يصادف التاسع عشر من رمضان ذكرى وفاة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان, مؤسس الدولة وراعي نهضتها الحديثة، والقائد الذي أوجد أنموذجاً استثنائياً في عالمنا العربي المعاصر. هذا الأنموذج لا يزال يحير المراقبين ويدعوهم لدراسته مراراً وتكراراً لمعرفة الأسس العلمية والاجتماعية التي قام عليها في منطقة كان كل ما فيها تقليديا وصارما وصامدا أمام التغير. ويمكن أن يكون أكثر ما يحير المراقبين هو أن الآباء المؤسسين استوحوا تجربتهم هذه من البيئة المحلية وليس باستنساخ تجارب أخرى.
جاء زايد من رحم الصحراء بكل ما فيها من قيم صارمة وعادات محلية محافظة وتقاليد راسخة. وعلى الرغم من ذلك استطاع زايد أن يبني دولة منفتحة على العالم ومتطورة ومتبنية لآخر ما وصلت إليه التقنيات الحديثة وأساليب العيش الجديدة ومتعايشة مع الآخر بتناغم شديد، مما جعل من الإمارات أنموذجاً للتعايش السلمي والوسطية في العالم. وهذا الانموذج الذي أسس له زايد أبهر الدنيا من حولنا وجعل من زايد قائدا فذا وراعي الوسطية في العالم الحديث.
والحقيقة أن زايد استلهم سياسة الوسطية من بيئته المحلية ومن الصفات الشخصية التي تمتع بها هو شخصياً. فقد تميز زايد بصفات أهمها القدرة على إقناع من حوله والذكاء العاطفي والقدرة على التواصل مع الناس والتكيف مع متغيرات العصر والثقة بالنفس والتصميم على بلوغ الأهداف.
هذه الصفات جعلت من زايد قائدا ماهرا استطاع تجاوز العديد من المحن والعقبات بصبر كبير وثقة وعزم. حاول زايد بناء الدولة الحديثة معتمدا على أسس تنموية واضحة, فبدأ بالتعليم الذي اعتبره إحدى أهم أدوات القائد الناجح للنهوض بالمجتمع، وإحدى أهم الدعائم التي تقوم عليها خارطة الطريق.
ولتحقيق هذا الهدف سعى زايد لجعل التعليم مجانيا لكل مواطن، ذكرا كان أم أنثى، وهكذا، وفي وقت قصير، انخفضت نسبة الأمية تدريجيا. ولهذا سعى لجعل التعليم إلزاميا وإقناع المجتمع التقليدي آنذاك بإشراك المرأة في عملية التعليم لبناء قدراتها وتسليحها بالأدوات اللازمة التي تؤهلها لخوض عملية التنمية جنبا إلى جنب مع الرجل. وكان نجاح المرأة في التعليم ومن ثم في ميدان العمل من أهم نجاحات زايد المجتمعية.
اعتمد زايد كذلك على مقوم آخر ألا وهو تنمية المهارات والقدرات المحلية، فجعل المواطن محور عملية التنمية، وجعل التوطين هدفاً مهماً من الأهداف التنموية لبناء مجتمع ناجح قائم على سواعد أبنائه. وفي هذا الإطار جعل من تمكين المرأة الإماراتية هدفا آخر بحكم الظروف الديمغرافية الموجودة في المنطقة. فهيأ لها كل السبل للمشاركة بفعالية في خدمة المجتمع، وسهل الطريق أمامها في إطار ما يكفله لها الشرع والقوانين المحلية.
ويمكن أن يكون أهم ما دعم مكانة المرأة هو دعم زايد المتواصل لها، الأمر الذي أعطاها دفعة قوية إلى الأمام، وجعلها تتبوأ مكانة مميزة في المجتمع. تميز زايد كذلك بذكائه العاطفي وهي القدرة على معرفة مشاعر الآخرين وقراءتها قراءة صحيحة. وهذا الأمر مكن زايد من التحرك ضمن أطر اجتماعية مريحة له وللآخرين. حرص زايد بذكائه الفطري على توظيف كافة المهارات التي يمتلكها شخصيا لخير المجتمع.
فقد استطاع استخدام قدرته على الإقناع في إقناع من حوله أولا بضرورة التغيير ومن ثم إقناع المجتمع بأكمله بأهمية ذلك التغير.
ولهذا أتى التغير مواكبا لما يريده المجتمع، وليس ضد رغباته.
من ناحية ثانية استخدم زايد واحدة من أهم صفات القيادة الناجحة ألا وهي التخطيط الجيد للهدف. كان زايد يعلم علم اليقين بأن بناء دولة حديثة ووضع كل اللبنات الأساسية لها ومقارنتها بالدول المتقدمة في العالم ليس بالمهمة السهلة.
هذا النهج الذي وضع زايد أطره الواضحة، مكن خلفه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان من اتباعه والإضافة إليه، وبما يتناسب وظروف العصر ومتطلباته.لا غرو أن تصبح سيرة زايد مرتبطة بالعمل الإنساني وبمنهجية الوسطية.