استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال أربعة عقود أن تحتل مكانة متميزة ومتقدمة بين دول العالم لم تستطع دول تأسست قبلها بعقود طويلة أن تصلها. فقد احتلت الدولة المركز الأول إقليمياً في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2015، إذ حصدت المراكز الأولى في مؤشرات السياسات المالية العامة وجودة البنية التحتية والنقل الجوي، كما حلت في المركز الثاني عشر في المؤشر العام في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2015.
ولم تكتف قيادة الدولة الرشيدة بما وصلت إليه من إنجازات على ظهر الأرض فقامت بالإعلان للعالم أن حدودها الجغرافية ليست على الأرض، بل تصل إلى الفضاء أيضاً وذلك عندما أعلنت عن تدشين استراتيجية قطاع الفضاء لتكون الدولة العربية الأولى التي تمتلك برنامجاً لاستكشاف الفضاء. وتتضمن استراتيجية الفضاء للدولة العديد من المبادرات والبرامج التي تساهم في وضع الدولة على طريق تكنولوجيا الفضاء العالمية. ومن أبرز مبادرات استراتيجية قطاع الفضاء بناء وإطلاق مسبار الأمل الذي سيحط على سطح كوكب المريخ عام 2021 بالتزامن مع اليوم الوطني الخمسين للدولة، وذلك في رحلة تستغرق 9 أشهر يجتاز خلالها أكثر من 60 مليون كيلو متر. وبذلك تصبح دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن 9 دول في العالم فقط، لها برامج فضائية لاستكشاف الكوكب الأحمر.
ومما لا ريب فيه أن رؤية قيادة الدولة بتدشين استراتيجية الفضاء ستساهم بقوة في تطوير الدولة في العديد من المجالات وخاصة الاقتصادية. فدخول دولة الإمارات عصر الفضاء سيؤدي إلى تنمية العديد من المشاريع في قطاعات الاقتصاد المختلفة وبالتالي تستمر مسيرة الدولة في تنويع القاعدة الاقتصادية. ولكن؛ وحتى يتم تحقيق رؤية وأهداف استراتيجية قطاع الفضاء؛ لابد من تطوير قطاع حيوي هو أساس تنمية المجتمعات وحضارتها ألا وهو التعليم. فالاهتمام بالتعليم وإحداث تغيير جذري في المناهج والبيئة التعليمية شرط لنجاح كافة استراتيجيات التطوير التي تضعها قيادة الدولة بما فيها استراتيجية قطاع الفضاء.
ويتطلب هذا التغيير إعادة النظر في مخرجات التعليم العام والذي يشكل مدخلات للتعليم العالي، وذلك بغرض مواءمة مخرجات التعليم العالي لمدخلات سوق العمل بشكل عام واحتياجات قطاع الفضاء بشكل خاص. والحديث عن تطوير التعليم لكي يواكب رؤية القيادة السياسية ويلبي احتياجات استراتيجية قطاع الفضاء لا يقتصر على التعليم العام أو العالي فقط، بل يمتد ليشمل التعليم والتدريب الفني والمهني أيضاً. فالملاحظ أن الدولة قد قطعت شوطاً كبيراً في تنويع القاعدة التعليمية من خلال إنشاء المؤسسات التعليمية في مرحلة التعليم العام إضافة لمؤسسات التعليم العالي التي توفر المناهج بشقيها النظري والعملي، حيث تقوم مؤسسات التعليم العالي الحكومية بتحديد المهارات المطلوبة حسب تطورات سوق العمل ثم يتم إدماجها في مناهج التعليم بهدف تأهيل الطلبة المواطنين الخريجين للانخراط في قطاعات سوق العمل المختلفة. ولكن إعلان الدولة لاستراتيجية قطاع الفضاء أصبح يتطلب رؤية جديدة للتعليم في الدولة بكافة قطاعاته ومؤسساته.
فاحتياجات سوق العمل في قطاعات الاقتصاد حالياً تختلف جذرياً عن احتياجات قطاع الفضاء. وبالتالي لابد من النظر لقطاع التعليم بنظرة شمولية تضم التعليم الحكومي والخاص في المجالين العام والعالي. فلا يجوز مناقشة مدى قدرة التعليم الحكومي على تلبية احتياجات قطاع الفضاء من خريجين مزودين بتعليم ومهارات معينة من دون تطبيق السياسة نفسها على التعليم الخاص ما قبل وأثناء التعليم العالي، والذي يضم الآلاف من الطلبة المواطنين.
وبمعنى آخر؛ لابد من الإعلان عن حقبة جديدة للتعليم في الدولة يكون أساسها إرساء سياسة تعليم موحدة تركز على تحديد احتياجات قطاع الفضاء، ثم يتم تعديل المناهج وتطوير البيئة التعليمية، وتحديد المهارات المطلوب إكسابها للطلبة المواطنين ووضع إطار وطني عام لها تلتزم به جميع مؤسسات التعليم العام والعالي الحكومية والخاصة. ومن أجل تحقيق هذه السياسة يجب دراسة إمكانية إنشاء مجلس أعلى للتعليم يضع ويشرف على تنفيذ تلك السياسة ويقوم بالتأكد من تنفيذ كافة مؤسسات التعليم في الدولة.