يبلي المسلسل الكوميدي «سيلفي» بلاءً حسناً على شاشة رمضان هذا العام، وقد حققت إحدى حلقاته بعنوان «إقلاع اضطراري» انتشاراً واسعاً، وأصبحت حديث المجالس، نظراً لتناولها قضية التعصب المذهبي بطريقة ساخرة، وكذلك حلقة «بيضة الشيطان» التي تحكي قصة رجل وابنه انضما إلى تنظيم «داعش»، ويقف خلف هذا المسلسل مجموعة من الكتّاب، ويقوم بنيان العمل على كتاباتهم، إضافة إلى العوامل الأخرى بطبيعة الحال.
ولا يمكن أن يأتي «ستيفن سبيلبرغ»، وهو يحمل كاميرا على كتفه، ثم يقول: «أنت يا براد بيت قف هنا، وأنتِ يا أنجلينا جولي تقدمي نحوه واصفعيه على وجهه، هيا،«أكشن». لا يمكن أن يحدث ذلك من دون نص مكتوب، والصورة والتلفزيون والسينما والإنترنت، وكل الأشياء التي تؤثر في عقول الناس، تقوم على الكتابة بشكل مباشر أو غير مباشر.
فالمصور، الذي يستطيع إحداث التغيير من خلال الصور التي يلتقطها بطريقة تتضمن توجيه رسالة، لا يمكن اعتماده لدى جهة تعرض صوره على نطاق واسع إلا إذا كان يتحلى ببعض الوعي والثقافة، وهذا الوعي لا يهبط عليه من السماء، وتلك الثقافة لا يتحصّلها بمحض المصادفة، وإنما من خلال منهج تعليمي درسه، وصحفاً قرأها، وأفلاماً شاهدها، وإذاعات استمع إليها، وكل هذه الأمور هي نصوص مكتوبة ولو بشكل غير مباشر.
والمغنية المشهورة التي يمكن أن تفسد ذوق جيل كامل من خلال ملابسها غير اللائقة، أو كلمات أغانيها المبتذلة، لم تصبح كذلك إلا لأنها قرأت كلاماً مبتذلاً، أو كانت تعيش في بيئة مبتذلة، ومثل هذه البيئة لا تحدث من تلقاء نفسها، فربما كانت الثقافة التي تؤثر في هذه البيئة ثقافة سيئة، سواء بفضل أشخاص كتبوا نصوصاً سيئة، أو لعدم وجود أشخاص يكتبون أشياء جميلة تنتشل تلك الثقافة التي كانت في تلك البيئة التي نشأت فيها تلك المغنية، فكل شيء يجرّ شيئاً آخر.
والأمر كذلك مع الإنترنت، الذي يعد المؤثر رقم واحد في العالم حالياً، فلو كتبت أنا وأنت وغيرنا ضد العنصرية مثلاً، وأصبح العدد الأكبر ممن ينشرون موادهم المكتوبة أو المسموعة أو المرئية في الإنترنت ضد العنصرية، حتى أصبحت ثقافة إلكترونية عامة، فهل كان من يبثون العنصرية هم بالأعداد الحالية؟ ويكفي أن ينتمي الأشخاص الذين يتحكمون في حنفيات النشر الإلكتروني إلى ثقافة متسامحة ليمنعوا سيل المواد العنصرية على الإنترنت، أو يجعلوها مجرد قطرات.
أما الأمر الذي يجعل بعضهم يعتقد أنه لم تعد للكتابة والكتّاب ذلك التأثير، فلأن تأثيرها وتأثيرهم، ببساطة، لا يمكن قياسه ولا تتبعه، فلو قرأ أحدهم مقالة في يوم ما، وتأثر بالفكرة التي تناولتها وتغير إلى الأفضل مؤثراً في بقية الناس من حوله، وكان من بين هؤلاء شخص بيده سلطة إصدار القرارات التي تؤثر في عموم أفراد المجتمع، فأصدر قراراً رائعاً، فهل سيذيل القرار بهذه العبارة: أصدرت هذا القرار لأنني إنسان رائع، لأنني كنت أعيش مع شخص رائع قرأ مقالة لكاتب رائع؟! لا يمكن أن يتتبع أحد سلسلة التأثير تلك، لكن لا يمكن نفي وجودها.