتها الخالية من المخاطر نسبيًا لكرة القدم.
وذكرت تقارير أن دولة الإمارات العربية المتحدة بادرت فور أسر الطيار الأردني بوقف مهماتها القتالية ضمن حملة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «الدولة الإسلامية». ويتردد أن مسؤوليين إماراتيين تحدثوا إلى مسؤولين عسكريين أمريكيين مُشيرين إلى أن اعتقال «الكساسبة» دليل على أن التحالف ضد «الدولة الإسلامية» لم يضع قدرات وإمكانيات كافية للبحث والإنقاذ مع حدوث أي طاريء.
وأقنع الفيديو الشنيع - الذي تمّ بثه يوم الثلاثاء مُظهرًا حرق «معاذ الكساسبة» حيًا حتى الموت - الأردن بأن تعيد ترتيب حساباتها فورًا مستخدمة مزيد من العنف المتسم بالغضب ضد «الدولة الإسلامية»، على عكس الإمارات العربية المتحدة التي أوقفت مهامها القتالية. وقامت الإمارات العربية المتحدة في نهاية هذا الأسبوع بإرسال سرب من مقاتلات «إف - 16» إلى الأردن قاطعة طريق إعلان النصر بانسحاب الإمارات من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، ولم يتضح حتى الآن ما إذا كان الإماراتيون سيقومون بشنّ هجمات ضد التنظيم انطلاقًا من المطارات الأردنية أم لا.
وحصدت الإمارات العربية المتحدة - في الوقت الذي تم القبض على الطيار الأردني - بالفعل فوائد في العلاقات العامة من مشاركتها في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، واستثمرت ملايين الدولارات لضمان أن تحركات الدولة الخليجية أثمرت بشكل إيجابي. وأسهبت وسائل إعلامية بشكل مُوسّع في حقيقة أن امرأة– «مريم المنصوري» - كانت بين أول الطيارين الذين يقودون المقاتلات الإماراتية في مهمة ضد «الدولة الإسلامية»، الأمر الذي جعل صحيفة «واشنطن بوست» تصف الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر الماضي بـ «الحليف القوي المُلقب بليتل سبارتا» للولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد أن أنهت المركز الثالث في كأس آسيا الشهر الماضي، فإن الإمارات العربية المتحدة واثقة من قدرتها على الاستفادة في هذا السياق كما استفادت من مشاركتها في القتال ضد «الدولة الإسلامية». تلك الثقة ليس لها أساس من الصحة. وقال الشيخ «سلمان بن إبراهيم آل خليفة» - رئيس الاتحاد الآسيوي وعضو العائلة الحاكمة في البحرين التي سحقت الاحتجاجات الشعبية في عام 2011م بوحشية وحافظت على نظامها القمعي منذ ذلك الحين - مُؤخرًا إن هناك «فرصة قوية» أمام الإمارات لاستضافة كأس آسيا.
(هافينجتون بوست)